شعار قسم مدونات

ما يجب أن يدركه الفلسطينيون في لبنان

blogs فلسطينيو لبنان

بعد حملة عنصرية تجاه النازحين السوريين قادها صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل، افتعل وزير العمل حملة عنصرية موازية استهدفت هذه المرة اللاجئين الفلسطينيين. فقد أصدر قراراً يشمل العامل الفلسطيني بالعمالة الأجنبية التي تتطلب الحصول على إجازة عمل قبل مزاولة أي مهنة في لبنان. علماً أن اللاجئ الفلسطيني محروم منذ عقود من مزاولة عشرات المهن بذريعة مواجهة التوطين(!!). بعيداً عن الخلفيات البريئة والدوافع الإيجابية والمبررات المصلحية التي يقدمها وزير العمل، لكن الواضح هو أن قراره اتخذ أبعاداً أخرى تجاوزت تنظيم العمالة، إلى أبعاد أكثر خطورة، ساهم في اتخاذ هذه الأبعاد، ردة فعل عاطفية وتلقائية عبّر عنها الجانب الفلسطيني رفضاً للقرار.

 

لن أخوض في تفاصيل القرار وما يجب أن يحصل، لكنني أود أن أنبّه إلى أن ما يجب أن يدركه اللاجئون الفلسطينون في لبنان، هو أن الأوضاع المزرية التي يعانون منها، يتشاركون فيها مع بقية اللبنانيين. فالبطالة واهتراء البنى التحتية وانقطاع الكهرباء والتلوث والنفايات والأزمة الاقتصادية وغيرها الكثير، كلها أزمات يعاني منها الفلسطينيون كما اللبنانيون. لذلك فإن الاحتقان والغضب الذي يملأ قلوب الفلسطينيين يملأ قلوب اللبنانيين أكثر منهم، وليس مفيداً الإيحاء بأن معاناة اللاجئين الفلسطينيين منفصلة عن معاناة اللبنانيين.

 

إذا كان بعض اللبنانيين مصابون بمرض جيني يقوم على العنصرية والتكبّر والفخر الزائف، فإن كثيراً من اللبنانيين سلّمهم الله من هذا المرض ويمقتون المصابون به

ما يجب أن يدركه اللاجئون الفلسطينيون كذلك، لاسيما القيادات الفلسطينية والفصائل والجمعيات التي يفترض أنها تتحلى بالحكمة، أن مواجهة قرار وزير العمل لا تكون بتحريك الشارع، والدعوة لقطع طرقات وإحراق الإطارات المشتعلة ورشق القوى الأمنية اللبنانية بالحجارة. فحين يتحرك الشارع لا أحد يملك الإمساك به، والراغبون بإشعال فتنة بين الفلسطينيين والدولة اللبنانية كثر، ولا تنفع حينها دعوات التعقل والهدوء.

 

ما يجب أن يدركه الفلسطينيون أيضاً، أن اللبنانيين الذين يعيشون حولهم وبينهم هو المجتمع الذي يرحّب بهم ويعتبرهم أهله وإخوانه، وهو الذي يتعاطف معهم ويتضامن مع مظلوميتهم، ومستعد أن يقف إلى جانبهم في مواجهة قرار وزير العمل، وكل قرار آخر يؤدي للمساس بكراماتهم. لذلك عليهم أن ينتبهوا لبوصلة تحركاتهم، وأن تكون موجهة باتجاه من أساء إليهم ويضيّق عليهم، وأنها لن تؤذي إخوانهم اللبنانيين المتعاطفين معهم.

 

لكن في المقابل على اللاجئين الفلسطينيين أن يتذكروا أنهم لايعيشون في بيئة حاضنة، وأن شريحة واسعة من اللبنانيين لايرحبون بهم، ويكنّون لهم الكراهية والعداء، سواء أظهروا ذلك أو أسرّوه. ووصلت الكراهية ببعضهم حدّ العمالة لإسرائيل للتخلص منهم، وهم يعتبرون أن العدو الصهيوني أقرب إليهم من الفلسطينيين. ما يجب أن يدركه الفلسطينيون ومعهم قياداتهم أنهم الطرف الأضعف في أي معركة قد يخوضونها مع الدولة أو مع المجتمع اللبناني. فالأجواء المحيطة بهم ليست إيجابية، والعنصرية في أوجها، والسلطة اللبنانية وأجهزتها الأمنية ليست متعاطفة معهم، وربما ينتظرون "دعسة ناقصة" من الفلسطينيين تبرّر الانقضاض عليهم، لذلك عليهم الحذر جيداً والتنبّه لكل خطوة يقومون بها.

 

ما يجب أن يدركه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أن تعاطف كثير من اللبنانيين معهم لا يعود لأنهم فلسطينيون فقط، بل لأنهم إخوة لهم في الإنسانية وفي الدين وفي العروبة وفي التاريخ وفي الجغرافيا. هؤلاء اللبنانيون مستعدون للوقوف في وجه لبنانيين آخرين لرد الظلم والقهر عنهم. لذلك ليس مفيداً أبداً الإصرار على التصنيف والتمييز بين لبنانيين وفلسطينيين. وإذا كان بعض اللبنانيين مصابون بمرض جيني يقوم على العنصرية والتكبّر والفخر الزائف، فإن كثيراً من اللبنانيين سلّمهم الله من هذا المرض ويمقتون المصابون به. وعلى الفلسطينيين أن يدركوا أن تمسكهم بأرضهم المسلوبة وإصرارهم على العودة إليها، لا يجب أن يؤدي بهم للإصابة بالمرض الجيني نفسه لكن من الضفة الفلسطينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.