شعار قسم مدونات

لماذا نجح مسلسل تشرنوبل؟

blogs تشيرنوبل

كثيرة هي الأعمال السينمائية، لكن القليل منها من يعتبر ناجحا، ونال شهرة واسعة، لكن من بين هذه الأعمال القليلة والناجحة، مسلسلات تتفاوت في التقييم حسب موقع imdb يأتي على رأس هذه المسلسلات، الحاصل على أعلى تقييم، 9.6من 10، مسلسل تشرنوبيل المكون من خمس حلقات فقط، ولقد تم عرض لأول مرة في 6 من مايو 2019، المسلسل من كتابة "كريج مازن"، وإخراج" يوهان رينك " وإنتاج "hbo" ترى ما هي أسباب هذا النجاح الذي فاق كل التوقعات؟

 

لقد اجتهدت مخيلات البشر كثيرا في إنتاج روايات وأفلام مفترضة لنهاية العالم، كل هذا من أجل التأثير في المشاهد أو القارئ بشكل كبير، لكن يبقى الخيال وحده، ليس كافيا ولا يساوي شيئا أمام الأحداث والكوارث في مسرح الواقع، فمثلا يوم السبت 26 أبريل عام 1986، وبالضبط في 1:23 ليلا بالتوقيت المحلي لأوكرانيا، لم يمحى هذا التوقيت من الذاكرة، خطأ في التشغيل يؤدي إلى انفجار المفاعل النووي الرابع، داخل محطة تشرنوبيل التابعة للاتحاد السوفياتي، شمال أوكرانيا، قد خلفت هذه الكارثة أسوأ ما يمكن أن يتصور، قدرت هذه الخسائر بثلاثة مليارات دولار أمريكي، و36 قتيلا و2000 مصابا.  تعجز مخيلة البشر عن إدراك هول هذه الكارثة فقد فاقت التصور البشري للكوارث وعظمها. لقد جسد المسلسل هذه الكارثة بشكل كبير نظرا لاعتماده على كتاب، عبارة عن مجموعة من الحوارات والقصص التي رواها الناجون من هذه الكارثة، فكان عبارة عن مسلسل واقعي.

 

نجح المسلسل بشكل كبير في التأثير في المشاهد وإن كان المشاهد العادي لا يعرف التفاصيل المتعلقة بالفيزياء، كما استطاع المسلسل أن يضع المشاهد أمام مختلف الزوايا

في اعتقادي ربما كان هذا هو السبب البارز في نجاح هذا المسلسل، وإن كانت هناك أسباب أخرى سواء ما يتعلق بالمونتاج أو الأدوار التي أنيطت للممثلين الذين ابهرونا بإتقانهم للأدوار لكن يبقى السبب الرئيسي، هو أن المسلسل اعتمد أو بالأحرى صور لنا ما وقع اعتمادا على الكتاب الذي سبقت الإشارة إليه "صلاة تشرنوبيل" الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 2015 للكاتبة والصحافية البيلاروسية "سفيتلانا ألكسييفيتش" لقد كان هذا الكتاب أول من نقل أصوات من وقعت عليهم المأساة، حيث قامت الكاتبة والصحفية بمقابلة مع 500 ناج وناجية من هذه الكارثة سواء من رجال الإطفاء أو من تم تكليفهم بدفن وجه الأرض الملوث، وكذلك من كلفوا بإطلاق النار على الحيوانات ودفنها خوفا من العدوى، كما وصفت الكاتبة هذه الكارثة بأنها "أسوأ بكثير من معسكرات الاعتقال ومصارعة المجهول"؛ بذلك ليكون هذا الكتاب هو من أهم المصادر الذي وضح الحقيقة على لسان الناجين والإنصات لهم، فإن قارئ هذا الكتاب يجده مثيرا ومخيفا، أكثر من المسلسل، لذكره التفاصيل والأحداث كما وقعت بالضبط، وإن كان المسلسل يعتمد على الصورة بشكل كبير إلا أن القصص الحقيقية تبقى الأكثر تأثير، كما أن المسلسل لم يسهب في ذكر التفاصيل فهو مكون من خمس حلقات فقط لذلك تناول أهم الأحداث فقط.

 

لقد أبدع الكاتب في تنظيم الأحداث، فلم يضيع الوقت في أحداث ثانوية، واغفر له للتفصيل الصغيرة، انطلق المسلسل مع بداية الحلقة الأولى دخل بالمشاهد في الحديث الأهم الانفجار ليعقب هذا الحدث عدة أسئلة، من مثل ماذا سيحدث بعد ذلك، وما هي طرق معالجة هذا الحادث، لينتقل بعد ذلك إلى إجابة عن هذه الأسئلة عن هذا الحادث الذي يبدو للمشاهد العادي لأول وهلة كأنه حادث عادي وبسيط، وكما رأيناه على أعين المواطنين العاديين وكذلك السياسيين، لكن توابع هذا الحادث كان لا يتوقع.

  

لقد نجح المسلسل بشكل كبير في التأثير في المشاهد وإن كان المشاهد العادي لا يعرف التفاصيل المتعلقة بالفيزياء، كما استطاع المسلسل أن يضع المشاهد أمام مختلف الزوايا فهو ينقل المشاهد نظرة الشخص البسيط، إلى السياسي المتغافل عن حجم الكارثة، إلى العالم الواعي بما هو واقع، كما لا ننسى أن أعظم المشاهدين في حين وقوع هذه الكارثة إما كانوا أطفالًا أو لم يوجدوا بعد، لذلك نجد المشاهد، كأنه كان ينتظر هذا المسلسل ليمنحه فرصة المشاهدة، لإشباع فضوله حول حجم وهول الكارثة، ومعرفة الأسباب والدواعي وراء ذلك، كل ذلك كله، قاد المشاهد للاطلاع على هذا العمل الفريد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.