شعار قسم مدونات

ما العلاقة بين حب النفس والحياة الاجتماعية الناجحة؟!

BLOGS تفكير

في مجتمعنا تجد الناس يرون كل من تبدوا فيه بعض ملامح النرجسية كأنه شخص غير محبوب وليس له مستقبل اجتماعي ويبعدون أطفالهم عنه وهكذا تبنى صورة نمطية قديمة على أنه لو أردت حياة اجتماعية ناجحة فأحب غيرك لا نفسك وهذا ما يحطم الأطفال خصوصاً بين سن السادسة حتى الرابعة عشر أين يكون الطفل بدأ ينمي فكره ويرى العالم بطريقته أو باختصار عندما يبدأ الطفل بإنشاء شخصية وتحطيمها للأسف يعني تحطيم الطفل لكن يجب أن نسأل هل حقا لو أن أحدًا أحب نفسه كثيراً أو لنقل بدت فيه مظاهر النرجسية ألن يستطيع أن ينشئ حياة اجتماعية ناجحة؟ وهذا ما سأحاول الإجابة عنه في هذا المقال.

نبدأ أولا بتعريف النرجسية ونقدم بعض الأمثلة عنها فالنرجسية تعني حب الشخص لنفسه والأنانية التي يملكها الشخص للغير أي الشخص النرجسي يرى نفسه أفضل الناس إما من ناحية الجمال وهو الذي أغلب النرجسيين يمتلكون هذه الصفة أي الاعتقاد بأنهم الأجمل أو من ناحية الفكر كاعتقاد الطفل بأن لا أحد أفضل منه في صفه بل هو دائما الأول أو من ناحية السياسة والحكم أين يرى الحاكم النرجسي أن كل ما يصدر منه هو شيء جيد ولا نقاش فيه بل أغلب الديكتاتوريين نرجسيين، كما يصاحب الشخص النرجسي شعور بجنون العظمة ويسيطر هذا الشعور على صاحبها ويسود عليه، ويصبح الشخص النرجسي يعتقد بأنه شخص نادر أو أنه فريد ومتميز ولا يمكن أن يفهمه إلا البعض وينتظر من الآخرين احتراماً من نوع خاص لشخصه وأفكاره وجماله.

إعلان
هذا في الواقع ما يجعل الأشخاص النرجسيين الأنانيين المحبين لأنفسهم أكثر نجاحا في المجتمع مع دائرة أصحاب وعلاقات كبيرة أي أن ارتباط الناس بهم راجع إلى تلك الرؤية التي يملكها الشخص فيهم وكأنه يرى نفسه فيهم وكأنهم مرآة

تعود أول ظهور يعتقد (من ناحية الميثالوجيات) لشخص نرجسي كانت في الأسطورة الإغريقية لنركسوس أو نرجس بالعربية وقد كان صياد أُشتهر لجماله الخلاب الذي يجعل كل شخص يقع في حبه من رجال ونساء وأطفال وشيوخ وملوك وحتى من المتزوجين وكان مغرورًا وفخورًا بنفسه لدرجة تجاهله واعراضه عن كل من يحبه أو وقع في حبه ولاحظت الإلهة نمسيس تصرفه ذاك وأخذته إلى بحيرة حيث رأى إنعكاس صورته فيها ووقع في حب جماله دون أن يدرك بأنها مجرد صورة فأعجب بصورته لدرجة عجز فيها عن تركها ولم يعد يرغب بالعيش وبقي يحدق بصورته في المرآة إلى أن مات وحيدا ومن هنا تبدوا ملامح النرجسية واضحة بل حتى النرجسية مستمدة منها وليس هذا فقط بل أغلب الزعماء الناجحين في العالم هم أشخاص ذات طابع نرجسي ومع هذا هم ناجحين.

لكن ما علاقة النرجسية أو دعني أغيرها بكلمة جامعة وأوضح قد أقول في مكانها ما علاقة النظرة الشمولية الجيدة للنفس ببناء علاقة إجتماعية وطيدة كالصداقة فقبل أن أجيب على هذا يجب أن أذكر شخص عظيم سوف أعتمد على فكره في دراستي وهو المحلل النفسي جاك لاكان وكعادتي أحب أن أعطي تعريف صغير بفكر وحياة الشخص قبل الإعتماد عليه وهذا من باب الأمانة ومن باب تسهيل ما سأتكلم عنه للقارئ البسيط الذي قد لا يعرف شخصيتنا التي سيتمحور كلامنا عنها فجاك لاكان هو محلل نفسي وفيلسوف فرنسي ولد في باريس يوم 13 من أفريل (أبريل) سنة 1901 وتوفي بها يوم 9 سبتمبر سنة 1981 عن عمر 80 سنة بعد صراع مع سرطان القولون. واشتهر بقراءته التفسيرية لعالم النفس والكاتب ومؤسس التحليل النفسي النمساوي سيغموند فرويد وبالتغيير الكبير الذي أحدثه في مفاهيم التحليل النفسي ومناهجه وعرف عن لاكان بإنشائه لأنظمة التعريف في الفلسفة الأخلقية.

سأحاول إعطاء تفسير شامل للأنظمة الثلاثة وهذا صعب نوعاً ما لأن لاكان لم يكن يعتمد على أوراق مكتوبة أثناء محضراته بل فضل الإلقاء الشفهي المباشر لكي لا تتحول أفكاره لعقيدة مغلقة والمفاهيم المتعلقة بأنظمة لاكان هي ثلاثة: الرمزي الواقعي والخيالي ويشكل الرمزيّ الخياليّ والواقعيّ معاً، منظومة التصنيف الرئيسة التي تُمكِن من تحديد التمايُزات الهامة بين المفاهيم التي قد جرى -بحسب لاكان- خلطها سوية في نظرية التحليل النفسانيّ وسأعتمد في دراستي هذه على النظام الخيالي حيث يستعمل جاك لاكان المصطلح "خيالي" كاسم علم منذ العام 1936 أي منذ البداية العملية للاكان في الثلاثينيات، ويحيلنا المصطلح إلى الوهم وإلى الافتتان والغواية، ويتصل تحديداً بالعلاقة المزدوجة بين الأنا (الذات) والصورة المنعكسة على أنه من الضروري التنبه إلى أنّ الخياليّ وإلى جانب أنه يحتوي على إحالات إلى الوهم والغواية إلا أنه ليس ببساطة مرادفًا للـ "وهمي"، بهذا المفهوم الذي يكون فيه الوهمي رمزاً لما هو فائض أو هامشي.

إعلان

فالخيالي بعيدٌ عن أن يكون هامشياً إذ أنه يمتلك إسقاطاته بالغة التأثير على الواقعي ويواصل تَشَكُل الأنا في طور المرآة تكوينَ قاعدة النظام الخياليّ وبما أنّ الأنا يتشكل في التماهي مع النظير أو الصورة المنعكسة فإنّ التماهي يمثل جانباً هاماً من النظام الخياليّ أين الأنا والنظير يمثلان النسق لعلاقة التبادل الثنائية وهما قابلان للتبادل فيما بينهما وطور المرآة (بالفرنسية لغة جاك لاكان: Stade de miroir) هي مفهوم في نظرية التحليل النفسي لجاك لاكان. وتستند إلى الاعتقاد بأن الأطفال يتعرفون على أنفسهم في مرآة أو غيرها من البدع الرمزية التي تُحرض على الإدراك (تحويل النفس إلى كائن يمكن أن ينظر إليه الطفل من خارج نفسه) من سن ستة شهور حتى ثمانية شهور ولا تعتمد مرحلة طور المرآة على الرضيع فقط ولا على المرآة بل تتجاوزها حيث يمكن للرضيع أن يرى نفسه من خلالك فرأيتك تفعل الأشياء بعضو من جسدك كرفع يدك سوف يوضح للرضيع أنه يمكنه رفع يده لأن يده تشبه يدك وحتى محاولة عض أصابعه ستعلمه أن الأسنان تعض وهو الذي لم يرى أسنانه يوماً ولنأخد مثال أخر عن النظام الخيالي حيث يقول ريتشارد ستيل:

"إننا بتأثير سحر خفي نحزن مع الشقي و نفرح مع السعيد، إذ يستحيل على القلب البشري أن ينفر من أي شيء يميز الإنسان، لكن ملامح السعداء والأشقياء ذاتها تأخدنا إلى حالتهم، وبما أن السعادة تنتقل من شخص لأخر فمن المنطقي أن يكون الحزن كالعدوى وكلاهما يرى ويحس بنظرة. فعينا الإنسان نافدة لغيره على قلبه".

ويقول تيري إيجلتون في كتابه مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق الذي يعتمد على أنظمة لاكان حيث يعلق تيري على هذا القول بأنه لدينا بعض العناصر الأساسية للنظام الخيالي من إسقاط أو انتقال خيالي إلى داخل جسم أخر والمحاكاة المادية المذكورة في "ملامح الأخر ذاتها تأخدنا إلى حالته" وقابلية العدوى بالحزن التي يتشارك فيها شخصان نفس الحالة الداخلية ومن هذا الشرح والإقتباس قد أعرف النظام الخيالي بالرؤية التي يملكها الشخص لنفسه بالإعتماد على شخص يعكسها فيه أي أنا أرى نفسي فيك بعدما أسقطتها.

إعلان

وهذا في الواقع ما يجعل الأشخاص النرجسيين الأنانيين المحبين لأنفسهم أكثر نجاحا في المجتمع مع دائرة أصحاب وعلاقات كبيرة أي أن ارتباط الناس بهم راجع إلى تلك الرؤية التي يملكها الشخص فيهم وكأنه يرى نفسه فيهم وكأنهم مرآة أي مع أن الصفات النرجسية لا يحبها الكثير لكن الكل تقريباً منجذب لتلك الروح المحبة لنفسها والتي تمتلك جمال وثقة بالنفس والكل يريد أن يمتلك هذه الصفات وكأنه ينقل نفسه لداخل الشخص النرجسي ويقول أرسطو في كتاب الأخلاق النيفوماخية "تعزى للنفس بقدر ما تعزى للأخرين، فأصحاب النزعة المحبة لأنفسهم وحدهم هم حقا من يستطيعوا أن يحبوا الأخرين بينما الذين لا يحملون أي حب لأنفسهم ليس لديهم وعي حساس بمسراتهم و أحزانهم" والنتيجة لمعاملة الأخرين كمعاملة النفس هي معاملة النفس كالأخر. وفي الأخير الحالة التي تتم فيها كل منهما من منظور الأخر تعرف عند أرسطو بالصداقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان