لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع فيه أخباراً عن سقوط قتلى سودانيين في اليمن أو اعتقال مقاتلين مشاركين في التحالف من البلد الذي يعيش اليوم اضطرابات سياسية وأمنية وعسكرية على خلفية الانقلاب العسكري الذي التفّ على ثورة الشعب المطالبة بالتغيير.
القوات السودانية التي تشارك في الحرب على اليمن منذ مارس/ أذار 2015، بحجة دعم التحالف، هي قوات تعمل بالأجر المدفوع من قبل السعودية والإمارات الداعمتين للانقلاب في السودان، وقد تضاربت الأنباء بشأن حجمها الحقيقي وعددها والمهام الموكلة إليها.
لكن الفريق أول محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري قال إن "السودان لديه أكبر قوة في التحالف الذي تقوده الرياض، وقواتنا من أكبر القوات المشارك، حيث يبلغ قوامها ثلاثين ألف جندي. حميدتي اعترف في الوقت ذاته أن تلك المشاركة تأتي بمقابل أجر بلغ في وقت سابق ثلاثة مليارات دولار، قال إنها ذهبت إلى البنك المركزي السوداني.
وتشير الإحصائيات إلى فقدان السودان ألف مقاتل منذ بدء الحرب على اليمن على أيدي الجيش واللجان الشعبية التابعة للسلطات في صنعاء بقيادة أنصار الله (الحوثيين)، وهي نتيجة يرفضها الثوار الذين يطالبون بوقف تلك المشاركة بعد أن اتضحت نوايا التحالف الاحتلالية خاصة في المحافظات الجنوبية التي أنشأت الإمارات فيها مليشيات تطالب بإقامة دولة "الجنوب العربي" وتحارب من أجل توسيع النفوذ الإماراتي، فيما تحاول السعودية ومليشياتها إجبار أبناء المهرة، الحدودية مع عمان، على الخضوع لتمرير مخططها الاحتلالي الطامح بالوصول إلى البحر المفتوح.
مصادر يمنية تحدثت عن وصول قوات سودانية جديدة إلى مدينة عدن جنوبي اليمن، خلال الشهر المنصرم، قادمة من البحر في الوقت الذي تشهد فيه المحافظات الجنوبية توترا عسكريا بين مجاميع مسلحة موالية للسعودية وأخرى للإمارات، قبل أن تتجه تلك القوات صوب معسكر رأس عباس (غرب المدينة) والذي تسيطر عليه عناصر تابعة لأبو ظبي التي قلّصت تواجدها المباشر في اليمن مؤخرا.
عناصر الجيش السوداني الذين يقاتلون في اليمن هم البديل للتواجد المباشر للإمارات في المحافظات التي تسيطر عليها في اليمن، إلى جانب أياديها الداخلية المتمثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي والجماعات المسلحة ذات الأهداف الانتماءات المتعددة ومنها الحزام الأمني والنخبة والعمالقة والسلفيين وعناصر نجل شقيق الرئيس المخلوع صالح المعروف بطارق عفاش، وهي جماعات تعمل لتمكين الإماراتي من أوسع مساحة في البلاد وبسط أياديها على منابع الثروة والاقتصاد والموانئ.
من الأولى أن يكون هؤلاء المقاتلون اليوم في بلدهم وإلى جانب إخوانهم بدلا من البقاء في ورطة الحرب على اليمن |
وتعرف اليمن في كتب التاريخ القديم والحديث باسم "مقبرة الغزاة"؛ فقد اشتهرت بصعوبة تضاريسها وشراسة مقاتليها وبسالتهم في مواجهة الاحتلال، بل يقال إن الرصاصة لا تخرج من بندقية أحدهم إلا إن كانت ستصيب هدفها، وخسرت فيها كل محاولات الاحتلال منذ الحملة الحبشية ومرورا بالفارسية ووصولا إلى الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن في بدايات القرن المنصرم وحتى قيام ثورة الـ 14 أكتوبر/ تشرين الأول 1963 التي انتهت بخروج الاحتلال البريطاني من جنوب اليمن، بالإضافة إلى أن للأتراك تجارب مريرة في حرب اليمن أيام الدولة العثمانية، كما أن مصر خسرت عشرات الآلاف من الجنود في ستينيات القرن الماضي، وهذا ما كان يجب أن يأخذه التحالف بعين الاعتبار قبل إعلان الحرب التي يبدو اليوم غارقا فيها وعاجزا عن الخروج منها بصورة تحفظ له ماء وجهه.
اليمنيون لا يسلمون أرضهم بسهولة وما حصل في المحافظات الجنوبية أواخر العام 2015 ومطلع العام 2016 ما كان ليحصل لولا وعود التحالف الوردية لأبناء تلك المحافظات التي شهد أبناؤها تغير نوايا السعودية والإمارات بعد تمكينهم من الأرض وزرع الخلايا في جذور المجتمع لخلق الرعب وفرض الهيمنة، لكن المسلّم به أن تلك السطوة لن تستمر؛ فلقد كان الاحتلال البريطاني أكثر سطوة وجبروتا من الإمارات والسعودية اللتين تستوردان حتى ذخيرة الكلاشنكوف، فاليمن بلاد يعشق أبناؤها الثورة ولا يبخلون عليها بدمائهم وأرواحهم.
ولذلك فإن مستقبل القوات السودانية، وغيرها ممن يقاتل مع التحالف في اليمن، أسوأ من ماضيها، وما خسارة ألف جندي وجرح ضعفهم إلا دليل على حجم الورطة التي دفعتهم إليها الإمارات فيما نأت بجنودها عن ذلك، وهم اليوم الخاسر الأكبر لأنهم يقدمون أرواحهم دون تقيق أي تقدم يذكر، فالسعودية التي صعد الحوثيون قصف مطاراتها بالطائرات المسيرة، تقاتل اليوم بشباب يمنيين جلبهم لها سماسرة الجنود مقابل أجر مدفوع، وتقدم عددا كبيرا منهم في الحدود مع اليمن، أما الإمارات فقد سحبت جنودها وأبقت القوات السودانية في الساحل الغربي الذي يشهد أكبر معركة منذ اندلاع الحرب.
وفي الوقت الذي تتجه فيه السودان نحو الحرب بسرعة الضوء فهي بحاجة إلى جيش وطني يقف في صف الشعب وليس في صف السلطة التي تتاجر اليوم بأرواحهم في اليمن من أجل ضمان بقائها وإخماد ثورة الشعب، ولذلك فإن من الأولى أن يكون هؤلاء المقاتلون اليوم في بلدهم وإلى جانب إخوانهم بدلا من البقاء في ورطة الحرب على اليمن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.