شعار قسم مدونات

أنا أكتب في الجنس إذن أنا كاتب عظيم!

blogs كتابة

يقول الروائي الحبيب السالمي في مقال نشره على موقع ضفة ثالثة بتاريخ 26 يونيو 2017 تحت عنوان الجنس في الرواية: لعل المجال الذي يعكس تطور الرواية العربية ونضجها أكثر من غيره، باستثناء الشكل والبنية، هو الجنس. فمنذ الثمانينات استطاعت تقارب الجنس، وهو أحد المحرمات الكبرى في ثقافتنا، بجرأة لافتة بل وأن تخترقه إلى حد بعيد محولة إياه إلى ثيمة مثل بقية الثيمات. وهذا الإختراق لا يعود في تقديري إلى التحولات التي تشهدها كل المجتمعات العربية فحسب وإنما أيضا إلى وعي الفرد لذاته واكتشاف الروائي العربي سواء كان ذكرا أو أنثى لجسده وتنامي الرغبة في استكشاف عالمه الحميمي والتمسك بالحق في التعبير عن شهواته واستيهاماته.

من هذا المنطلق الذي تناول مسألة الجنس في الأدب العربي كتيمة خاضعة لخطوط حمراء أساسها المجتمعات العربية المحافظة، لاحظ جمهور النقّاد منذ ما يقارب العشر سنوات كتابات أقلّ ما يقال عنها أنّها سخيفة، كانت قد اعتمدت الجنس كرافعة لها حتّى تحقّق الشهرة من خلال تقنية صدم القارئ واللعب على أوتار حسّاسة وهذا كلّه تحت عنواين تبرّر هذا الاسفاف كالواقعية القذرة أو الواقعية الاشتراكية الخ… من مدارس أدبية. وفي هذا المقال سنحاول التعرّض للفرق الكبير بين الكتابة الموضوعية عن مسألة الجنس والكتابة المبتذلة التي تسقط القارئ في ما يشبه فلم أباحي.

إعلان
الأديب العربي يحاول كسب تعاطف الجمهور والاعتراض على المؤسسات الحكومية ليعلن حريته. وليس له طريقة أخرى سوى الجنس، وهذا ناتج عن الخوف الذي يجعل الأدباء العرب منغلقين في ظاهرة الجنس لأنها الحرية الوحيدة التي لا تسبب لهم اعتقالات

في البداية نشير إلى ظاهرة طفت على السطح بالمفهوم الفينيمونولوجي للكلمة، وهيأشبه بموضة الملابس، ونعني هنا الخط الجنسي في الكتابة. أوّلا إذا نظرنا إلى كلمة أدب في أصولها العربية وجدنا أنها قبل أن تستخدم للدلالة على الفن، كانت تستخدم للدلالة على الخلق الكريم، حيث يقول الشاعر كعب بن سعد: "حبيب إلى الزوار غشيان بيته جميل المحيا شب وهو أديب". ولكنّنا اليوم يأتينا بعض الكتاب وسط هوجة وموجة النشر بلا حدود، ليفرغوا هذا المصطلح الأدب من محتواه الحقيقي، في أعمال لا توصف إلا بقلّة الحيلة، ذلك لانّهم لا يمتلكون ملكة اللغة وغير قادرين على صنع التخيّل والتخييل فيلجؤون إلى الاسفاف بحجة حرية القلم، وإننا نطالب بالحرية في كل شيء دوت قيد أو شرط، لكن للحرية سقف يجب ألا نتخطاه، فهل رأيت صقرا محلقًا في كبد السماء؟ طبعا ستجيب بنعم وهذا بديهي جدّا، لكنّ السؤال هنا: رغم حريته المطلقة في الطيران والانطلاق والارتفاع إلا أنه يجاوز الغلاف الجوي والسماء؟ طبعا لا، كذلك هي الحرية. إن عبقرية الكاتب تتجلى في إقدامه على تجربة الكتابة دون أن يخدش الصورة الجميلة للكتابة، أو يثير الشهوات كما تفعل الأفلام الإباحية، ويبرز الرذيلة للرذيلة دون غاية تدرك، فالكاتب الكبير هو من يشير إشارة، يرمز رمزا، يوحي وحيا، يلهم إلهاما.. دونما تصريح مباشر قد يفقد العمل الأدبي الكثير من جاذبيته الفنية والجمالية وحتّى الدلالية.

من جانبه يقول الروائي ابراهيم سنان في معرض حديثه عن الجنس في الرواية: الرواية العربية حاليا، لا تأتي بجديد هي فقط تدخل تجربة قديمة مرت بها الحضارات الأخرى ذات الهامش الإباحي الواسع، وفي الوقت الذي أصبح الروائي العربي يعبر عن حريته بالدخول من أبواب الجنس لكسر قيود الحرام والعيب. الأديب العربي يحاول كسب تعاطف الجمهور والاعتراض على المؤسسات الحكومية ليعلن حريته. وليس له طريقة أخرى سوى الجنس، وهذا ناتج عن الخوف الذي يجعل الأدباء العرب منغلقين في ظاهرة الجنس لأنها الحرية الوحيدة التي لا تسبب لهم اعتقالات أو ملاحقة ولا تتجاوز نتائجها الانتقاد والمنع.

إعلان

فعندما تقرأ بعض الاعمال التي صمّ بها آذاننا اصحابها، تخال نفسك ممثلا إباحيا لمجانية الكم الجنسي الوارد دون مسوّغ ادبي في العمل، فعلا هناك مهووسين بشكل غير مسبق بموضوع الجنس فنجدهم يتفننون في الإفراط في طرحه دون ضرورات فنية كما هناك بالفعل من يكتبون جنسا في رواياتهم من أجل لفت النظر، وإثارة الرأى العام، وهؤلاء كثيرون وبؤساء لأن نصوصهم تحدث ضجيجا عاليا، ولكنه مؤقت، وبعد زوال الضجة تزول سيرة الكاتب الفنية، وتحل محلها سيرة الكتابة الركيكة، ولا يبقى سوى الفن الجيد دون افتعال، الذي لا يخترع المواقف ولا يقحم الظاهرة الجنسية في العمل الفنى دون أدنى حاجة لذلك سوى الشهرة وجلب الضجيج.

في الختام، وحتّى لا يتهمنا هؤلاء بالوصاية الاخلاقية على الكتابة، نشير إلى انّنا لسنا ضد الكتابة الحرّة في كلّ المواضيع، فحتّى القرآن قد تعرّض في سورة يوسف لحادثة مروادة زليخة للنبي يوسف عن نفسه، ولكنّ النص القرآني تحدّث عنها بكلّ عبقرية دون الوقوع في السرد الخطّي أو مجانية المشهد. اكتبوا في كلّ شيء لكن اكتبوا بحرفية وبرقي رجاء، لا تفتحوا الباب أمام الكتابة المبتذلة، فاليوم صار كل من يكتب في الجنس قصد صدم الجمهور كاتبا عظيما، لكن في الأخير التاريخ سيكون التاريخ هو الفيصل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان