شعار قسم مدونات

العلاقة الواهنة بين الكتاب والقارئ العربي

blogs قراءة

الكتاب كان على مر العصور والدهور رمزاً للرقي والتطور والتحضر والعقلية المنفتحة لقارئه، وهو أيضا دلالة على القوة الهائلة والسمة الجلية على أن صانعه على الاهمية بمكان في التحكم بزمام أموره وتبشير أن اسمه مدرج أو سيدرج في قائمة زعامة العالم.

 

في البداية كان الحرف وكانت الكلمة وجاء الحرف ليأتي الكتاب تليه ولتنشأ علاقة بينه وبين الانسان، خاصة في الامبراطورات والدول القديمة كاليونان وغيرها من باقي الحضارات العريقة ويطوف الكتاب على باقي مواطن الإنسان ويتودد إليه ويرجوه أن يكون أنيسه الدائم، ليأتي الدور على الدول العربية والإسلامية فبدورنا عززت هذه العلاقة وتمخضت عنها مركباً يسمى الحضارة العربية الإسلامية فنجد هذه الأخيرة كانت نتاج اهتمامهم بالكتاب والطباعة والكتابة والتأليف والترجمة حتى أصبحوا قادة العالم وساداته.

 

بفضل الكتاب حملوا مشعل العلم لأنهم وبكل بساطة جعلوا منه سيد وهو بدوره أي الكتاب يحترم من يحترمه، وليصاب باقي العالم بحمة تجتاحه وغيرة وحسد يؤرقه، فعمل كل السبل ليقضي عليه ويُرجعَ من ذلك العربي لهامش التاريخ والحضارة فهاهم النصارى والمغول يشنون أشرس الهجمات عليه، ليتشبث العربي المسلم بمشعل العلم على أمل أن يسلمه لأحفاده لأنهم يدركون كل الإدراك أن هذه الراية الأحفاد أولى بها.

  

حرمان خلفنا لهو جريمة شنيعة سيحاسبنا الزمان عليها وعلينا ألا ننس أن خير أنيس في الزمان كتاب. ولا ننس أيضا أن وراء كل كتاب فكر

يطول العهد ويغط الأحفاد في نوم عميق ونسوا حجم الرسالة الملقاة على عاتقهم ويتدثروا بسبات طويل، وفجأة يستيقظوا ليجدوا أنفسهم في مفترق طريق يزدحم بشتى حضارات العالم وهم حيارى وفاقدو الوجهة، ورأوا أن أهم عمل يقوموا به في هذه المرحلة هي للتخلص من آثار السبات فثاروا على كل ما هو قديم فجردوا أنفسهم من لباسهم الذي كان يدثرهم -أي الحضارة- وراحوا يبحثون على ما ليس على مقاسهم، فكان أول ثورتهم على الكتاب والذي رأوا منه رمزا للرجعية وحجر عثرة في طريق الحداثة فطلقوه بالثلاث ومزقوا أوراقهم وكسروا أقلامهم واتجهوا للغرب والشرق يبحثون عن حل لأزمتهم الحضارية لكن لا جدوى.

 

وبعد عدة محاولات بائسة يقطع الفرد العربي المسلم الشك باليقين ويتأكد أن لا حل له إلا أن يرجع لذاته ويرمم نفسه فهي الوحيدة التي لا تخذله، فنرى في السنوات القليلة الماضية أن الاهتمام بالكتب والكتابة قد زاد فتنشأ العلاقة من جديد بينه وبين الكتاب لكن نتاج العلاقة هذه المرة جاء مشوهاً فكانت أغلب قراءاته في أغلبها مقتصرة على الروايات لا أكثر وأن زاد على ذلك طالع كتب لا أهمية لها. أذكر مرة أن تقريراً تكلم عن أهم الكتب المقبل عليها في معرض الكتاب الدولي بالجزائر كانت كتب الدين رغم أنه الغائب الاكبر في مجتمعاتنا (فترتيب الدول العربية والاسلامية يحتل مرتبة متقدمة في الفساد رغم أنه ليس مؤشراً) وتليه كتب الطبخ وتفسير الاحلام فهو دليل صارخ على أننا أمة لازالت اهتماماتها لا تعدو أن تكون فطرية لا أكثر والمتمثلة في النوم والأكل لا أكثر.

 

أما مازاد على حجم مأساتنا في علاقتنا بالكتاب اليوم صراحة هو وسائل التواصل الحديثة من فيسبوك وتويتر وغيرها فمعظمنا جل إهتماماته لا تزيد عن قراءة بعض الاخبار المتفرقة هنا وهناك لا أكثر، والأدهى والأمر أن كل هذا يتم على مرأى ومسمع من أبنائنا فهي عادات والله قاتلة وهي أخطر من التدخين والشرب، في حين نجد أن غيرنا تقتصر قراءاته في هذه الوسائل على دقائق آخر النهار فقط، أما في غيرها من الأوقات يحمل كتاباً ويجعله أنيسه، فها هو يقرأ في الحافلة والقطار وغيرها وها نحن (نفسبك) في كل مكان.

 

ليكن وجهتنا إخواني للكتاب وأن نجدد العلاقة به ونصالحه ولندمن القراءة وخاصة فيما هو مفيد، فإن لم يكن من أجلنا فلأجل أبنائنا. إن حرمان خلفنا لهو جريمة شنيعة سيحاسبنا الزمان عليها وعلينا ألا ننس أن خير أنيس في الزمان كتاب. ولا ننس أيضا أن وراء كل كتاب فكرة، ووراء كل فكرة خطوة للأمام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.