محكمة.. هدوء.. تعقد محكمة الاختلال الإنساني التابعة لمنظمة ميزان العدالة المائل أولى جلساتها وآخرها للنظر في القضية المرفوعة من قبل ضمير العالم النائم على المدان سلفاً المدعو رجب طيب أردوغان. ولأن الأصل في العدالة أن تكون موجهة واستنسابية، ولأن منطق الحق مبني على قاعدة أن المتهم مدان وإن ثبتت براءته، ولأن الحكم كان قد صدر قبل انعقاد الجلسة لمقتضيات المصالح الدولية، فقد ارتأت المحكمة الاستغناء عن شهادة شهود النفي من ملايين السوريين المتأسلمين المغرر بهم، ورفض طلبات عشرات الملايين من العرب والمسلمين "الأخونجية" للدفاع عن المدان، والاكتفاء بما تيسر من دلائل قاطعة "فسيبوكية" وأدلة دامغة "تويترية" وأخبار وتحليلات متواترة من صحف "صفراوية".
المدعي العام.. فلتتفضل، سيدي الرئيس، حضراتي المستشارين، تحية علمانية خالصة.. وبعد، أقف اليوم بين أيديكم لا انتظاراً لحكم قد صدر، ولا توخياً لإدانة قد أقرت، بل لفضح مجرم العصر وطاغية الزمان أمام الملايين من محبيه الأغبياء، وعاشقيه البلهاء، و"شبيحته" السفهاء، من عرب ومسلمين انتشروا كالوباء، من أقصى المعمورة إلى أقصاها، وفي كل الأرجاء.
سيدي الرئيس، أقسم بمبادئنا "المطاطة" وثوابتنا "الفضفاضة" أن لا سقف لجشع المدان ولا حدود لأطماعه وهو الذي احتل عفرين وجرابلس والراعي والباب لينهب ثرواتها من نفط وغاز وذهب وألماس ناهيك عن ثرواتها الزراعية |
سيدي الرئيس، إن هذا المدان الماثل أمامكم في قفص عدالتنا الاستنسابية، المبنية على قوانيننا المفصلة على قياس مصالحنا وأهوائنا، قد ارتكب سلسلة موصوفة من الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية الانتقائية، ويصرخ من هولها ضمير العالم الحر الحبيس خلف غاياتنا وتطلعاتنا، إن هذا المجرم قد فتح وبكل صفاقة أبواب بلاده لملايين السوريين الهاربين من أصوات الألعاب النارية في بلادهم بعد أن أغلقها في وجههم الأشقاء والأقربون، لا لتأمينهم من موت أو تطبيبهم من مرض أو انتشالهم من جهل، لا وألف لا، بل لأسلمة الشعب السوري الذي كان يدين قبل ذلك بالبوذية واليهودية والمسيحية.
سادتي القضاة، لا تنخدعوا بالمظاهر، ولا تفتتنوا بالخادعات من الصور ولا بالخبيثات من النوايا، فالطبابة والتعليم المجانيين والمساعدات الغذائية والمعونات المادية ورواتب المعوقين وزوجات الشهداء والطلاب والطالبات وإمدادات الهلال الأحمر التركي من مواد تدفئة وأغطية وملابس شتوية والمخيمات المخدمة والمشيدة على مساحات شاسعة، كلها لأجل المتاجرة والبيع والشراء، أجل يا سادتي، إن المدان الماثل أمامكم تاجر بارع، والسوريون هم بضاعته الرائجة التي كسب من المتاجرة بها عضوية في الاتحاد الأوروبي، ومليارات اليوروهات، ودعم اقتصادي مذهل جعل ليرة بلاده المهترئة تعادل عشرة دولارات.
سادتي القضاة، لقد دفعت وحشية المدان الماثل أمامكم إلى المتاجرة بأرواح السوريين الأبرياء، وأنت تعلم يا سيدي كم هي غالية أرواح البشر علينا، وتاريخنا المشرف في العراق وأفغانستان والجزائر ورواندا وفلسطين والبوسنة والهرسك يشهد على ذلك. فقد قرأت في إحدى الصحف التي نسيت اسمها، في عددها الصادر بتاريخ لا أذكره، وبمقال تحت عنوان لا أستحضره، أن المدان قد أوعز إلى أجهزة أمنه باستحداث وكالة "سفر وسباحة في البحر" لتشجيع الراغبين من السوريين على الهجرة إلى أوروبا.، وأما الرافضين منهم والراغبين في العيش على الأراضي التركية فقد جرى اعتقالهم وإرغامهم على ركوب "البالم" تحت وطأة التعذيب والتهديد بالقتل.
سيدي الرئيس، أقسم بمبادئنا "المطاطة" وثوابتنا "الفضفاضة" أن لا سقف لجشع المدان ولا حدود لأطماعه وهو الذي احتل عفرين وجرابلس والراعي والباب لينهب ثرواتها من نفط وغاز وذهب وألماس ناهيك عن ثرواتها الزراعية التي تفتقر إليها بلاده القاحلة على اتساعها. ألم تروا كيف سرق الجيش التركي ثلاث دجاجات وتسع" تنكات" من زيت الزيتون الفاخر لدى دخوله عفرين؟ ألم تسمعوا عن سرقة الأحذية و"شحاطات البلاستيك" من أمام المساجد؟ ألم تنتشر سرقة "الملاقط" والملابس الداخلية من على حبال الغسيل مذ دخلت القوات التركية جرابلس والباب؟ ألم يخبركم أحد عن تفكيك معامل "العلكة" و"البشاكير" و"شامبو البيض" و"دواليب البسكليتات" في حلب وإعادة تجميعها في تركيا التي دخلت بعدها مجموعة العشرين لأقوى اقتصادات العالم؟
سيدي الرئيس، لقد مارس المدان الماثل أمامكم كذباً وقحاً وممنهجاً فوعد السوريين السذج أنه لن يسمح "بحماه ثانية" وصرح غير مرة أن حلب خط أحمر، لكنه أخلف وعده، فضيع آمال السوريين وأحلامهم، وكان سبباً في انتكاسة ثورتهم، ويا ليته تعلم من دول العالم المتحضر كيف عاقبت حافظ الأسد على "حماه الأولى" بأن سلمته مقاليد البلاد ورقاب العباد لثلاثين عاماً، وكيف ردت على تجاوز بشار الأسد
سيدي الرئيس.. على الرغم من ثقتي بقوة مرافعتي، ومتانة منطقي وقطعية أدلتي المبينة على مصادري المجهولة، إلا أنه يحدوني القليل من الأمل والكثير من اليأس بأن تخترق كلماتي ضمائر العرب والمسلمين لينضموا إلينا لإدانة هذا الإسلامي المجرم |
"للخطوط الحمراء" بسيل من التصريحات النارية والتهديدات "البالستية" العابرة للقارات.
سادتي القضاة، كي لا يتقول المتقولون على محكمتكم، ولا يشكك المشككون في عدالتكم، وحتى أقطع الطريق أمام من يتهمكم بمعاداة "الإسلاميين" دون غيرهم.، فإنني أذكر المسلمين أن أيا من زعمائهم الطائعين المدجنين – ما عدا هذا المشاكس العنيد المدعو أردوغان- لم يمثل أمام هذه المحكمة، بل إن دول الغرب المتحضرة والغارقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان حتى "قراقيط" آذانها تحتضن "حمامات" السعودية والإمارات التي تبيض ذهباً، وتدعم" خليفة نوبل حفتر" بالمال والسلاح وهو يقضي على الإرهابيين من نساء طرابلس وأطفالها، وتؤيد "عبد الفتاح تيريزا السيسي" وهو يطهر "أم الدنيا" من أبنائها وبناتها العاقين.
سيدي الرئيس.. على الرغم من ثقتي بقوة مرافعتي، ومتانة منطقي وقطعية أدلتي المبينة على مصادري المجهولة، والمرتكزة على شهادات الشاهدين الأحياء منهم والميتين، إلا أنه يحدوني القليل من الأمل والكثير من اليأس بأن تخترق كلماتي ضمائر العرب والمسلمين لينضموا إلينا لإدانة هذا الإسلامي المجرم ومن هم على شاكلته. أما الأمل القليل فمرده إلى قطيع الأغنام، عفواً، إلى أقلية "مصفقة"، عفواً، مثقفة، ذكاؤها الخارق يتعدى المسافة الفاصلة بين أذن الحمار وذنبه، وبصيرتها الثاقبة تتجاوز أنفها بقليل.."خواريف" عفوا، أقلية مسلمة تنطق بلساننا وتقوم مقامنا، تصدق كل ما نقول، وتؤمن بكل ما نفعل، أقلية "مازوخية" لا يزيدها ضربنا لتاريخها ولا جلدنا لحضارتها إلا حباً وعشقاً لنا، قطعان، عفواً، أقلية تكذب كل أحد إلانا، ولا تصدق سوانا، ترى في دساتيرنا قرآنا.، وفي أخبارنا وإعلامنا فرقانا، أقلية تهوى حضارتنا التي لا تنتمي إليها، وتعشق تاريخنا الذي لا تعرف عنه شيئاً، قطيع، عفواً أقلية تتنكر لعاداتها وتقاليدها وتنحر أعرافها "قرابيناً" لأحذيتنا وتحت أقدامنا، أقلية مسلمة علمناها العلمانية فسبقتنا إلى أبواب الإلحاد.
وأما اليأس يا سيادة القاضي فمرده إلى تلك الأكثرية المسلمة المتطرفة، أكثرية مؤمنة بدينها، متمسكة بعقيدتها.، فخورة بتاريخها، مزهوة بحضارتها، لا تفتنها حضارتنا، ولا تغريها مظاهرنا، ولا تنطلي عليها أكاذيبنا ولا تخترقها مؤامراتنا، أكثرية مؤمنة بذاتها وبقدرتها على النهوض من تحت ركام حضارتها التي دمرناها، وعلى الصعود من عمق تاريخها الذي شوهناه، وعلى الثورة على حكامها وظلامها الذين أجلسناهم نحن على عروشهم، أكثرية عنيدة لا يزيدها محاربتنا لدينها وتاريخها إلا تمسكاً به. شكراً سيدي القاضي.
القاضي مخاطباً أردوغان.. هل لديك ما تقوله قبل أن نرفع الجلسة؟ أردوغان مبتسماً.. يا الله.. باسم الله.. الله أكبر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.