شعار قسم مدونات

الصحافة وما بعد الربيع العربي

blogs ثورة يناير

سينطلق مقالي هذا من سؤال مفترض كالآتي: ما هو التقييم الحالي لدور الصحافة في الوطن العربي في مرحلة ما بعد الربيع العربي؟ هل ساعدت أَم أعاقت الصحافة المطالب الشعبية بالتحولات الديموقراطية في بلدان عربية مختلفة؟

 

يعتبر الإعلام بمثابة السلطة الرابعة. ويعود السبب في هذه التسمية إلى الدور الكبير الذي يلعبه الإعلام في التأثير على العالم. لذلك فإنه يملك سلطة رمزية، تمكن من خلالها من تغيير التاريخ في العديد من الأحيان. كما أن الإعلام يستطيع، بسلطته الرمزية تلك، أن يُغير الثقافات، ويساهم في تحرير العقول. وفي إطار حديثنا عن الإعلام ودوره المباشر في المساهمة في تحريك العالم، فإننا نجد أنفسنا أمام مسألة الربيع العربي باعتبارها مسألة تهمنا باعتبارنا ننتمي للعالم العربي.

 

وهنا يُجمع المتتبعون والمهتمون بالشأن العربي بأن فضل انطلاق شرارة الربيع العربي يعود إلى البوعزيزي. ذلك الشاب التونسي الذي قرر في لحظة أحس فيها بالضعف والاحتقار أن يُنهي حياته عن طريق إضرام النار في جسده. وقد ساهم هذا الحدث بشكل أساسي في اندلاع ثورة الشعوب العربي، أو ما سُمي لاحقًا بالربيع العربي. لن يطول حديثنا عن الربيع العربي بتفاصيله. لأن ما يهمنا بالأساس هو مرحلة ما بعد الربيع العربي، وأي دور لعبته الصحافة ووسائل الإعلام في رسم مشهد السياسة والديموقراطية في العالم العربي؟

 

اضطر مجموعة من الإعلاميين للاستقالة بسبب وضع مجموعة ضغوطات عليهم من أجل تقديم الدعم في الانتخابات لهذا المرشح أو ذاك

لقد تعرض الربيع العربي لتغطية إعلامية يمكن أن نقول عنها بأنها شاملة. وقد ساهمت هذه التغطية في إيصال صوت الشعوب المقهورة، لكنها أيضًا ساهمت بشكل جوهري في كسر حاجز الخوف والرهبة التي كان يشعر بها المواطنون في مختلف الأوطان العربية. لذلك فإن مرحلة ما بعد الربيع العربي كانت مرحلة تُنادي بالحرية والجرأة على التعبير عن الرأي. وهنا قال الكاتب والصحفي الوهاب بدرخان في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة، بأن حرية وسائل الإعلام أثارت غضب حكومات ما بعد الربيع العربي. الشيء الذي جعل تلك الحكومات تدخل في علاقات توتر مع وسائل الإعلام تلك. مما اضطر الحكومات للتدخل والتعرض للإعلاميين في تونس على سبيل المثال!

 

يمكننا الإشارة هنا إلى أن الصحافة ووسائل الإعلام كانت تابعة بشكل أو بآخر، قبل الربيع العربي، إلى مصالح الدول الرسمية. لكن بعد الربيع حدث هناك تحرر نوعي، الشيء الذي مكن الإعلام من أن يحصل على تمويله عن طريق الإعلانات بدل حصوله على موارده من الدولة. هذا الشيء ساهم بشكل كبير في تحرر الصحافة من قبضة الدولة، وبالتالي التمتع بنوع من الاستقلالية.

 

وعودة على السؤال الأساسي المطروح، أي سؤال دور الصحافة في مرحلة ما بعد الربيع العربي، فإنني أرى بأن الصحافة لم تستطع التأقلم مع الوضع الجديد. وأقصد هنا بأن وسائل الإعلام كانت معتادة على الوقوف إلى جانب الجهاز الحاكم لفترة زمنية طويلة، لذلك فقد كان من الصعب جدًا أن تتغير التوجهات بشكل كامل. وهنا أستحضر قول حسن حامد رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي الأسبق في مصر والذي قال في نفس المقابلة التلفزيونية سابقة الذكر بأن الأمر في مصر كان على نفس الشاكلة. وذكر حسن حامد بأن الإعلام المصري لم يستطع التحرر بصفة كاملة في مرحلة ما بعد الربيع العربي، وأنه لم يجد "الإيقاع المناسب له للتعامل مع نظام الحكم".

 

بل تطور الأمر ليطال الإعلام التجاري أيضًا، وذلك لاضطرار مجموعة من الإعلاميين للاستقالة بسبب وضع مجموعة ضغوطات عليهم من أجل تقديم الدعم في الانتخابات لهذا المرشح أو ذاك. وحتى أعزز وجهة نظري برأي آخر، فإنني أسوق قول محمد المصري، أستاذ الصحافة والإعلام بالجامعة الأميركية في القاهرة، بأن وسائل الإعلام في مصر قد لعبت دورًا مهمًا في المساهمة في تعزيز الديمقراطية في الفترة الأولى من بداية الربيع العربي. لكن كل هذا انقلب على عقبيه بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي. وهنا وقع شبه تحول كامل لوجهات النظر إلى التملق الصريح لسدة الحكم. والمقصود هنا التصفيق للجيش المصري وتقديم القوى المعارضة على أنها خائنة بل وإرهابية!

 

خلاصة لقد تناولت في هذا المقال تحليلًا نوعيًا لوضعية وسائل الإعلام في مرحلة ما بعد الربيع العربي. لا يمكنني أن أقدم تحليلًا جامعًا مانعًا نظرًا لضيق المساحة المسموح بها للمقال. لذلك فقد قررت التركيز على مثال واحد لاستقراء الوضعية العامة. المثال الذي ركزت عليه هو المثال المصري. وكخلاصة لكل ما قيل يمكن أن نستنتج ما يلي:

 

– لعبت وسائل الإعلام دورًا هامًا في تغطية الربيع العربي، كما أنها ساهمت في بدايات الأمر في التأسيس لديمقراطية حقيقية.

– انتكست الصحافة ووسائل الإعلام عمومًا في مرحلة ما بعد الربيع العربي لتعود إلى ما كانت عليه تقريبًا.

– ترتبط وسائل الإعلام بصفة كبيرة بالسلطة والجهة الحاكمة داخل الدولة. الشيء الذي يجعل الدولة تتحكم في وسائل الإعلام عن طريق القوانين غير الواضحة أو عن طريق تمويلها أو عن طريق ممارسات ضغوطات من نوع آخر.

  

في النهاية يمكن أن أختم مقالي بقولي بأنه لا يمكن محاسبة وسائل الإعلام بالنجاح أو الفشل مادامت لا تتمتع باستقلالية عن السلط المركزية للدول. حين تتمكن الصحافة من الحصول على حريتها الكاملة، هناك وهناك فقط يمكننا الحديث عن مدى إسهامها أو عرقلتها لمسار الديمقراطية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.