شعار قسم مدونات

واقع المرأة العراقية والتحديات التي تواجهها

مدونات - المرأة العراقية

أحاول دائماً ألا أظهر مظلومية المرأة ألا أتحدث عن النسوية ومشاكل النساء كأنها الحالة المهمشة والمضطهدة الوحيدة في العالم. فيما تعيش ملايين من النساء حول العالم تحت سيطرة مجتمع أبوي ذكوري بحت يُشكلها يُقيمها يحدد ما يجب أن تكون فيه وما لا يجب، يَحد من قدراتها ومَقدرتها ويقلل من قيمة ما تصنع وتحقق مهما بلغ ذلك الذي حققته من أهمية وفائدة لذاتها وللمجتمع الذي تعيش فيه. هنالك عشرات بل مئات من القضايا التي هي موضع اهتمام العالم من أهمها قضايا المرأة والطفل. منذ طفولتها تبدأ الفتاة بتلقي الإشارات من قبل أسرتها وتبدأ معها مرحلة أنتِ فتاة لا يجب أن تفعلي كذا، بل يجب أن تفعلي ما يراه المُجتمع صواب!

في هذه البيئة تجد البنت نفسها تكبر ويبدأ معها الشعور بالأنا والأخر بمعنى أن هنالك فرق بينها وبين أخوتها الصبيان، منذ طفولتها يتم وضعها في زاوية الخجل الخوف عدم التفكير بل والانصياع طوعاً لما وجدت عليهِ أمها وجداتها…! فقط لأنها فتاة.. ولأننا يجب أن نتحدث عن قضايا تمس مجتمعنا بواقعية ونسلط الضوء على المشكلات لمناقشتها بموضوعية دون مبالغة في سبيل إيجاد الحلول لها، في إطار ذلك ولكي أقترب من صلب القضية فقد تم العمل على سؤال 100 امرأة عراقية من خلال استمارة استبانة موحدة تضمنت 12 سؤالاً.

شمل الاستبيان النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18-30 سنة ممن يعشن في العاصمة بغداد ويختلفن في أسلوب عيشهن هنالك من يعملن في القطاع الخاص وموظفات في القطاع الحكومي وكذلك ربات البيوت وطالبات الجامعات، حول الصعوبات التي تواجهها المرأة عند خروجها للشارع، ذهابها للعمل والضغوط أو عوائق التي تتعرض لها لكونها امرأة. لاسيما إننا نعيش في مجتمع يدعي احترام المرأة وكيانها وخصوصيتها حيث ينادي ويطالب بالمساواة والتخلص من القيود التي تفرض على المرأة ومع ذلك مازال التمييز النوعي بحسب الجنس حيث يفضل الرجل على المرأة في كافة مجالات.

  

التحرش ليس حالة فردية واستخدام النساء بأعمال مخلة بالآداب والقيم ليس حالة فردية استخدام النساء كأدوات في الحرب ليس حالة فردية

لكن تعتبر هذهِ القضية ككل القضايا الشائكة ما يقال شيء وواقع الحال يعبر عن تحدي كبير جداً يتطلب عبور كل مرحلة منه تجاوز ثوابت باتت جزء من الثقافة الاجتماعية حيث تعتبر من أساسيات التنشئة الأسرية التي كبرت عليها الأجيال. النقطة التشاركية في جميع الإجابات التي حصلت عليها من النساء؛ كانت تعرض النساء للتحرش بمعدل مرة على الاقل في كل يوم يخرجن فيه إن كان من المارة في الشارع، في العمل، أثناء التسوق، عند استخدام وسائل النقل العامة. يحدث ذلك من خلال الكلام النظر التصرفات ويختلف التحرش باختلاف المُتحرش والمكان الذي يتم التواجد فيه. وعن طريق تحليل البيانات التي حصلت عليها تبين الآتي: تعرضت 76 بالمائة من النساء للعنف اللفظي وللسخرية من إداءهن من قبل الرجال.

فيما64 بالمائة من النساء تم التحرش الجنسي بهن من خلال استخدام الألفاظ نابية أو الإيحاءات الجنسية.
40 بالمائة من النساء تعرضن للمضايقة من قبل سائق التكسي مرتين على الأقل على خلال أسبوع.
45 بالمائة من النساء تم ابتزازهن أثناء تأدية العمل ومساومتهن من أجل تقديم تنازلات غير أخلاقية أو للدخول في علاقات غير شرعية مع مُدراء أو جهات ذات صلة لضمان استمرارهن في العمل أو حصولهن على ترقية.

هذا جزء صغير جداً من قصص ووقائع تواجهها النساء العراقيات كل يوم. يتبين لنا مما سبق أن نسبة التحرش تأخذ حيز كبير جداً من الضغوط والمشكلات التي تصادف النساء حسب ما جاء في نتائج الاستبانة على اختلاف المكان والزمان التي تتواجد فيه.

  

يجب التركيز هنا على دور القانون حسب ما جاء به المشرع العراقي حيث نصت المادتين (396، 397) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة (1969) تضمنت المادة (396) على أنه:

1– يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس من اعتدى بالقوة أو التهديد أو بالحيلة أو بأي وجه أخر من أوجه عدم الرضا على عرض شخص ذكرا أو أنثى أو شرع في ذلك.

 2– فإذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة او كان مرتكبها ممن اشير إليهم في الفقرة (2) من المادة 393 تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين))، كما نصت المادة (397) على انه ((يعاقب بالحبس من اعتدى بغير قوة او تهديد او حيلة على عرض شخص ذكراً او انثى لم يتم الثامنة عشرة من عمره فاذا كان مرتكب الجريمة ممن اشير إليهم في الفقرة (2) من المادة (393) تكن العقوبة السجن مدة لا تزيده على سبع سنوات أو بالحبس)). نلاحظ هنا أن ظاهرة التحرش لم تذكر بنص قانوني واضح وصريح لتكون رادع قوي لمرتكبيها.

  

لتخرج المرأة العراقية صوب عملها، دراستها، تأمين مستقبلها، وتربية أطفالها بالصورة الصحيحة وإيمانها بقضيتها عليها أن تتسلح بالصبر، تكون مدججة بالقوة والثقة والعزيمة
لتخرج المرأة العراقية صوب عملها، دراستها، تأمين مستقبلها، وتربية أطفالها بالصورة الصحيحة وإيمانها بقضيتها عليها أن تتسلح بالصبر، تكون مدججة بالقوة والثقة والعزيمة
    

ولو تحدثنا عن تجارب الدول الإقليمية كمصر في هذا الجانب نجد أن القانون المصري أكثر وضوح وتحديد وتركيز على هذهِ الظاهرة لا يستطيع من خلالها الجاني الإفلات من العقوبة وهي رادع قوي يساهم في الحد من ظاهرة التحرش حيث تضمن قانون العقوبات المصري: عقوبة المتحرش التي نص عليها قانون العقوبات حيث تنص المادة 306 مكرر (أ) على "يعاقب المتهم فيهل بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.

 
وبالعودة إلى نتائج تلك الضغوطات والعوائق في مجتمع جعل الكثير من النساء ترضخ وتستسلم وتتكيف مع الواقع.. ذلك الواقع البشع المأساوي ليس للمرأة فقط بل المرأة ضحية من ضحاياه طرحنا قضيتها اليوم كنقطة محورية تساهم في تطوير للمجتمعات نحو أفضل لو تمت حمايتها ورعايتها. ختاماً مشكلتنا ليس التحرش فقط مشاكلنا كثيرة ومُثيرة للحزن والشفقة واستمرار طرحها كجزء من مسؤولية اجتماعية تحتم علينا ذلك. مازال هنالك نساءٌ في الخِيام، نساءٌ فوق طاولات الإتجار بالبشر، نساءٌ في مراكز تحت مسميات مراكز ثقافية يتم استخدامهن في البغاء.

 
يقول البعض أنها حالات فردية، لكن يؤسفني أن أؤكد أن التحرش ليس حالة فردية واستخدام النساء بأعمال مخلة بالآداب والقيم ليس حالة فردية استخدام النساء كأدوات في الحرب ليس حالة فردية. لتخرج المرأة العراقية صوب عملها، دراستها، تأمين مستقبلها، وتربية أطفالها بالصورة الصحيحة وإيمانها بقضيتها عليها أن تتسلح بالصبر، تكون مدججة بالقوة والثقة والعزيمة. يعني أن تواجه التحرش والتنمر والمضايقات بكل أنواعها وأشكالها ولا تستسلم بل تساهم بتصحيح مسار المجتمع وتبدأ من موقعها وأسرتها ومن حولها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.