شعار قسم مدونات

انتهى رمضان وانتهت المبارزة مع النفس فمن انتصر؟

blogs رمضان

في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ" (رواه البخاري). ها قد انتهى رمضان وختم الله أعمال المسلمين خيرها وشرها، وكتب الملكان أعمال المسلمين خيرها وشرها، وعمل الجميع بما أملته عليه نفسه، فالشياطين مصفدة، ليخرج المسلم في مبارزة مفتوحة مع نفسه، فلا سبيل من الشيطان عليه، وفيه يخرج إلى العلن ذلك الإنسان المتخفي طيلة 11 شهرا وراء وساوس الشيطان، يخرج عاريا إلا من حقيقته وما عود نفسه عليه.

يقول أفلاطون إن الانتصار على النفس هو أعظم انتصار، وهنا يبرز المسلم من المؤمن في رمضان، فبالرغم من آثار عدة تحض على التزام التقوى والخلق القويم في رمضان إلا أن الكثيرين يلتزمون العكس والمتهم رمضان ذاته، فيعزى كل فعل سيئ إلى ضغط رمضان، وأنا مدخن وأعصابي تنفلت في رمضان، وترتكب فيه كل المعاصي وتنتهك كل الأخلاق، لكننا نرى المساجد عامرة إلى حد التخمة في كل الصلوات، لكن المصلي الذي ملأ بطنه في الإفطار لا يرعوي عن القتال حتى النهاية من أجل موقف سيارة أو من أجل مكان في طابور الخبز.

الإيمان بالقرآن مصاحب تماما للعمل به، والإيمان بالصوم مصاحب حتما للإلتزام به، لكي نخرج من دائرة الدين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم، كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ وكممن قائم ليس له من قيامه إلا السهر

الجوع كما يقول العلم وتظهر التجربة من مسببات الحروب والكوارث البشرية، فهو من أسس اضمحلال الأخلاق والنزول بالنفس البشرية العاقلة والملتزمة بالأخلاق إلى مهوى الغريزة والحيوانية، فيستعد الإنسان الجائع بكل التبريرات من أجل البقاء والقتال في سبيل إطعام نفسه، لكن الصوم ليس حالة جوع مفروضة أو مفتوحة زمنيا، فأذان المغرب إيذان بانتهاء الاختبار الغريزي، مما يساعد من تخفيف حدة النزعة الغريزية، كما أن الوازع الديني والثواب المرتجى من الصوم يعطي جرعة من الصبر على الجوع، لكن ذلك قد يقرب النفس من درك الغريزة، لأن أغلب الناس لا يصومون إيمانا واحتسابا وتضامنا مع الجوعى والفقراء، بل أصبحت النفس المسلمة تعيش بمنطق البراغماتية والآلة الحاسبة للأجر والحسنات وتتركز القراءات الدينية في رمضان دوما حول أحاديث من نوع كم يتضاعف أجر الصدقة في رمضان وكيف تحتسب العمرة فيه، تماما كما نسمع العديدين يقولون سأقوم لأعطي حق الله في صلاة الظهر أو غيرها.

الإحساس هنا واجب تأدية الصلاة وليس حب الصلاة في حد ذاتها والإيمان بضرورتها، فتصبح ممارسة ميكانيكية وليست سلوكا له أهدافه، ويسأل العديدون المشايخ والدعاة حول ما هو أجر ختم القرآن في رمضان وكم مرة يستحب أن يختم، ناهيك عمن يحسب القرآن بالأحرف ولا يحسبه بالمعاني والآيات. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس، إن خير الناس رجل عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت وإن من شر الناس رجلا فاجرا يقرأ كتاب الله لا يرعوي إلى شيء منه. رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها. رواه أحمد والبيهقي وابن عدي والطبراني.

الإيمان بالقرآن مصاحب تماما للعمل به، والإيمان بالصوم مصاحب حتما للإلتزام به، لكي نخرج من دائرة الدين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم، كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ وكممن قائم ليس له من قيامه إلا السهر، ولكي نخرج من دائرة الحسابات مع الله عز وجل بل العمل الخالص نرجو منه الثواب ولا ندخر نقاطا في سجلنا، فقد يؤدي ذلك إلى خداع من النفس لصاحبها بكثرة حسناته واكتفائه من الأجر فهو يخطط حسب اعتقاده لكسب النقاط بختم القرآن والتراويح والعمل الخير في رمضان فقط، فلماذا لا يلتزم بدلك طيلة أيام السنة.

رمضان الذي تقتصر فيه الوجبات على الإفطار والصحور الخفيف يصبح بقدرة قادر شهرا يأتي ويأتي معه الخير، لكن الجميع لا يحب أن يذكر حقيقة التبدير وأن المائدة التي تكلف مالا كثيرا قد نتقاسمها مع غيرنا لنرفع عنه حرج الجوع وتبعاته الأخلاقية، التبعات التي تغرس في مجتمعاتنا التفرقة والحقد عاما وراء عام، وتزيد من جشع التاجر الذي يضاعف السعر في الأيام الأولى من الشهر المبارك التي يكون فيها المسلم حديث العهد بالجوع وتبعاته الشهوانية، هذا الشهر الذي يتسابق فيه الجميع إلى فعل الخير والشر معا، يقسمنا إلى مجتمعين، واحد شهواني وشره في النهار، وآخر انتهازي حتى مع الأجر والثواب في الليل، لأننا ببساطة لم نعد نفهم الجدوى من صيامنا، والحكمة من فرضه علينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.