شعار قسم مدونات

عودة الرئيس الشرعي.. عوداً حميداً إلى ربه

blogs محمد مرسي

دخل علي بمكتبي وسألني "هل سمعت الأخبار؟" قلت نعم، فأردف قائلاً "قتلوه"، فسألته "كيف عرفت؟" قال "بسيطة.. سجين يموت بالمحكمة، ماذا يكون إلا أنه قتل".. ثم انصرف. الأمريكيون لهم طريقة في استنتاج الأحداث بدون كثيراً من التعقيد وبدون تحفظات تعرقلهم عن الوصول إلى الحقيقة العارية. الأمر لا يأخذ منهم إلى دقيقة أو إثنين ليضعوا اسم مرسي  كلمة "مصر" بين قوسين ليخرج لهم جوجل الآف المقالات والصور لتحكي قصة د. مرسي من أولها لآخرها. عرفوا أنه كان أستاذ مساعداً بجامعة جنوب كاليفونيا الشهيرة في تخصص مميز بالهندسة. عرفوا أيضاً أنه كان معارضاً برلمانياً أيام مبارك ثم رئيساً منتخباً لمصر. ثم رأوا صوراً له وهو يقاد إلى المحكمة خلف جدار زجاجي لا ينفذ منه صوتاً. وأخيراً سمعوا بموته.. لم يكن هناك مجالاً لمزيد من الأسئلة المملة لاستيضاح كيفية تفكيرهم، فجوجل قام بالواجب المنوط به وزيادة.

الذي لا يعرفونه هو أسماء قتلته ومراكزهم وأدوارهم، فهذا لا يعنيهم كتفاصيل. لكني سرحت بخيالي فوجدت مفارقتين عجيبتين من التراث الإسلامي تنطبقان على د. مرسي أولهما هو مفارقة خروج الحسين بن علي رضي الله عنه إلى الكوفة ليلحق بأعوانه الذين بايعوه خليفة. وفيها أن ابن عباس ناشده الله والرحم ألا يخرج خوفاً عليه من مصير أبيه وتقاعس مؤيديه عن نصرته، ولكنه رضي الله عنه خرج لأجله.. يدفع حياته شامخاً لأجل المحافظة على سنة جده في مبدء لشورى اختيار الخليفة. مرسي قبل الترشح من لدن جماعة الإخوان للرئاسة مرغماً وليس طامعاً. رأوه خير من يمثلهم ويمثل المصريين فقبل وهذا كل ما أستطيع استنتاجه من سيرة الرجل.

لقد آن للوسطاء المقبولين أن يقدموا يد العون وأخص قادة العالم العربي والإسلامي والأفريقي والأوروبي الذين يقدرون ويثمنون مبادئ الحرية والعدالة دون انحياز لعرق أو دين أو فكر

أما المفارقة الثانية فهي مقتل الخليفة عثمان رضي عنه، ستجد تماثلاً وتشابهاً عجيباً بين الخليفة الثالث والرئيس المنتخب. كلاهما مسالم بطبيعته، لا يريدون إراقة دماء المسلمين وفوضوا أمرهم إلى الله غير سائلين مناصريهم بالذود عنهم وتحريرهم من محبسهم. كنت كثيراً ما أفكر في جدوى هذه الأخلاق النبيلة في حفظ النظام العام وحماية الدولة.. الحقيقة لم أجد إجابة شافية حتى اللحظة. لكن سيذكر لهم ولأمثالهم أنهم خرجوا من هذه الحياة طاهرين من آثام الدماء.

إلى الواقع الحالي أقول، أنه وقد خلت الساحة من الرئيس الشرعي للبلاد، يخرج علينا السؤال المنطقي: ثم ماذا بعد؟ لقد كان الجدال حول عودة الرئيس مرسي بين معارضي الخارح على أشده وأحدث جفاءً عميقاً قصداً أو مصادفةً بين الفرقاء. والحديث عن الاصطفاف والمصالحة وكل ما يخطر ببالك من مفردات تجميع الناس، كان دائماً ما يصطدم بقضية عودة الرئيس الشرعي. الآن، لم يبقى من هذه القضية ما يعوق انتظام الصفوف، أو هكذا أظن، لتحريك المياه الراكدة والبحث عن مخرج لمصر من محنتها، ماذا ستفعل المعارضة؟ وما هي أولوياتها؟. برأيي أن الأولوية القصوى تكون في إنقاذ الآف السجناء السياسيين من محبسهم. لا تسألني عن أي طريقة أو صفقة أتحدث فهذا يخرج عن نطاق مخيلتي. آن للمعارضة بالخارج أن تقدر بحجمها وإمكانياتها وما تستطيع تقديمه من حلول وخارطة طريق للخروج من المأزق التاريخي الذي تعيشه مصر والمصريون.

الكلام سهل والفعل صعب وبينهما تدور الحكمة للوصول إلى الحق. في تقديري أن رومانسية السياسة تفسد خطط الواقعيين. لقد آن للوسطاء المقبولين أن يقدموا يد العون وأخص قادة العالم العربي والإسلامي والأفريقي والأوروبي الذين يقدرون ويثمنون مبادئ الحرية والعدالة دون انحياز لعرق أو دين أو فكر أو مذهب. هذه الأرض لن تنضب عن وجود أمثال هؤلاء الذين يتألمون لآهات وشكوى المظلومين. يحتاجون من يذكرهم ويستمع إليهم ويقبل منهم. رحم الله شهيد مصر والحرية الدكتور محمد مرسي وألحقه بموكب النبيين والصديقيين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.