شعار قسم مدونات

هلْ اللجوء عيبًا يُنْقِصُ من قدر صاحبه؟

blogs-سوريا

قبل أن تقرأ هذا المقال تذكر أنني لا أشجع على اللجوء ولكن ما دام أن القدر قد أرغم الملايين من أبناء الوطن العربي للجوء إلى بلد الغير فكان علي لزامًا أن أوصل هذه الرسالة. أولًا ما المعنى الحقيقي للجوء؟ اللجوء بمعناه الحقيقي هو الاحتماء بقوة لديها سلطة وسيادة تمكنها من حمايتك حتى يزول عنك الخطر، وقد كان العربي قديمًا عندما يشعر بالخطر على حياته أو تداهمه أيادي الغدر يطلب الحماية ممن لديه قوة أو نفوذ ليبقى تحت حمايته حتى يزول ذلك الخطر، والكثير من الأبطال العرب قديمًا قد لجأوا إلى غيرهم رغم مكاناتهم الاجتماعية ولم يكن ذلك العمل معيبةً بالنسبة لهم بل كان البعض يعتبر مثل هذه الخطوة من الحكمة في التصرف، ولنذكر بعض هذه الشخصيات.

جد النبي محمد عليه السلام -عبد المطلب بن هاشم- قد لجأ إلى الكعبة عندما هاجمها أبرهة الحبشي ولم يقاتل؛ حفاظًا على أرواح قومه. كذلك النبي عليه السلام قد لجأ إلى المدينة، وبلغة هذا العصر كان هو وأصحابه لاجئين في المدينة المنورة ولكن كان هدفهم من لجوئهم ذلك هو الاستعداد للرجوع بقوة، فما إن وصلوا المدينة حتى فزَّ كل واحدٍ منهم إلى العمل بجد فلم يكونوا عالة على أهل المدينة منتظرين منهم الصدقة رغم أنهم خرجوا من مكة صفر اليدين، فرأينا منهم التجار ورأينا أصحاب الحرف والفرسان وغيرهم. كذلك لجأ بعضهم إلى ملك الحبشة ونشروا الإسلام هنالك وتاجروا في الحبشة وساعدوا المسلمين ولم يقفوا مكتوفي اليدين.

تذكَّر أن اللجوء ليس عيبًا، العيب أن تنسى أنك لاجئ، وتذكَّر أيضًا أن من يفضَّل بلد الغير على بلده يبقى ذليلًا وإن رفعته الأيام

إذًا لنجعل من نبينا عليه السلام وأصحابه حكم وعبر ومثل أعلى لنا خصوصًا في زمننا هذا حيث كثرت فيه الحروب وازداد عدد اللاجئين. إذا كنت ممن كُتِبَ عليه القدر أن يكون لاجئًا فاقرأ هذه الكلمات بأذن قلبك وكن ممن يحول من الليمون الحامض مشروبًا مفيدًا ورائعًا، ولتعلم أن اللجوء ليست فترة للسياحة والراحة وتجربة كل أنواع المتعة فتنسى بلدك وتقرر أن تمكث في بلد اللجوء دون رجعة فهذه من خصال الأنذال. هناك ثلاثة أنواع من اللاجئين سأتحدث عنهم هنا لأنهم من أريد أن تصل لهم هذه الرسالة.

الفئة الأولى وهم من أرغمتهم الحرب للدراسة في الخارج، وهم يعتبروا لاجئين أيضًا ولو أن إقاماتهم لا تقول ذلك، وهم في الحقيقة من يعلق الوطن عليهم الآمال. للأسف الشديد الكثير من الطلاب بسبب الأوضاع التي تعيشها بلده أصبح هدفه هو كيف أستطيع أبقى في بلد الغير وأعمل وأحصل على الجنسية وليذهب الوطن وأبنائه في ستين داهية. لو أن الجميع يفكر هكذا فلنقرأ على بلداننا الفاتحة. الطالب عندما يدرس في بلد الغير لابد أن يضع بلده أول أهدافه السامية، وليعلم أن بلد الغير مهما قدمت له من التسهيلات والإغراءات إلا أن الإنسان عزيزٌ ببلده لا ببلد غيره، ولا أعنى هنا أن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة لكن لنستعد كل الاستعداد حتى إذا ما سمعنا نداء الوطن فنلبي جميعًا لنبنيه من جديد.

الفئة الثانية، وهم تَّجار العواطف؛ هؤلاء الناس للأسف يخرجون لبلد الغير للتجارة بآلام الناس وأوجاعهم، حيث يظهرون أبناء بلدهم على أنهم أتعس الشعوب وأذلهم، وأن أجسامهم قد أصبحت هياكل عظمية لا تقوى على الحركة من شدة الجوع فيشوهون بسمعة أبناء ذلك البلد بطريقة شنيعة حتى يستعطفون الناس ويأخذون منهم المساعدات باسم الخير ثم يستغلونها بطريقتهم في تجاراتهم الخاصة ولا يوصلون إلى من تحدثوا بأسمائهم سوى النزر اليسير مما جنوا، وهذه الفئة هم أعداء الوطن والمواطن ولابد أن يُحاكموا. أما تستحيون على أنفسكم فتأكلون أموال المساكين الذين يموتون من الجوع بينما أنتم تعيشون بأموالهم في القصور ورغد العيش؟ استحلفكم أن لا تتاجروا بآلام المواطنين، أما يكفيه ما يواجهه في بلده! أما لقيتم غير هذه التجارة حتى تكسبون الأموال؟

الفئة الثالثة وهي الفئة الكادحة، وهم من خرجوا لينجوا بأرواحهم وأرواح عوائلهم رغم فقرهم. الوطن لا يريد من هذه الفئة سوى أن يتذكروا دائمًا أنهم لاجئين لا باحثين عن وطن آخر، حتى إذا ما استعاد الوطن عافيته يعودون إليه مرةً أخرى وي. أخيرًا تذكَّر أن اللجوء ليس عيبًا، العيب أن تنسى أنك لاجئ، وتذكَّر أيضًا أن من يفضَّل بلد الغير على بلده يبقى ذليلًا وإن رفعته الأيام، فجبران خليل جبران رغم حصوله على الجنسية الأمريكية إلا أنه بقي يحن إلى بلده -لبنان- ويكتب عنها وعن الوطن العربي يناقش قضاياه ولم ينساه البتة، فلأمثال هؤلاء وكل من يعمل من أجل وطنه تُرفع القبعات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.