شعار قسم مدونات

ليلة القبض على لوبي الشرق الأوسط

blogs جورج نادر

يظن البعض وفق رؤية قاصرة، أن رجل الأعمال الأميركي من أصول لبنانية جورج نادر ما هو إلا مجرد باحث يقتنص فرص جمع الأموال، عن طريق شبكة العلاقات التي أقامها في الشرق الأوسط والولايات المتحدة، إلا أن حقيقة الأمر تكشف وبصورة مغايرة أن الرجل بحد ذاته هو الصندوق الأسود لبعض حكام الخليج، وهو حافظ أسرار المنطقة، ويعد بمثابة ويكيليكس خليجي بامتياز، وهو الجسر الرابط بينها وبين الولايات المتحدة، ولذلك يقدم نفسه للآخرين تحت مسمى المستشار الخاص لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وقد أصبح محط أنظار وسائل الإعلام بعد أن قرر المحقق الخاص روبرت مولر إخضاعه لجلسات استجواب، تتعلق بالشكوك التي تحوم حول ضلوع الإمارات العربية في استمالة النفوذ السياسي بأميركا بعدة أساليب وفي مقدمتها المال.

ولكن قبل أن تخفت الأضواء أفقنا على فضيحة أخلاقية جديدة، وهي كما هو معلوم ليست الأولى لرجل كان سجله مشينا بامتداد 30 عاما يوازيهن سجل سياسي أكثر خزيا، فقد تم ضبطه بتخطيط ودهاء كبيرين في مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك، متلبسا باستيراد أفلام وصور أطفال إباحية ليسدل الستار على الفصل الأخير من حياته السياسية والاجتماعية، ويرى خبراء في القضاء الأمريكي أن سجنه سيكون ما بين 20 إلى أربعين عاما، وهي العقوبة المرجحة في حالة إدانته بالتهم الموجهة له وفقا للقانون الأميركي، ولا أمل في نيله لأي عفو لحساسية القضية، وفضاعة الجرم وتشدد التشريعات الأمريكية في هذا الشأن.

حمل جورج نادر أجندة عدائية واضحة ضد الدوحة وجماعة الإخوان المسلمين لصالح أبو ظبي والرياض على حد سواء، وذلك عبر تجنيده لإليوت برودي، وتوظيفه كوسيلة تأثير وضغط داخل البيت الأبيض، لخدمة أهدافهما

عمل جورج نادر خلال العقود الماضية صحفيا وعرابا لسلام الشرق الأوسط، وكان طيلة تلك العقود بمثابة رجل الظل على هوامش الدبلوماسية الدولية، لامتلاكه رصيدا متميزا من العلاقات التي يخالطها الكثير من الشك في الشرق، ومن أمثلة تلك الشكوك التي ثارت حوله الدور المحتمل للإمارات العربية في التأثير على القرار السياسي في الولايات المتحدة، وتوفير أموال لحملة دونالد ترامب، وتشريع سياسات جديدة من شأنها الحد من النفوذ المتزايد للأتراك والإيرانيين في المنطقة العربية، من خلال صناعة تحالفات عربية صهيونية مضادة لهما، كما عمل على شيطنة دولة قطر.

باستعراض الأهداف المنشودة، نجد في رأس القائمة إقناع الولايات المتحدة بضرورة التحرك ضد الإخوان المسلمين، والضغط على الدوحة، وتشكيل لجان سياسية ترمي لاستصدار تشريعات تربط قطر بالإرهاب، وتعمل وفق أجندة  معدة مسبقا للإطاحة بالشخصيات السياسية التي من الممكن أن تعرقل الأهداف التي تسعى لها الإمارات العربية. مارس الرجل أدوارا في نسج شبكات النفوذ السياسي المعقدة الأخطبوطية، التي تستهدف رجالات السياسة في شتى بقاع العالم عبر تحالفات السلطة والمال والصحافة، ولم يتوان عن القيام بأدوار العراب لبعض اللقاءات السرية للقادة والمسؤولين في بؤرة الصراع في الشرق الأوسط، وتنامت علاقته باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة «آيباك» ليجعل من الموظف السابق فيها جوناثان كيسلر رئيسا لتحرير دوريته، وبرز دوره في إجراء محادثات سريّة مع السوريين حول العلاقات مع الصهاينة أثناء الولاية الرئاسية لبيل كلينتون، وبذل جهودا مضنية في محاولة إعادة رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط وفق الرؤية الإماراتية السعودية المدعومة بالطبع من قبل العم سام بما يخدم الأهداف الصهيونية في الإقليم.

محور الشر.. المال السياسي والفاحشة

حمل جورج نادر أجندة عدائية واضحة ضد الدوحة وجماعة الإخوان المسلمين لصالح أبو ظبي والرياض على حد سواء، وذلك عبر تجنيده لإليوت برودي، وتوظيفه كوسيلة تأثير وضغط داخل البيت الأبيض، لخدمة أهدافهما، وقد استلم إليوت برودي والذي يعد أحد كبار منظمي التبرعات لحملة ترامب، أموالا طائلة من جورج نادر، ليقوم برعاية مؤتمر عن العلاقات المزعومة بين قطر وجماعات التطرف الإسلامي، وينظر لجورج نادر بوصفه المتخصص الأكبر في استجلاب النفوذ السياسي للإمارات في مراكز صنع القرار بواشنطن، وترتيب لقاء بين الروس وترامب قبل وصوله لسدة الحكم، وتقديم رشاوى لبعض المشرعين الأمريكيين، من أجل تبني مواقف عدائية تجاه قطر.

والخلاصة تتمحور قصة هذا المتهم حول الفساد والطمع والاستغلال للمال السياسي كعناوين لمرحلة  لازمت المنطقة منذ عقود، والتخصص في بيع السياسة الامريكية بالقطعة وبالمزاد السري برعاية رجل أعمال بخلفية استخبارية. لن نستعجل التحقيقات فهي لا زالت في البداية، وهي ترتبط بالأمن القومي الأميركي، ولكن ما يدعو للتساؤل كيف يتم عقد صداقة مع من كان بهذا الانحطاط منذ منتصف الثمانينيات، وكيف يتم التقارب مع من يوسم بتجارة الرقيق والفاحشة، هذا ناهيك عن التساؤل المشروع حول موجبات صداقته، وهي الانتفاع منه أو الاشتراك معه، أو مشابهته في القذارة وكلها دلائل إدانة بالمطلق، ومن نافلة القول أن عرب أمريكيا مطالبون بتنظيم اجتماعات واحتجاجات تستنكر ما قام به جورج نادر، ومن يقف خلفه من تشويه لسمعة الجاليات العربية في الولايات المتحدة، والمطالبة بايقاع أشد العقوبات بأمثال هؤلاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.