شعار قسم مدونات

هذا ما نتعلمه من تجربة جمال بلماضي في المنتخب الجزائري

BLOGS جمال بلماضي

أسدل الستار إذا على نهائيات كأس أمم أفريقيا مصر 2019، ورسمت الجزائر نجمة ذهبية ثانية على قميصها، بعد انتظار دام 29 سنة وبعد شد وجذب على من سيتولى العارضة الفنية بعد الحالة المأساوية التي وصلت لها الكرة الجزائرية منذ استقالة المدرب الفرانكو- بوسني وحيد حليلوزيتش، ومن المفارقات أن الجزائر في الفترة التي توِّجت فيها بكأس إفريقيا لأول مرة في تاريخها كانت تعيش ظروفا مشابهة لما نعيشه اليوم، وإن كنا نأمل أن لا يحصل مع هذا الجيل ما حصل مع جيل التسعينات.

لكن الأهم من كل هذا، هو ماذا تعلم الجزائريون من هذا الفوز ومن هذا النصر؟ حتى وإن كان البعض مما يسمون النخبة يحاول دائما التقليل من شأنه، تحت ذرائع واهية وبالية، منها أن كرة القدم مجرد لعبة، وأنها لا تزال لحد الساعة وسيلة لإلهاء الشعوب عن أهدافها وقضاياها المنشودة، وكان الأجدر أن يصفوها بأنها وسيلة لإخراج الشعوب من اكتئابها وحسرتها على الأوضاع التي تعيشها سياسيا واقتصاديا، وأنها نوع من إخراج لمكبوتات الإنسان العربي التي تكاد تنهي حياته.

هذا الجلد المنفوخ الذي يجري خلفه اثنان وعشرون لاعبا، كشف لنا مدى تعطش الجزائر لبعض من السعادة والفرح، هذا الجلد المنفوخ أثبت أن شابا مثل جمال بلماضي يمكنه أن يحقق ما عجز عنه الشيوخ الذين لا زالوا يبكون أمجاد الماضي

فما فعله جمال بلماضي وأشباله يستحق وقفة دارس وناقد ومحلل، من يقول أن جمال مجرد مدرب كرة قدم أو لاعب سابق هو مخطئ، جمال الذي أتى به الضغط الجماهيري والرغبة الشعبية بعد فشل عدة مدربين أجانب وحتى محليين في تسير المنتخب، يؤكد لنا أن الجماهير يمكنها التغيير حتى في أبسط القضايا إذا اعتبرنا كرة القدم من هذه القضايا الثانوية كما يظن البعض.

الأمر الآخر هو ما يخص بعضا من اللاعبين الذين كانوا من المغضوب عليهم في فترات سابقة، ولاقوا تهميشا كبيرا، وحتى محاولات لإنهاء مسيرتهم بمؤامرة قذرة على غرار يوسف بلايلي الذي حاولوا القضاء على أحلامه لتصفية حسابات شخصية، مثلما هُمِش مدافع المنتخب جمال بلعمري وبغداد بونجاح هداف السد القطري في فترات سابقة انطلاقا من أعذار تافهة وغير منطقية، هؤلاء رغم ظلمهم ورغم قهرهم لم يتراخوا في تلبية النداء واستغلوا الفرصة التي منحت لهم من جديد، ليعكسوا لنا حجم الفساد الذي طال الكرة الجزائرية والرياضة الجزائرية والجزائر جملة وتفصيلا.

ومن الدروس الأخرى التي نتعلمها حاضرا ومستقبلا، ما تصدعت به رؤوسنا ولا تزال بقاياه إلى اليوم، وهو اعتبار أن اللاعب المحترف وخاصة ممن ولد خارج وطنه الأم، بارد المشاعر تجاه بلده، وأنه لا يقدم إضافة فوق مجهوده البدني والفني الخاص، لندرك اليوم أنها كانت مجرد مزايدات ساذجة في الوطنية وحب الوطن، وأن المغتربين وطنيون بل وحتى أكثر منا أحيانا، فمن يخرج للاحتفال في شوارع فرنسا معرضا نفسه للاعتقال لمجرد جلد منفوخ لا يمكن أن يكون إلا عاشقا لوطنه حتى النخاع، فلا تهديدات الأمن ولا استفزازات العنصريين واليمينيين أثنتهم عن تعبيرهم بسعادة افتقدها الجزائر منذ عقود.

هذا الجلد المنفوخ الذي يجري خلفه اثنان وعشرون لاعبا، كشف لنا مدى تعطش الجزائر لبعض من السعادة والفرح، هذا الجلد المنفوخ أثبت أن شابا مثل جمال بلماضي يمكنه أن يحقق ما عجز عنه الشيوخ الذين لا زالوا يبكون أمجاد الماضي التي لن تعود، نحن اليوم نريد جمال بلماضي وأمثاله في كل المجالات في السياسة والاقتصاد والتعليم…، بصراحة نريد شبابا لا شيوخا تحمل تفكيرا دغمائيا لايفيد بلدنا في أي شيء، نريد من العجزة أن يتنحوا جانبا لهذا الشباب الطامح القادر على تحسين الأوضاع، وسنترك لكم الاستديوهات والإعلام والكاميرات والأضواء لتحللوا الأوضاع كما تشاؤون. 

فنحن لم ننشأ على الإقصاء كما نشأتم أنتم، نحن آمنا ونؤمن لحد الساعة أن الجزائر لا تُبْنَى إلا بجميع أبنائها على اختلاف أصولهم وألسنتهم، الجزائر التي ضحى من أجلها الجميع يبنيها الجميع، كما بُنِيَت جنوب أفريقيا وليبيريا، وأوغندا وغيرها من البلدان التي كانت على حافة الانهيار. لأنه وبصراحة مطلقة، كثيرون هم صناع الفراغ في بلادي، الفراغ الفكري أو الاقتصادي أو السياسي، الكل يسعى لسد الفراغ لكنه لا ينتج إلا فراغ، كل ما نعيشه أضحى فراغا ولا قيمة حتى للهواء الذي نتنفسه، فكل زمان بلادي كان ولم يزل إلا فراغا… فراغ، فراغ، فراغ. فاتركونا نملأ هذا الفراغ من أجل الجزائر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.