حتى الآن يعتبر مرض السرطان من أهم أسباب الوفاة في جميع أنحاء العالم. لسنوات طويلة وحتى حتى الآن قاد الباحثون دراسات وأبحاث دقيقة تركز على كيفية إيقاف هذا المرض القاتل من الانتشار في جميع أطواره فما مدى اقترابنا من إيجاد علاجات أكثر فعالية. مؤخرا لاحظت منظمة الصحة العالمية WHO أن ما يقارب حالة واحدة من كل 6 حالات وفاة في العالم كانت بسبب السرطان وفي الولايات المتحدة وحدها قدر المعهد الوطني للسرطان أكثر من مليون ونصف حالة سرطان جديدة ووقرابة مليون حالة وفاة في عام 2017 كان سببها السرطان.
حتى الآن تعتبر أهم أنواع العلاجات هي العلاج الكيمياوي والعلاج الإشعاعي والجراحة والعلاج الهرموني المستخدم في بعض أنواع السرطان مثل سرطان البروستات وسرطان الثدي كما أن هنالك أنواع أخرى من العلاج بدأت تظهر وهي قد تستخدم لوحدها أو بإضافتها للبروتوكولات العلاجية السابقة وربما يكون لها آثار جانبية أٌقل وفعالية أكبر. إن الأبحاث المتواصلة في علاج السرطان كانت تهدف إلى حل مجموعة من المشاكل التي تواجه مقدمي الرعاية الصحية والمرضى بما في ذلك العلاج المكثف المصحوب بآثار جانبية خطيرة وعودة الورم بعد العلاج والأبحاث في الجراحة، فيما يلي دعونا نراجع بعض أحدث الابتكارات في مجال أبحاث السرطان والتي منحتنا الأمل المتجدد في أن العلاج الأفضل وأليات الوقاية ربما يتم اكتشافها قريبا.
آلية تجويع الورم من خلال العناصر الغذائية التي يحتاج إليها الورم للنمو والانتشار ويشير العلماء إلى أن هذا يمكن أن يكون نعمة إنقاذ في حالة السرطانات الشديدة العدائية |
أحد أنواع العلاج التي استولت على اهتمام العلماء مؤخرا في مجال أبحاث السرطان هو العلاج المناعي immunotherapy ويهدف إلى تقوية وتعزيز ترسانة مناعة أجسامنا الحالية ضد الأجسام الغريبة والخلايا الضارة كما زيادة التحكم في استجابة جهاز المناعة في أجسامنا لانتشار أورام السرطان. لكن ولسوء الحظ هناك أنواعًا من الخلايا تمتلك طرقًا لخداع الجهاز المناعي إما في تجاهلها تمامًا أو جعله عامل مساعد لها لذلك يمكن لبعض أنواع السرطان الشرسة أن تنتشر بسهولة أكبر وتصبح مقاومة للعلاج الكيميائي أو حتى العلاج الإشعاعي.
ومع ذلك وبفضل التجارب المخبرية in vitro والتجارب المجراة in vivo يتعلم الباحثون الآن كيف يكونوا قادرين على إلغاء تنشيط أنظمة الدفاع في الخلايا السرطانية حيث كشفت دراسة تم نشرها في العام الماضي في مجلة Nature Immunology أن خلايا الـ macrophages وهي من خلايا الدم البيضاء التي تكون مهمتها بلعمة وتحطيم الحطام الخلوي وغيره من الأجسام الضارة قد فشلت في تدمير خلايا السرطان شديدة العدوانية. كان ذلك بسبب تفاعل هذه الخلايا مع الخلايا السرطانية لا تقرأ البلاعم macrophages إشارة واحدة بل إشارتين تهدفان إلى رفض عملهما المنظف للخلايا ومع ذلك فقد أظهرت هذه المعرفة إشارة علمية مهمة للعلماء من خلال العمل على إيقاف هذه الإشارات أعادوا تمكين خلايا الدم البيضاء من أداء عملها.
قد تكون الفيروسات العلاجية سلاحًا مفاجئًا في مكافحة السرطان كما كشف فريق من العلماء في تجاربهم في وقت سابق من هذا العام حيث تمكنوا من استخدام فيروس reovirus لمهاجمة خلايا سرطان الدماغ مع ترك الخلايا السليمة. تعتبر هذه هي المرة الأولى من نوعها والتي ثبت فيها أن الفيروسات العلاجية قادرة على المرور عبر الحاجز الدماغي brain blood barrier حيث أوضح الباحثون أن هذا النوع من العلاج قد يفتح أفاق جديدة يمكن استخدامها في علاج الحالات الشديدة في مرضى سرطان الدماغ.
الجسيمات النانوية هي جزيئات مجهرية حظيت بالكثير من الاهتمام مؤخرا في مجال الأبحاث السريرية قد توفر لنا الفرصة لتطوير طرق دقيقة وأقل توغلا invasive في معالجة الأمراض، شهد العامان المنصرمان طفرة كبيرة في تطورات تقنية النانو والجسيمات النانوية لعلاج السرطان والتي تم تطويرها خصيصًا لايصال الأدوية وتوجيهها مباشرة إلى الورم الدقيق بدقة وكفاءة قد تصبح الجسيمات النانوية مستقبلا مغيرة لقواعد اللعبة في علاج السرطان، في العام الماضي تمكن علماء في الصين والولايات المتحدة من التوصل إلى نوع من الجسيمات النانوية ذاتية التنظيم self regulating والتي تكون قادرة على تعريض الأورام للحرارة مما يساهم في تقليص الخلايا السرطانية مع تجنب ملامسة الأنسجة السليمة وهذا النوع من العلاج يطلق عليه العلاج الحراري hyperthermic treatment.
نوع آخر من الاستراتيجيات العلاجية التي يعكف الباحثون على البحث فيها مؤخرًا وهي آلية تجويع الورم من خلال العناصر الغذائية التي يحتاج إليها الورم للنمو والانتشار ويشير العلماء إلى أن هذا يمكن أن يكون نعمة إنقاذ في حالة السرطانات الشديدة العدائية والتي لا يمكن القضاء عليها بطريقة أخرى. نظرت إحدى هذه الدراسات في استراتيجية لإيقاف الجلوتامين وهو حمض أميني يوجد بشكل طبيعي ومن المعروف أن بعض أنواع السرطان مثل سرطان الثدي والرئتين والقولون تستخدم هذا الحمض الأميني لدعم نموها كما أن هناك طريقة أخرى لاستنفاد طاقة الخلايا السرطانية وهي منع وصولها إلى فيتامين بـ 2 كما لاحظ باحثون من جامعة سالفورد في المملكة المتحدة.
أظهرت التطورات الحديثة في مجال علم الجينات أن خلايا السرطان البشرية تحتوي على طفرات جينية عالمية بالإضافة إلى العديد من التغيرات الجينية التي قد تكشف لنا العلاج الأمثل والاستجابة للعلاج والخواص الأخرى للورم. في حين أن هناك الكثير من هذه الأبحاث تعدنا بعلاجات أكثر فعالية وبمستقبل علاجي أفضل فإن معظم هذه الدراسات لا تزال في مراحلها الأولى ولا يزال أمام بعض هذه العلاجات طريق طويل قبل إجراء التجارب السريرية على المرضى من البشر. ومع ذلك هذا لا يعني أن نفقد الأمل. يقول العلماء بأن هذه الجهود يجب أن تجعلنا متفائلين في حين أننا قد لا نكون الآن في المرحلة التي يمكننا فيها الادعاء بأن السرطان أصبح مرض بسيط يمكن استئصاله بسهولة إن معرفتنا المعززة والأبحاث العلمية والدراسات الأكثر دقة قد تجعلنا في تقدم كبير في مكافحة هذا المرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.