شعار قسم مدونات

اليابان ليست كوكبا آخر يعيش على كوكبنا!

blogs المجتمع الياباني

تسمى اليابان في اللغة الصينية نيهون أو نيبون بمعنى نصدر الشمس، دولة صعدت إلى مصاف كبريات الدول في قصة دراماتيكية حقيقية، فبعد نهضة ميجي وانكسار الحرب العالمية الثانية، وقفت اليايان على قدميها في ما يشبه المعجزة، فهي الدولة الوحيدة التي ضربت بقنبلتين دريتين ونجت وداوت جراحها، وأصبح الفرد الياباني مضرب المثل في العمل والتفاني والسعادة، وتكفيك الآن كتابة جملة على اليوتوب حول اليابان حتى تخرج لك عشرات الفيديوهات التي تتحدث حول الكوكب الآخر الدي يعش على كوكبنا، اليابان التي تزدهر طرقاتها بالنظام والنظافة، الدقة في المواعيد، الخدمات المتوفرة، الوزراء النزيهون الدين يعتدرون للشعب بسبب انقطاع الكهرباء أو لأن مسنة يابانية تعدى عمرها المئة وأربع وعشرين سنة لا تحسن قراءة اسمها فيستقيل الوزير، اليابان التي يساعد فيها الجيران بعضهم على نقل المفروشات أثناء الانتقال إلى منزل جديد، شعب مسالم ومضياف يقدس تقاليد الضيافة للغرباء، مؤشرات نمو قياسية، بعقول عباقرة يصنعون الرجال الآليين كتسلية.

يساهم الإعلام دوما في تبييض صورة شخص أو بلد ما، لكن ما حدث مع اليابان مختلف، ففي الدول العربية صارت صورة اليابان أمنية وحلما لكن بعيد المنال عن الجميع، ليست كأمريكا أو أوروبا، هي الأفضل من الأفضل، لكن أليس اليابانيون بشرا؟ مشاكلهم كمثل باقي الدول في العالم، بعضها لا يجدون لها حلا، ليس أقلها صعوبة المشاكل الإجتماعية المريتبطة بباقي المشاكل الإقتصادية، فقد ظهر مصطلح أصبح متداولا المنطون أو المنعزلون العاطلون عن العمل أو ما يعرف اختصارا بالإنجليزية بال SNEP، تشير هذه الكلمة إلى شريحة من اليابانيين ممن تتراوح أعمارهم ما بين أكثر من ٢٠ عاماً إلى ٥٩ عاماً. وهم لا يعملون أي عاطلون عن العمل وغير متزوجين، ويقضون معظم الوقت وحدهم أو مع شخص فقط ربما من أسرهم. ولعله يترآءى للقارئ عندما يقرأ هذا التعريف بأنه انطواء نفسي. ولكن كلمة منطوٍ تشير إلى من يعيش حياة منطوية لمدة ستة أشهر أو أكثر، ويلازم المنزل طوال الوقت.

اليابان التي استقلت عن سيطرة أمريكا عام 1952 خسرت هويتها بالرغم من ربحها لمعركة التكنولوجيا، فقد كان من الممكن لها التطور بدون انسلاخ وبدون دوبان في ثوب الغرب

وكلمة منطوي أصبحت كلمة مشهورة في اليابان منذ أواخر التسعينيات. وإن كان هناك عرض أو تعريف ببعض الحالات الفردية فقد كان من الصعب الإحاطة بها ككل. أما من يسمون بـ SNEP فمنذ عام 1976 تجري الحكومة اليابانية دراسات إحصائية واسعة النطاق كل ٥ سنوات وقد أصبح من الممكن الإحاطة بواقعهم بالتفصيل وبشكل دقيق. وتُسمى هذه الدراسة الدراسة الأساسية للحياة الاجتماعية ويتم ذلك عن طريق اختيار 3 مليون شخص من جميع أنحاء البلاد، يجيبون عما يفعلونه خلال حياتهم اليومية لمدة يومين كاملين ويتم انتقاءهم بشكل عشوائي ويقومون بالإجابة كل ١٥ دقيقة.

في العام 2011 عدد العاطلين المنطوين 850 ألف شخصاً وبعد 10 أعوام أي في عام 2011 إرتفع عددهم بمقدار الضعف تقريبا حتى وصل إلى 1.63 مليون شخص. هدا التضاعف المهول في الرقم له تداعيات وتناميات خطيرة وجودية في المدى الزمني الطويل على حياة اليابانيين كشعب، فالبطالة المهنية لها وجه آخر في اليابان، وهو العزوف عن الإنجاب، بسبب الغلاء المعيشي الدي يخيف الفرد الياباني بالرغم من جزالة الرواتب للموظفين، وتوفر الملاهي التي توفر الجنس من دون تبعات الزواج التي تترتب عليه مغبة الإعالة، كما أصبحت عديد الأسر تستعيض عن الإنجاب البشري بالتبني الحيواني للقطط والكلاب، فحسب إحصائية أفادت بأن في اليابان ما يقارب 25 مليون كلب وقط هويقابله 13 مليون طفل، هدا الرقم ترجمه التجار إلى محلات كثيرة لبيع ملابس القطط والكلاب تنتشر بصورة متزايدة في مقابل محلات بيع ملابس الأطفال، والشباب اليابانيون يميلون إلى عدم الدخول أصلا في العلاقات العاطفية ليس استغناء عن الجنس الآخر، إنما بسبب ضيق الوقت والإنهاك المزمن جراء العمل، والصور من الشوارع أو محطات الميترو التي تظهر العديد منهم ينامون في وضعيات مختلفة خير دليل على دلك، ووجدت دراسة أخرى أن 45 بالمئة من اليابانيات يجدن العلاقات الجنسية أمرا مقززا، التعبير مقزز ينم عن مرض اجتماعي بالتأكيد في مجتمع غالبيته ملحدة،

الشباب الذكور من اليابانيين الدين حتى لو وجدوا وقتا لشريك فلن يكون الشريك آدميا، بل دمية، نعم ليست دعابة بل حقيقة صادمة عن كوكب اليابان الوهمي، يقدر مراقبون بيع أكثر من 2000 "دمية بشرية" في اليابان كل عام. كما تصنع هذه الدمى بحرفية عالية تجعلها تشبه أشكال البشر إلى حد كبير، فلديها رموش طبيعية وأصابع قابلة للطي وملمس بشرة ناعم، ناهيك عن امتلاكها أعضاء تناسلية اصطناعية، ويقارب سعر الدمية الواحدة من 4000 دولار أمريكي، ومع ذلك، قد يشتري البعض أكثر من قطعة في آن معا.

الزواج من دمية أو معاشرتها أنقص نسب الولادة عاما بعد عام، وإن استمر الأمر مع تزايد حالات الإنتحار لكان التهديد حقيقيا على وجود اليابان في المئة سنة المقبلة، الدولة المتقدمة في كل المجالات تناقص فيها عدد الوفيات بشكل رائع، مما يعني متوسط أعمار مرتفع لكن في مصلحة الشيخوخة ومع تناقص المواليد سيصبح المجتمع الياباني يعج بالعجائز، مما يؤثر على المناخ العام للصناعة والخدمات، وفي كل سنة يرتفع عدد المنتحرين تقريبا بالألف ففي عام 2016 سجلت 24 ألف حالة انتحار ليقفز العدد إلى 26 ألف في 2017.

الانتحار والبطالة والعزلة الاجتماعية ليست آخر هموم اليابان، ففي أحد الزلازل التي ضربت اليابان، قدمت منظمة الياكوزا المساعدات للسكان والمناطق المتضررة أسرع من الحكومة داتها، مما سلط الضوء على النفود الدي تملكه العصابة في دولة ينظر لها العالم على أنها جنة الحالمين، إد تمتلك العصابة القدرة على التدخل في عالم السياسة، كما توسّعت في عالم العقارات والإنشاءات والتكنولوجيا والمعاملات المالية، وأدارت الياكوزا مؤسساتعدة بعد الحرب العالمية الثانية وتدخلت بقوة للحصول على علاقات قوية مع كل الفنانين الكبار، وعلى مرّ العقود لجأ إليها كبار الشخصيات السياسية ورجال الأعمال ورؤساء الشركات والمشاهير من أجل حل مشكلاتهم، وقد قدرت الحكومة عدد أفرادها ب 150000 ألف فرد، منتظمين ومحترفين للجريمة بكل أنواعها ووصل الأمر في 17 أبريل 2007، بتيتسويا شيرو وهو عضو بارز في عصابة سويشين-كاي عصابة ياكوزا تابعة لياماغوتشي غومي أن قام باغتيال أتشو إيتو محافظ مدينة ناغازاكي، بسبب خلاف على الأضرار التي لحقت سيارة شيرو في موقع بناء عام. في 26 مايو 2008 حكم على تيتسويا شيرو بالإعدام. لكن ألغت محكمة فوكوكا العليا حكم الإعدام وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في 29 سبتمبر 2009.

تخسر كل دولة في أحد مراحل حياتها الحرب، كمثل اليابان التي خرجت منهزمة بعد قنبلتين دريتين، لكن معظم الدول تتعافى تدريجيا لترجع في بعض الأحيان أقوى مما كانت، إلا أن اليابان التي استقلت عن سيطرة أمريكا عام 1952 خسرت هويتها بالرغم من ربحها لمعركة التكنولوجيا، فقد كان من الممكن لها التطور بدون انسلاخ وبدون دوبان في ثوب الغرب، إذن اليابان دولة عادية تماما كغيرها، الفرد فيها فاسد وصالح، يعمل وربما يرتشي، يجتهد ويتعب، اجتماعي ومنعزل، يمرض ويمرض معه المجتمع، ومن ينقل الصورة عن غير دولته من الدول، فلينقلها كما هي بدون مكياج يظهر محاسن الغير من أجل التجارة ببعض البشاعة الطبيعية في بلده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.