شعار قسم مدونات

لماذا فشل النظام الشيوعي في الإتحاد السوفيتي والصين؟

blogs كارل ماركس

الشيوعية كما جاء في كتاب "الشيوعية" لمحمد بن ابراهيم الحمد، هي نظام يقوم على إلغاء الملكية الفردية، وعلى حق الناس في الإشتراك في المال، فالناس في الشيوعية شركاء في المال وسائر الثروات والمكتسبات. فالشيوعية فكرة قديمة ظهرت في التاريخ أكثر من مرة، فقد جاء في كتاب الجمهورية لأفلاطون الأثيني ما يدل على نشأة هذا المذهب، حيث أقام في كتابه نظاما يقوم -بالنسبة للحكام- على شيوعية المال و النساء.. أما بالنسبة للشيوعية الماركسية الحديثة للقرن التاسع عشر، فقد عرفها البعض على أنها حركة فكرية واقتصادية وضعها كارل ماركس تقوم على الإلحاد، وإلغاء الملكية الفردية وإلغاء الثروات وإشراك الناس كلهم في الإنتاج على حد سواء.

فآراء كارل ماركس تُعد حجر الزاوية في المبادئ الشيوعية، وقد بسطها في كتابه "رأس المال"، ثم جاء من بعد كارل ماركس أتباع له يدعون بدعوته أهمهم لينين، فعلى يده قامت الشيوعية وأضحت واقعا بعد أن كانت مجرد نظريات على ورق. وفي مطلع القرن العشرين أضاف لينين إلى آراء ماركس تعاليم جديدة وكوّن من الشباب الروس والعمال الحزب الشيوعي الروسي، ومن بعد ذلك ثارت روسيا سنة 1917 على الحكم القيصري واستولى البلاشفة على الحكم بزعامة لينين، الذي أنشأ النظام الشيوعي. فهل نجحت الشيوعية في إقامة المدينة الفاضلة الماركسية، أم أن الفشل كان مصير النظام الشيوعي في الإتحاد السوفيتي؟

النظام الذي جاء لحماية البروليتاريا من تسلط الرأسمالية أصبح هو أكبر متسلط لكن بدون مقابل، فقد أهلك الإتحاد السوڤياتي ربع سكانه من الحرب العالمية الأولى ومرورا بالثورة البلشفية

كانت الثورة البلشفية هي شرارة البدئ لانتشار الشيوعية في نصف الكوكب تقريبا، ونجحت أحزاب شيوعية في الوصول إلى الحكم في الصين وڤيتنام وكوريا الشمالية وكوبا ويوغوسلاڤيا وكمبوديا.. فكان أقوى تمدد للشيوعية في ثمانينات القرن الماضي. لكن لم تصل إلى يومنا هذا أي دولة أو نظام للشيوعية إلى مدينة ماركس الفاضلة.. فالإتحاد السوڤياتي يُعد المثل الأعلى للشيوعيين، فأول ما وصل الحزب الشيوعي بقيادة لينين للسلطة نفذ مبدأ ديكتاتورية البروليتاريا بنظام الحزب الواحد، فبقي الحزب الشيوعي هو ممثل البروليتاريا الأول والوحيد. نقسم فترة الإتحاد السوڤياتي لثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: من 1917 إلى 1924، فترة حكم لينين، وقد أخذ الأمور بالتدريج كما قال ماركس لدرجة غضب بعض المتعصبين الشيوعيين منه.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة حكم ستالين (الذي سُمّي بسفاح القرن العشرين) وامتدت من 1927 إلى 1953 والتي عرفت ثورة صناعية فقد أمّن فيها كل الصناعات، وقد عرفت هذه الفترة حملتين أدت إلى إبادة عدد مهول من الذين اعتبروهم مضادين للنظام الشيوعي: حملة الرعب الأحمر، وراح ضحيتها بين 100 و150 ألف شخص، بإعدامات من دون محاكمات وهذا لأن الناس تجرأت واختارت حزب غير الحزب الشيوعي.

والحملة الثانية: الرعب العظيم، وراح ضحيتها 20 مليون شخص منهم فلاحين ومتظاهرين وأيضا شيوعيين معارضين لأفكار الحزب.. وهذا غير معسكرات العمل الجبرية والتي سميت الجولاك، وكان ضحيتها كل المعارضين السياسيين وكل شخص غير مؤمن بالشيوعية، فيقضون عدد ساعات طويلة في العمل و يعاملون بطريقة غير آدمية. ففي النهاية النظام الذي جاء لحماية البروليتاريا من تسلط الرأسمالية أصبح هو أكبر متسلط لكن بدون مقابل، فقد أهلك الإتحاد السوڤياتي ربع سكانه من الحرب العالمية الأولى ومرورا بالثورة البلشفية سيئة الصيت والتصفيات الثورية والمجازر الجماعية وضحايا الجولاك والمجاعة بداية الثلاثينيات وتصفية نخبة الجيش الأحمر قبل الحرب العالمية الثانية وحرب فلندا وبولندا… فقد قام الإتحاد السوڤياتي على جماجم عشرات الملايين من الشعب في النهاية للديكتاتورية المفرطة و الإيديولوجيا الإلحادية.

والمرحلة الأخيرة: مرحلة الكساد والإنهيار، وقد تعاقب عدة رؤساء في هذة الفترة، وآخرهم ميخائيل غورباتشوف، والذي أقر أن سياسات الحزب الشيوعي هي سبب الإنهيار الإقتصادي، فقرر عكس السياسات الاقتصادية الشيوعية وبدأ بالسير نحو الرأسمالية محاولا التخفيف من تدخل الدولة في تنظيم السوق وتقليل تقديم الخدمات عن طريق الدولة، والسماح بعمل شركات وملكيات خاصة، فحرر السوق نسبيا وسياسيا وسمح بعمل الانتخابات والتعددية الحزبية والشفافية وتقليل القمع القومي، لكن كان قد فات الأوان لإصلاح بناء أساسه قد نخرته عوامل الفشل، فانهار الإتحاد السوڤياتي سنة 1991.

من جهة أخرى لا يمكن نسيان أن الإتحاد السوڤياتي كان من الدول التي وصلت للقمر، وكان من بين أكبر قوتين عسكريتين في العالم، ويُنازعون أمريكا كقوة عظمى، لكن هدف الشيوعية في التقسيم العادل وإنشاء نظام يتماشى مع مدينة ماركس الفاضلة لم ينجح بل بالعكس كان الفشل مصيرها في النهاية. أما تجربة الصين مع الشيوعية فبدأت مع ماو الذي حكم الصين لمدة 27 سنة، فقد عرفت هذه الفترة على غرار الإتحاد السوڤياتي ديكتاتورية البروليتاريا، من تأمين أراضي الإقطاعيين وتطهير طبقي ومعسكرات عمل إجبارية، وقُتل فيها ما يقارب 800 ألف إقطاعي صيني، وبعدها جاءت القفزة العظيمة من توسع في تأمين الشركات والمصانع والمزارع وثورة صناعية ماتوا فيها 45 مليون صيني في خمس سنوات، منهم 30 مليون ماتوا في أكبر مجاعة في تاريخ العالم.

بعدها جائت الثورة الثقافية في الصين، دامت لمدة عشر سنوات، تم فيها القضاء على أي أفكار وأي حالات الرأسمالية، وكانت أسهل طريقة للتخلص من هذه العادات التخلص من معتنقيها على يد الحرس الأحمر، وقد فصلت الكاتبة الصينية Anchee min في كتابها Red Azalea معاناة الصينيين في هذه الفترة. وبعد موت ماو، مسك الحكم دنج الذي دفع الصين قليلا نحو الرأسمالية لكن تحت الحزب الشيوعي، الذي ظل محتفظا بشيوعيته من حيث القبضة الأمنية والسيطرة على الإعلام وقمع المعارضين.

الشيوعية هي إنشاء مدينة فاضلة حسب كارل ماركس، لكن تظل بمثابة نظام مثالي ونظري ليس واقعي ويصعب تطبيقه بالواقع، لأنها تتعارض مع القوانين الكونية مثل قانون الطبقية والصراع الأبدي بين الحق والباطل، فمن أسباب فشل الشيوعية هو ديكتاتورية البروليتاريا والقمع الذي يتعرض له المعارضين وتصفيتهم، وعدم تداول السلطة بالإضافة إلى عدم فصل السلطات فالقضاء والتشريع والتنفيذ كلها في يد الطبقة الحاكمة، ومن أكبر المشاكل في النظام الشيوعي هو غياب الضابط والرقيب على السلطة، وتغييب المنافسة الذي يتصادم مع الطبيعة البشرية كما وضح الدكتور علي الوردي في كتابه "خوارق اللاشعور" فإن البشر يسعون إلى المنافسة كونهم بشرا، وهذا ما توضحه الكثير من الأبحاث السيكولوجية. وقد صورت الرواية الشهيرة "1984" لجورج أورويل بطريقة تنبؤية ما حصل في كل من البلدان الشيوعية، فقد تنبأ بمجتمع شمولي يخضع لديكتاتورية فئة تحكم بإسم "الأخ الأكبر" الذي يمثل الحزب الحاكم، ويبني سلطته على القمع والترهيب ومراقبة الأفراد حتى فكريا وتزوير الوقائع بإسم الدفاع عن الوطن والبروليتاريا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.