شعار قسم مدونات

فساد وكالات الأمم المتحدة.. القشة التي قصمت ظهر اليمنيين

blogs اليمن

في الوقت الذي يعاني فيه اليمنيين الأمرين في سبيل الحصول على لقمة العيش التي تكفيهم للبقاء على قيد الحياة، وفي الوقت الذي يواجه فيه ما يقرب من 20.1 مليون يمني نقصاً حاداً في الغذاء، منهم ما يقارب من الـ5 ملايين يعانون ظروف شبيهة بالمجاعة. نفاجئ بفساد مهول أُختلست فيه ملايين الدولارات التي كانت من المفترض أن تسد جوع ملايين اليمنيين، وتحافظ على صحة ملايين آخرين، يموتون يوميا بسبب أمراض يمكن الوقاية منها إن توفرت بعض الإمكانات المادية البسيطة. هذه المرة لم يكن الفساد من خارج منظمات الأمم المتحدة العاملة في اليمن، بل من داخلها والمتهمين فيه، هم مسئولين كبار شغلوا مناصب عُليا في وكالاتها المختلفة على مدى أكثر من سنتين.

 

وكالة أسوشيتد برس قالت في تحقيق لها، حمل عنوان "الأمم المتحدة تحقق في سرقة موظفيها لأموال المساعدات باليمن" نشرته في 5 أغسطس/آب 2019، قالت إنها حصلت على وثائق تكشف إن الأمم المتحدة تحقق في تورط عدد من موظفي الإغاثة التابعين لها في سرقة أموال المساعدات الإنسانية في اليمن وارتباطهم بأطراف الحرب. أضافة إلى نيفيو زغاريا، القائم بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن أشار التحقيق إلى شخصيتين يمنيتين متورطة في هذا الفساد، الأولى تتبع الحوثيين في صنعاء، وهي تميمة الغولي، والثانية تتبع الحكومة الشرعية في عدن، وهو عمر زين.

 

تميمة الغولي، موظفة في منظمة الصحة العالمية في اليمن، قال التحقيق أنها اعتادت فبركة كشوف الرواتب وإدراج أسماء موظفين وهميين للحصول على رواتبهم. كان من بين من أضافتهم تميمة الغولي إلى كشوف الرواتب زوجها، الذي ينتمي لعائلة حوثية بارزة. أربعة مصادر قالت لـ اسوشيتد برس إن الغولي أبلغت الحوثيين في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بوصول محققي الأمم المتحدة إلى مقر المنظمة وحصولهم على أجهزة الكمبيوتر المحمولة لفحصها بسبب مزاعم الفساد. على اثر هذا البلاغ اقتحم مسلحون حوثيون صالة المغادرة في مطار صنعاء وأوقفوا المحققون قبل أن يتمكنوا من الصعود إلى متن طائرتهم وصادروا ما بحوزتهم من أجهزة الكمبيوتر المحمولة. بحسب المصادر فقد جرى وقف تميمة الغولي عن العمل، لكنها مازالت موظفة في منظمة الصحة العالمية. هذا الحادث يؤكد بما لا يدعوا للشك بان الفساد الحاصل في وكالات الأمم المتحدة العاملة في اليمن كان يتم بالتعاون مع جماعة الحوثيين .

 

كيف تحولت منظمة، عملها الاساسي والوحيد هو الاغاثة والمساعدة، والذي من أجله تأسست، الى منظمة تعج بالفساد والمفسدين والبذخ اللامعقول

عمر زين، نائب رئيس فرع منظمة الصحة العالمية في عدن ومستشار وزير الصحة والسكان في الحكومة الشرعية في عدن، بحسب التحقيق، فإن عمر زين تلقى مئات الآلاف من الدولارات من أموال المساعدات لحسابه الشخصي، وفقًا لمقابلات مع مسئولين ووثائق داخلية. لم يستطع زين توضيح ما حدث لأكثر من نصف الأموال ، حسب الوثائق الداخلية. وذكر التحقيق أن زين يدير منظمة غير ربحية وقعت عقدا مع الأمم المتحدة بقيمة 1.3مليون دولار لتشغيل وإدارة البرامج الغذائية في مدينة المكلاء، جنوبي اليمن. مع أن المنظمة ليس لها أي وجود فعلي على أرض الواقع في مدينة المكلاء، على حد قول شخصين على دراية بالبرامج.

 

وذكر التحقيق أن المدققون الداخليون التابعون لمنظمة الصحة العالمية يحققون في مزاعم بتورط نيفيو زغاريا، القائم بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، في الفترة من ديسمبر/كانون الأول 2016 حتى سبتمبر/أيلول 2018، تورطه بأعمال أقل ما يمكن وصفها بأنها غير نزيه، من خلال توظيف أشخاص غير مؤهلين في وظائف ذات رواتب عالية، وإيداع ملايين الدولارات في حسابات مصرفية شخصية للعاملين، والموافقة على عشرات العقود المشبوهة من دون استيفاء الأوراق المطلوبة، وضياع أطنان من الأدوية والوقود المتبرع بهما. و بحسب ستة موظفين حاليين وسابقين تحدثوا لوكالة الأسوشيتد برس الأمريكية .فأنه منذ البداية اتسم العمل في مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن تحت قيادة زغاريا بالفساد والمحسوبية، وقال ثلاثة أشخاص إن زغاريا استعان بموظفين مبتدئين عملوا معه في الفلبين وقام بترقيتهم إلى وظائف ذات رواتب عالية لم يكونوا مؤهلين لها. ومن بين من استعان بهم زغاريا طالب جامعي فلبيني ومتدرب سابق وقد حصل الاثنان على مناصب عليا، لكن دورهما الوحيد كان ينحصر في الاهتمام برعاية كلب زغاريا!، حسبما قال اثنان من المسئولين.

  

وللمفارقة المؤلمة، فإن نيفيو زغاريا، كان قد قال في تصريح له نشره موقع منظمة الصحة العالمية في شباط/فبراير 2017، انه مع فقدان أكثر من 14.8 مليون شخص من فرص الوصول للخدمات الصحية، فإن غياب التمويل اللازم سيؤدي إلى مزيد من التدهور في الوضع الصحي وانه يُطلب منهم سد الفجوة التي سببها انهيار المؤسسات الصحية، لكنهم، بحسب قوله، لم يتلقوا في السنة الماضي إلا أقل من نصف التمويل المطلوب وقدره 124 مليون دولار"، وقال في ذات التصريح أنهم بحاجة ماسة للموارد لمساعدتهم في دعم النظام الصحي ككل، ودعا المانحين إلى زيادة الدعم الذي يقدمونه قبل أن يفقد المزيد من الأبرياء حياتهم"!. لكن للأسف، فقد الكثير من الأبرياء حياتهم وذهبت أجزاء كبيرة من أموال المانحين تقدر بملايين الدولارات، التي كان من المفترض أن تحافظ على حياة الملايين من اليمنيين، إلى حسابه الشخصية وحسابات من حوله من الموظفين.

 

كيف لمن تَصدُر منهم تقارير عن ملايين الأطفال الذي يموتون في اليمن بسبب الظروف الصحية السيئة، فخلال عام واحد وفي مدينة واحدة ومستشفى واحد فقط، بحسب منظمة الصحة العالمية، الذي يمثلها ويديرها في اليمن نيفيو زاغاريا، المتهم في اختلاس ملايين الدولارات، "توفي أكثر من 100 طفل بسبب سوء التغذية الحاد في مركز التغذية العلاجي بالمستشفى، ومعظم هؤلاء أتوا من مدينة الحديدة، وهناك العديد من الأطفال خارج المدينة يموتون في بيوتهم بسبب عدم تمكن أسرهم من توفير تكلفة الانتقال للمرفق الصحي". ويعايشون يومياً، بحكم عملهم، مئات الحالات التي تعيش ظروف قاسية مأسوية، ويطلعون عن قرب على بيئة، هم أنفسهم وصفوها بأنها لا إنسانية. كيف لمن تتلاقي أعينهم يومياً مع أطفال يعانون من سوء التغذية الحاد الذي يعاني منه ما يقرب من 2.2 مليون طفل يمني، منهم ما يُقدّر بـ 462،000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد والشديد. الذي تقول تقاريرهم "أنه إذا لم يتم معالجة هؤلاء الأطفال في الوقت المناسب، فسيكونون أكثر عرضةً للوفاة بـ 11 مرة مقارنةً بالأطفال الأصحاء. حتى لو نجوا من الموت، فإنهم سيواجهون خطر عدم تحقيق إمكاناتهم التنموية، مما يشكل تهديداً خطيراً لجيل كامل في اليمن، ويُبقي البلاد غارقةً في حلقة مفرغة من الفقر والتخلف". كيف لهؤلاء، الذين كان من المفترض بهم أن يكون من أكثر الناس تعاطفاً وسنداً وعونا، أن يكونوا هم من يسرقون المساعدات من أفواه الأطفال الجائعين، ويحرمونهم من أموال كانت ستحافظ على صحتهم، وتحميهم من أمراض سلبت أرواح الكثير منهم؟.

 

كيف تحولت منظمة، عملها الاساسي والوحيد هو الاغاثة والمساعدة، والذي من أجله تأسست، الى منظمة تعج بالفساد والمفسدين والبذخ اللامعقول، وبدلاً من تخفيف معاناة الشعوب، ساهمت في كثير من الأحيان في إطالة امدها، وأصبح فسادها في كثير من البلدان هو القشة التي قصمت ظهور الشعوب. ليبقى السؤال المطروح دائماً، ما هي آلية الرقابة والمحاسبة، إن وجدت، داخل وكالات الأمم المتحدة، وكيف تتم، ومن هي الجهة المخولة للقيام بذلك!؟ نيفيو زغاريا، القائم السابق بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، لم يتم إحالته إلى التحقيق ولم يتم حتى إيقافه عن العمل، بل تم نقله إلى مكان أخر، وكأن شيء لم يكن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.