شعار قسم مدونات

تاريخ الهزائم الأمريكية أمام إيران.. لماذا تخشى أمريكا إعلان الحرب؟

blogs أزمة الرهائن

في تحدي للسيادة الأمريكية على منطقة الخليج العربي تم تفجير ناقلات للنفط في ميناء الفجيرة الإماراتي بالإضافة لضرب الحوثيين لخط أنابيب لنقل النفط في العمق السعودي عبر طائرات مسيرة، وفوجيء الجميع بعدها بترامب يتراجع عن تهديد إيران بالحرب مفضلا الحل الدبلوماسي، فهل تخشي أمريكا من مواجهة إيران، أم أنها لعبة مصالح ليس أكثر؟

  

قيام الثورة وإشتعال أزمة الرهائن 

بعد قيام انتفاضة شعبية ضد نظام الشاه عام 1979، وصل الخميني إلى طهران قادما من فرنسا بعد تفاهمات مع الإدارة الأمريكية بعدم تهديد النظام الإسلامي المحتمل تسلمه للسلطة، للمصالح الأمريكية والمتمثلة في ضمان إستمرار تدفق النفط الإيراني للغرب، وفقا لما جاء في وثائق مسربة عام 2016 من قبل المخابرات الأمريكية.

 

لكن بعد وصول الخميني للسلطة تحول النظام الإيراني لأشد اعداء أمريكا بعد حصاره للسفارة الأمريكية وأخذ عدد من الرهائن الأمريكان، على إثر استقبال أمريكا للشاه الإيراني بحجة العلاج، كما فشلت عملية مخلب النسر الأمريكية لتحرير الرهائن بعد أن اصطدمت إحدى المروحيات المهاجمة مع طائرة سي 130 وتحطمهما وقتل ثمانية جنود أمريكان. فشل العملية كان بالتزامن مع إجراء الإنتخابات الأمريكية عام 1980، والتي خسرها كارتر لصالح ريجان، الذي إستطاع إستعادة الرهائن بعد وفاة الشاه، وإنتهاء ذريعة احتجاز الرهائن.

   undefined

   

إيران تستنزف أمريكا في الشرق الأوسط

بعد إستقالة أحمد حسن البكر من رئاسة العراق عام 1980 وتولي نائبه صدام حسين الموالي لأمريكا في حينها، إشتعلت الحرب بينه وبين إيران على منطقة شط العرب، ودعمت أمريكا وفرنسا صدام بالسلاح، في المقابل قامت إيران عبر أذرعها بتدبير عدد من التفجيرات التي إستهدفت المصالح الأمريكية في الكويت، كما هز تفجيران إنتحاريان مبني قوات المارينز الأمركية والمظلات الفرنسية عام 1983 في لبنان، وأسفرت عن مقتل 241 جندي أمريكي و58 جندي فرنسي، الأمر الذي دفع أمريكا وفرنسا لسحب قواتهم من لبنان عام 1984.

 

إختطاف الرهائن الغربيين في لبنان

وردا على تسليح فرنسا وأمريكا للعراق بشتي أنواع الأسلحة، قامت مجموعات محسوبة على طهران بين عام 1982 و1992، بإختطاف أكثر من 100 رهينة أجنبية في لبنان، وقاموا بالتفاوض مع الدول الغربية، حيث قدم الإيرانيين عام 1985 عرض لفرنسا بالإفراج عن الرهائن الفرنسيين مقابل الإفراج عن أحد المتهمين من فرنسا، بالإضافة لشراء إيران لسلاح فرنسي، فضلا عن إرجاع مبلغ مليار دولار الخاص بمشروع تخصيب اليورانيوم مع فرنسا إبان حكم الشاه، إلا أن المعارضة اليمينية بقيادة جاك شيراك قد دخلت على خط التفاوض وقدمت عروض أفضل لإيران حال فوزها في الإنتخابات البرلمانية، إلا أن الصدام بين رئيس الوزراء جاك شيراك والرئيس ميتران، منع اليمين من تنفيذ وعوده لإيران، الأمر الذي قابلته الأخيرة بسلسة هجمات في فرنسا للضغط على حكومة شيراك، لتنفيذ وعودها.

  

إسرائيل وإيران وعلاقات مشبوهة

كانت إسرائيل تراقب تطور الملف النووي العراقي منذ عام 1976 بعد زيارة وفد من العلماء العراقيين لفرنسا لإستكمال الترتيبات لبناء مفاعلين نووين، وبالرغم من إمداد فرنسا للمفاعل العراقي بوقود منخفض التخصيب تجنبا لإستخدامه في إنتاج قنبلة نووية، إلا أن إسرائيل في عام 1981 وقبل تشغيل المفاعلين بيوم واحد، قررت قصف المفاعل الأساسي، بالتوازي مع بدء الحرب العراقية الإيرانية.

 

وفي ظل تقارب الرؤي الإسرائيلية الإيرانية بسبب الموقف من العراق، عقد إتفاق سري بين إيران وإسرائيل ينص على بيع إسرائيل لإيران أسلحة مقابل إمداد إسرائيل بالنفط الإيراني، إلا أن إسقاط الدفاعات الجوية السوفيتية لطائرة أرجنتينية عام 1981، كانت تستخدم لنقل السلاح الإسرائيلي لإيران، قد كشفت ذلك الإتفاق السري.

 

فضيحة إيران كونترا

على الجانب الأخر نجحت المفاوضات الإيرانية مع أمريكا عام 1985، في التوصل لعقد صفقة تشتري فيه إيران أسلحة أمريكية، مقابل إطلاق سراح الرهائن الغربيين في لبنان، وكان البيت الأبيض يستخدم أموال الإسلحة المباعة لدعم ثوار الكونترا بنيكارجوا عبر نقل الأسلحة والمال لهم، وبعد تفجر الفضيحة توقفت أمريكا عن بيع الإسلحة لإيران.

 

حرب ناقلات النفط والمواجهة مع أمريكا

تسببت الحرب العراقية الإيرانية لنتائج كارثية على الطرفين، فقد تم إغراق 250 ناقلة نفط بين عامي (1994-1998)، كما زرع الإيرانيون الألغام في مضيق هرمز وأطلقوا قوارب هجومية ضد كل من الناقلات والسفن الحربية الأميركية، وبالفعل اصطدمت سادس أكبر سفينة في العالم، الناقلة الأميركية (إس إس بريدجستون)، في يوليو 1987 بلغم إيراني وغرقت.

    undefined

   

وجاء الرد الأمريكي سريعا عام 1987 فدمرت السفن الحربية الأمريكية رصيفين بتروليين عائمين تابعين لإيران وعندما تعرضت لها السفن الإيرانية أغرقت البحرية الأمريكية 3 مدمرات وأصابت فرقاطتين إيرانيتين أخريين، فضلا عن إسقاط أمريكا لطائرة ركاب مدنية إيرانية مما أدي لمقتل 300 راكب، كما غضت أمريكا الطرف عن تهديد صدام بإستهداف طهران بصواريخ سكود ذات رؤؤس كيميائية، فإضطرت إيران لوقف إطلاق النار خوفا من هيروشيما أخري تدمر طهران.

 

إيران تنقل الحرب لخارج الشرق الأوسط

بعد سلسلة التفجيرات في العاصمة الفرنسية باريس عام 1986، تم حصار السفارة الإيرانية في باريس عام 1987 لمحاولة القبض على أحد المشتبه بهم في التفجيرات، وإنقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلا أن العلاقات عادت في العام التالي مع الإفراج عن الرهائن الفرنسيين في لبنان، لكن في يوليو 1991 تم اغتيال رئيس الوزراء الأسبق الإيراني شهبور بختيار في الضاحية الباريسية سورين، حيث كان لاجئا في فرنسا منذ الإطاحة بالشاه العام 1979، بعد أن رفضت فرنسا طرد المعارضة الإيرانية من أراضيها.

 

كما قامت جماعات قريبة من إيران بتفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين عام 1992، ثم مركز الرابطة اليهودية عام 1994، كرد على اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله عباس الموسوي بجنوب لبنان عام 1992، إلا أن اختيار الأرجنتين جاء ردا على تراجع حكومة بيونس أيرس عن الوفاء بتعهداتها لبيع معدات نووية مدنية لإيران تحت ضغوط امريكية. كما قدمت إيران الدعم اللوجيستي والعسكري لحركة حماس أثناء حروبها مع إسرائيل في 2008 و2012 و2014، الأمر الذي ساهم في فشل إسرائيل في إجتياح القطاع، في إطار لعبة توازنات القوي في المنطقة.

 

هددت إيران بمنع خروج النفط من الخليج، وقامت بتنفيذ عمليتين نوعيتين في الفجيرة والعمق السعودي عبر أذرعها العسكرية، الأمر الذي أعاد للأذهان ذكريات الثمانينيات المؤلمة وقتلي المارينز في لبنان
أمريكا تحاصر إيران

لم ترضخ إيران للعقوبات الأمريكية عليها، والتي منعتها من بيع الغاز لباكستان والهند عام 1995، كما فشلت القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج من تهميش النفوذ الإيراني في دول مثل البحرين والعراق، وبعد احتلال أفغانستان عام 2001، قامت إيران بتقديم الدعم العسكري لطالبان بالإشتراك مع روسيا، بهدف طرد التواجد الأمريكي الرامي لمد خطوط غاز من وسط أسيا لباكستان والهند، مقابل منع إيران من بيع غازها لهما.

 

وفشل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 في تهديد العمق الإستراتيجي لإيران بسبب المقاومة السنية المسلحة للوجود الأمريكي في العراق، فضلا عن تكوين ميلشيات شيعية تابعة لإيران لحماية مصالحها في العراق، كما فشل ظهور حزب كردي مدعوم من الغرب في شمال إيران عام 2004 في تهديد العمق الإيراني.

 

كما قامت أمريكا بزيادة التعاون الإقتصادي والعسكري مع أذربيجان الواقعة على حدود إيران الشمالية، في إطار محاولات لنقل غاز بحر قزوين لأوروبا دون المرور بإيران، إلا أن فشل كل المحاولات لنقل الغاز لأوروبا، إضطر الغرب عام 2015 لعقد اتفاق ينص على إلى وقف إيران لتخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاما، مقابل إدماج إيران في مشروع القرن الهادف لتوريد الغاز من وسط أسيا لاوروبا عبر إيران، بالتوازي مع غض طرف أمريكا عن استيلاء الحوثيون على السلطة في اليمن.

 

ترامب وحصار إيران

ترامب كان يرى أن تحالفات إيران مع الصين وروسيا تهدد المصالح الأمريكية، لذلك إنسحب من الاتفاق النووي وأعاد العقوبات على طهران ومنعها من بيع نفطها للصين. كما دعم ترامب خطة إنعاش الإقتصاد عبر إجبار الصين على زيادة مشترياتها من الغاز الأمريكي لتقليل العجز في الميزان التجاري، لكسر التحالف الإقتصادي بين الصين وروسيا وإيران.

 

كما عرض على حركة طالبان الانسحاب من أفغانستان مقابل السماح للشركات الأمريكية بتمديد خط الغاز التركمانية عبر مناطق نفوذها وصولا لباكستان، بما يمنع إيران من تنفيذ مشاريعها لنقل الغاز شرقا.

 

هل تجرؤ أمريكا على محاربة إيران؟

بالمقابل هددت إيران بمنع خروج النفط من الخليج، وقامت بتنفيذ عمليتين نوعيتين في الفجيرة والعمق السعودي عبر أذرعها العسكرية، الأمر الذي أعاد للأذهان ذكريات الثمانينيات المؤلمة وقتلي المارينز في لبنان، كما أن إيران اليوم مستعدة بصواريخ باليستية وبمنظومة دفاع (اس 300) الروسية، فهل يتحمل البنتاجون فيتنام اخرى؟ وكيف سيخرج ترامب من ذلك المأزق السياسي الذي وضع نفسه فيه؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.