شعار قسم مدونات

التعذيب في السجون اللبنانية يكتم أنفاس المستضعفين في الأرض

blogs سجن رومية

حسان الضيقة، مواطن لبناني يعمل مخلصاً جمركياً كان موقوفاً بتهمة تشكيل عصابة لتهريب المخدرات خارج لبنان أعلنت وفاته في السجن قبل أيام. والد حسان اتهم أحد الأجهزة الأمنية بالتسبب بوفاة ابنه جراء تعذيبه خلال التحقيق معه. الجهاز الأمني نفى التهمة وقدم قرائن وأدلة تدعم براءته، وزير العدل أسف لما حصل ووعد بالتحقيق، وزيرة الداخلية أكدت أنها ستتابع الموضوع حتى النهاية، المدعي العام نفى صلته بالوفاة، وصارت وفاة حسان الضيقة حديث الساعة في لبنان، وضجّت بأخباره وسائل التواصل الاجتماعي.

 

ليست المرة الأولى التي يموت فيها موقوف داخل السجون اللبنانية بسبب التعذيب، ومن الواضح أنها لن تكون الأخيرة، فقد سبق أن حصلت حالات وفاة كثيرة جراء التعذيب، لكن سرعان ما تتم لفلفتها وإهمالها ولا يهتم أحد بمتابعتها، ويقتصر الأمر على بيان تنديد لمنظمة حقوقية. آخرها وفاة 3 سوريين عام 2017 بعد يومين من توقيفهم إلى جانب 400 آخرين خلال عملية دهم قام بها الجيش اللبناني لمخيم للنازحين في منطقة عرسال.

 

اختلفت العهود والظروف والمراحل، وتنوّعت معها ولاءات الأجهزة الأمنية، الثابت الوحيد الذي لم يتغير هو أن التعذيب في أقبية السجون اللبنانية

ما جعل قضية حسان الضيقة تأخذ الاهتمام والمتابعة والضجيج الإعلامي دون غيره، هي أنه لا ينتمي للدائرة التي تعتبر السلطة اللبنانية أن من المسموح قتلها وتعذيبها في السجن. فهو مواطن لبناني من الطائفة الشيعية، في حين أن ضحايا التعذيب المفضي إلى الموت الذي لا مشكلة فيه بالنسبة للسلطة، إما أن يكونوا من النازحين السوريين الذين لا سند لهم ولا من يطالب بحقهم، أو لبنانيين متهمون بجرائم تشكيل عصابات إرهابية، وهو المصطلح الذي يتم التدليل به على الجماعات الإسلامية، ولا فرق بعد ذلك سواء ثبتت التهمة عليهم أم لم تثبت. في هاتين الحالتين تجد السلطة في لبنان أنه لا ضير من ممارسة شتى صنوف التعذيب على الموقوفين، ولو أدى ذلك للإجهاز عليهم.

 

عام 2013 وفي أعقاب أحداث منطقة عبرا بصيدا، استدعت الأجهزة الأمنية مئات الشباب من أبناء المدينة للتحقيق معهم بعلاقتهم بالشيخ أحمد الأسير الذي اندلعت مواجهات مسلحة بين مناصريه وبين الجيش اللبناني. أحد الذين تمّ استدعاؤهم كان أحد المصلين في مسجد الأسير ويدعى نادر بيومي. استجاب نادر لاستدعائه، اختفى يومين لتعلن بعدها وفاته في السجن. آثار التعذيب والصعق الكهربائي وأعقاب السجائر كانت واضحة على جثة نادر في كل أنحاء جسده، وهو ما أكده تقرير الطبيب الشرعي، لكن ذلك لم يحرك وزيراً ولا مدعياً عاماً ولم يلقَ صدى على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

قبلها سنوات، وتحديداً عام 2004 وفي ظل الوصاية السورية على لبنان، اعتقلت الأجهزة الأمنية عشرات الشبان من الشمال والبقاع بتهمة تشكيل شبكة إرهابية كانت تستهدف تفجير السفارة الإيطالية. خرج علينا وزير الداخلية في مؤتمر صحفي معلناً الإنجاز الذي تحقق بكشف الشبكة، بالتزامن مع المؤتمر كان أحد الموقوفين يلفظ أنفاسه جراء التعذيب الذي تعرض له في أقبية التوقيف.

 

تشكل الوفاة في السجون اللبنانية جراء التعذيب رأس هرم سلسلة من الانتهاكات والممارسات والاعتداءات ترتكبها الأجهزة الأمنية بحق الموقوفين خلال التحقيق معهم. يتم كل ذلك بعلم وتواطؤ السلطات القضائية، فمن الطبيعي أن يشكو الموقوف للقاضي التعذيب الذي تعرض له، فيكتفي القاضي بتجاهل ما سمع وغضّ النظر عن آثار الضرب والتعذيب الظاهرة على جسد الواقف أمامه. اختلفت العهود والظروف والمراحل، وتنوّعت معها ولاءات الأجهزة الأمنية، الثابت الوحيد الذي لم يتغير هو أن التعذيب في أقبية السجون اللبنانية منهج وسلوك معتمد ومتفق عليه بالتواطئ بين الجميع، وتمارسه جميع الأجهزة الأمنية، شريطة أن تكون الضحية تنتمي إلى المستضعفين في الأرض.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.