شعار قسم مدونات

كيف يمكننا التعلم في وقت قصير جدا؟

blogs شركة

تغيير بسيط في الحاضر يعني تحول كبير في المستقبل، فبمجرد تغيير إدراك واحد فقط، سوف يتبدل المعنى بأكمله. لأنه هو من أعطاه وأوجده كنواة فكرية دائرية منظمة لمجموعة كبيرة من المعاني المتزنة، المتداخلة والمتكاملة فيما بينها. كالتأسي، الإتباع، الاقتداء، المحاكاة، الحذو، السلك، النسج، القصد، النهج، والإبداع. فتغيير المعنى يعني تلون التفكير بألوان مغايرة تماما للمعنى الأول. الذي بدوره سيعطينا تحولا تلقائيا في التركيز، فستتحسن الأحاسيس التي ستؤدي بدورها إلى تبديل السلوك إلى تعامل واقعي أفضل، أي نتائج أحسن، إحساس أروع، استراتيجية عقلية أنسب، ونتائج أرقى، أجدى، أجمل وأجود.

 

يأتي هذا النهج الفكري النظامي من ثلاثة قواعد رئيسية مبنية على النظرية العامة لأنظمة التفكير الواقعية والمتوقعة، في الظروف الزمنية والمكانية الحالية، التي بموجبها يتكون المحتوى الفكري الراهن، ويكون عبارة عن مجموعة من العناصر الدائمة التفاعل الديناميكي فيما بينها. حيث يتم بموجب هذه الرؤية تحديد حالة كل عنصر حسب حالة كل من العناصر الأخرى التي تقوم بتكوينه؛ إذ يمكن إغلاق نظام دائرة هذا التفكير عندما لا يقوم بتبادل المعلومات مع بيئته بشكل سلس، أو في حالة تعذر فتحه لمجاله، أو تعثره في قراءة المعطيات بشكل صحيح ودقيق. ووفقا لهذه النظرية فإن أي تغيير في أحد الأعضاء الرئيسيين للسلسلة سيؤثر على الأطراف الأخرى، بمعنى أنه يمكن للأسباب المختلفة أن تستجيب لنفس التأثيرات، وهذا يحدث بسبب وجود دائرة تحريرية دائمة من جهة، واتصال قائم ودائم بين جميع مكوناتها من جهة أخرى.

   

أما الأن فسننتقل مباشرة إلى الخوض في استراتيجيات أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها. كما سنتحدث عن علم التحكم في الفكرة الأساسية، من أجل السيطرة على جميع الأفكار الفرعية، المنتجة والمحددة للمهارات بجميع فروعها وتفرعاتها، في تناغم وتوازن لا يوصف، بالإضافة إلى الاستتباب كتنظيم للأنظمة الفكرية. وبالتالي، فإن مفهوم التغذية المرتدة بين مراحل التفكير يبرهن على أن أي سلوك لأي عضو في هذا النظام، يتحول إلى معلومات للآخرين الذين يتحدثون عن ردود أفعال إيجابية أو سلبية، وفقا لما إذا كانت الإجراءات تفضل أو تعرقل تصحيح الإجراءات. وأخيرا فلسفة الاتصال بين عناصر التفاعل داخل المجموعة ككل، حيث يؤثر كل تعديل لأحدها على العلاقات بين العناصر الأخرى. إذا السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو كيف يمكننا تعلم موضوع واحد أو مهارة معينة في وقت قصير جدا، لا يكاد يتعدى نصف الوقت المعتاد؟

 

العقل لا يتعلم بالاستهلاك الروتيني المتكرر لخلايا الدماغ، بل من خلال خلق أفكار جديدة والرغبة في الإبداع. وبناء عليه يجب علينا الانخراط بشكل كلي والمشاركة الفعالة

أما الأن دعونا نفكر ونحلل ونتحاور، ولما لا نجرب ذلك معا بالتفكير في الموضوع أو المهارة التي نريد تعلمها في وقت وجيز وبسرعة فائقة ومعقولة، لأنه كلما كانت سرعة التعلم من البداية سريعة ومضبوطة كلما كانت النتائج محفزة، وطرق التحصيل منتجة، ومعدلات التعلم حقيقية ومضمونة. طبعا بالاعتماد الدقيق على أربعة مبادئ أساسية وهي:

 

المبدأ الأول

عدم تعلم أي موضوع جديد بالاعتماد على الأفكار والمعلومات السابقة التي تخصه. حتى لا تبقى رهين الماضي، حائر وغير متوازن، هذا مع القطع التام مع الشك في تعلم أي مهارة أو أي شيء جديد، بل الواجب هو الانصهار الكامل في التجربة الحالية واليقين التام والإيمان الراسخ بالقدرة على التعلم من جديد. حتى وإن تعلق الأمر بالمسلمات من المعلومات التي تم تمريرها لنا بدون وعي في مرحلة الطفولة، وكبرت معنا حتى أصبحت عائقا وسدا منيعا ضد التقدم والازدهار.

 

يجب علينا أن ننسى أو نتناسى ما نعرفه مسبقا عن هذا الموضوع أو هذه المهارة قصد تعلم شيء جديد كليا. عن طريق الدراسة الدقيقة، الفهم الجيد، لاستراتيجيات تحطيم الروابط القديمة، وبناء وتشييد روابط جديدة. وقتها الإهمال وعدم الاكتراث ضروري جدا، وفن من فنون مراوغة الأفكار البالية، لما يحدث وما يجري في الخارج، كأسلوب استثمار عام أو محدد يجب استخدامه إلى جانب التخطيط وتحديد الوسائل التي يجب الأخذ بها في القمة والقاعدة لتحقيق الأهداف البعيدة. ليس أنانية ولكن من أجل تحسين العالم الداخلي الذي نعيش فيه. نعم نحن ملزمون بالتواجد والحضور بقوة في الحاضر من أجل معرفة جدية ما نقوم به في هذه اللحظة، مع الحرص على عدم التوتر، فإذا كنا متوترون لا يمكننا أبدا مواكبة المستوى العالي للتقدم الحاصل. الناس في كثير من الأحيان لا يتعلمون بشكل أسرع لأنهم يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء. تذكر دائما أنه يجب البدأ بعقلية المبتدئين، ونسيان القيود الخاصة بك، والمعوقات التي تعوق طريقك وتحد وتقيد تفكيرك.

 

المبدأ الثاني

تنشيط العقل، بمعنى أن العقل لا يتعلم بالاستهلاك الروتيني المتكرر لخلايا الدماغ، بل من خلال خلق أفكار جديدة والرغبة في الإبداع. وبناء عليه يجب علينا الانخراط بشكل كلي والمشاركة الفعالة، لتحقيق هذا كله يلزم طرح العديد من الأسئلة، وتدوين جميع الملاحظات المهمة والصالحة، خصوصا أن هناك الكثير من المعلومات القيمة التي يجب تعلمها.

  

المبدأ الثالث

الإعلان؛ أي يجب أن نعلن ونكشف لذواتنا بكل شفافية ووضوح وموضوعية عن المزاج الحالي لعقولنا وأجسامنا. فلنتوقف لبضع ثواني معا مجددا، لنتنفس عميقا ونجيب، لماذا المعلومات الأكثر عاطفية تنشط الذاكرة وتجعلها طويلة الأمد؟ مما يعني أن جميع مراحل التعلم والإدراك تعتمد بشكل رئيسي على الحالة النفسية، الخاصة بك، ثم إذا كنت تريد معرفة المزيد من ضوابط التحكم في هذه الحالة العقلية يجب عليك ألا تفقد السيطرة. إذن ما معنى هذا الكلام، لماذا نحن عبارة عن ترموستات (Thermostat)، ولسنا تيرمومتر (Thermometer)، لسنا مقياس حرارة، مما يعني أن ميزان الحرارة يتفاعل مع البيئة المنعكسة التي تعطيها البيئة. كلنا ميزان حرارة عند نقطة ما، وهذا يؤثر على المزاج، فيدفعنا للتفاعل مع مناخ الاقتصاد وحالة المجتمع. لكن في الحقيقة هناك تساؤل يطفو إلى السطح. أين هو محور الاهتمام؟ ومن هو المسيطر؟

 

لشيء الأكثر أهمية على الإطلاق ليس دائما هو الفوز بكل شيئ في مشهد أناني عقيم، بل المشاركة المسؤولة في بناء أسس وقواعد قوية لنجاع جماعي مستمر في الزمن

أنت في الواقع منظم حرارة مختلف أنت ترموستات! قمت بتأسيس رؤية، ووضعت هدفا، لكن ماذا حدث للبيئة؟ تتغير البيئة لتلائم هذا الترموستات. بمعنى أنك تريد وتطمح لأن تكون منظم الحرارة، إذن الأهم أن يكون لديك كامل السيطرة على ما تشعر به، حتى لا تقوم بتغيير وتبديل خفة تدفق الدم ببراعة، بالحيرة والعجز، قم بضبط درجة الحرارة. إذن القوة العظمى تستتبع بمسؤولية عظمى، وتحمل مسؤولية كبيرة تستتبع بقوة كبيرة.

 

المبدأ الرابع

التعلم بنية تعليم الغير، والجرأة في تحمل أثقل الانتقادات وطأة على القلوب، والعزيمة على إحتواء أثمن التجارب والعلوم في بطون العقول، حتى إذا نزلت على نفوس ميتة أحييتها بقدرة رب العالمين، لاسيما وأن قلوب ونفوس هذا الزمان ضعيفة، وطرق الفشل خطافة، فلنتعلم ونعلم مدى الحياة. وإذا حصل وإعترض طريقنا الجهل أو الفشل، درنا حوله دون توقف ولا استسلام، ولا لوم، ولا تنمر، ولا نشمئز أو نقنط من رحمة الله سبحانه وتعالى أبدا، إلى أن نجد مسلكا آمنا إلى النجاح نسلكه.

 

لقد خلص إلى أن هناك مجموعة من الناس عرضة للإصابة بأمراض عضوية وأخرى نفسية وعقلية مزمنة معقدة في غالبيتها بسبب شخصيتها. إنهم أشخاص طموحين جدا إلى درجة الجنون، لا يشعرون أبدا بالرضا عن أنفسهم، حتى يستنفدون كل طاقاتهم العقلية والجسمية. لهذا السبب فإن أفضل أنواع الوقاية، بلا شك، هو البحث عن إيقاع متزن ومجزي للحياة، حيث يمكنك من خلاله الاستمتاع بالنجاحات الصغيرة وحتى المحدودة كل يوم، دون التسرع المفرط في أي شيء، وبإتباع نظام تحصيلي صحيح، يسمح لنا بتجنب السمنة الفكرية القاتلة، التي تخل توازن النظام الفكري، وتشل حركة مرور الأفكار داخل العقول في وقتها المحدد، مسببة بذلك عدم القدرة على أداء بعض التمارين الحياتية اليومية، رغم توفرنا على قاعدة ضخمة من العلم والمعرفة.

  

لكن قبل كل شيء، فلتصحيح المسار، ولتقويم الخلل، لابد من السعي إلى تحقيق السلام الداخلي، والتذكر بإستمرار أنه في الحياة كما هو الحال في الرياضة، الشيء الأكثر أهمية على الإطلاق ليس دائما هو الفوز بكل شيئ في مشهد أناني عقيم، بل المشاركة المسؤولة في بناء أسس وقواعد قوية لنجاع جماعي مستمر في الزمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.