إن الاسم الحقيقي لرواية فكتور هوجو التي تدور أحداثها في كاتدرائية نوتردام التي التهمتها النيران هو "نوتردام باريس"، بيد أن مَن ترجم الرواية إلى الإنكليزية غير عنوانها إلى "أحدب نوتردام"، كذلك ترجمت بهذا العنوان إلى لغات مختلفة من بينها لغتنا العربية. أما معنى نوتردام فهو "سيدتنا" والمقصود به طبعا السيدة مريم.
يبدو أن هوجو سما روايته التي تدور أحداثها في أواخر العصور الوسطى (1482) باسم المكان الذي دارت فيه أهم أحداث الرواية، وقدم الكثير من المعلومات التاريخية عنه، لكن مَن ترجم هذه الرواية جعل من الشخصية الأهم فيها، وهي شخصية الأحدب اسما لها، ولا ندري السبب الذي دفع المترجمين إلى هذا التغيير المهم الذي حاولوا من خلاله تقديم الأحدب البطل على نوتردام المكان.
يمكن أن نخلص الرواية بما يلي: بطل الرواية الأحدب كازيمودو عُثر عليه على باب هذه الكاتدرائية من قبل كبير القساوسة فرولو، وربي فيها على يديه، وكانت مهمة كازيمودو قرع الأجراس، وبقي حبيس هذا المكان لا يغادره إلا برفقة كبير القساوسة، فقد كان قبيحًا جدًا، فكان الناس يتحاشونه أو يسخرون منه، وعندما وقع كبير القساوسة في حب فتاة غجرية تدعى أزميرالدا طلب من الأحدب كازيمودو أن يخطفها، لكن كازيمودو فشل في ذلك، فقررت السلطة جلده في الساحة العامة، عندها أشفقت عليه الغجرية أزميرالدا الجميلة الفاتنة، وسقته الماء، فوقع في حبها.
لا أستبعد أن بعضنا راح يبحث عن أسباب الحريق في شخصيات الرواية، وأخذ يتساءل؛ أتراها احترقت بسبب ذلك القسيس الآثم فرولو؟ أم اصابتها لعنة الغجرية أزميرالدا؟ |
إن كبير القساوسة برغم سلطاته الواسعة لم يتمكن من الوصول إلى أزميرالدا، لذلك دبر لها مكيدة، فزج بها في السجن، وساءت العلاقة بين كبير القساوسة وكازيمودو عندما حاول كبير القساوسة الاعتداء أزميرالدا، وأنقذها كازيمودو من براثنه، في النهاية يتم اعدام أزميرالدا في الساحة العامة، ويلقي كازيمودو بكبير القساوسة من على سطح كاتدرائية نوتردام، لأنه كان السبب في موت الغجرية أزميرالدا، ويتم إلقاء جثة أزميرالدا خارج المدينة، ويموت كازيمودو وهو يبكي على جثة أزميرالدا. هذه هي القصة الحقيقية للرواية، أما الأفلام التي جسدتها فقد غيرت وبدلت واختصرت الكثير.
من الملاحظ أن الكاتدرائية تشكل عنصرًا مهما في الرواية، فهي الفضاء الذي دارت فيه معظم أحداث الرواية، على أعتابه ألقي بالأحدب، وفيها تربى وكبر، ومن على سطحها انتقم من القسيس الظالم بإلقائه على الأرض. لقد كانت هذه الكاتدرائية في حالة يرثى لها عندما نشر فكتور هوجو روايته هذه عام (1831)، ومع اشتهار الرواية ازدادت شهرة الكاتدرائية، وراح السواح يقصدونها باستمرار، عندها قررت الحكومة الفرنسية ترميمها، ونجحت بشكل كبير في ذلك.
معظمنا شاهد ألسنة اللهب وهي تبتلع هذا المكان السياحي والديني المهم لدى الفرنسيين والكاثوليك عمومًا، وشاهد من حزن وبكى عليه بوصفه مكانًا دينيًا مقدسًا. أما نحن -البعيدين عنها بأوصافها السابقة- لم نشاهدها ولم نصل بها، بيد أن قسمًا كبيرًا منا عرفها من خلال رواية فكتور هوجو، سواء بقراءة الرواية أو مشاهدتها مجسدة في فلم سينمائي أو كرتوني، وأكاد أجزم أن بعضنا ظن أن هذا المكان إنما هو من نسج خيال الكاتب. نعم ربما لا نعرف الكثير عن مكانة هذا الصرح لدى الآخرين، لكننا شعرنا بالحزن لاحتراقه، حزنّا على ذلك المكان الذي رُمي أمامه الأحدب، ونشأ فيه وشبّ، وحزنّا لانهيار الأجراس التي كان يقرعها.
لا أستبعد أن بعضنا راح يبحث عن أسباب الحريق في شخصيات الرواية، وأخذ يتساءل؛ أتراها احترقت بسبب ذلك القسيس الآثم فرولو؟ أم اصابتها لعنة الغجرية أزميرالدا؟ ومن الممكن أن البعض قد وصل إلى قناعة بأنها ما احترق إلا ثأرا من تلك الأجراس التي سببت صمم كوازيمودو الأحدب، أو من تلك الجدران التي كانت بمثابة حبس له.. بل ربما ينتظر البعض اليوم أو غدا إصدار المدعي الفرنسي العام مذكرة اعتقال بحق إحدى شخصيات رواية أحدب نوتردام، أو ربما بحق الكاتب نفسه.
أنها سطوة الأدب وسلطته، لقد خلد فكتور هوجو هذا المكان من خلال روايته، وجعله مكانا معروفًا ومألوفًا من قبل الكثيرين الذين لا تربطهم به أي صله دينية، لقد نجح هوجو بإخراجه من إطاره الديني، فلم يعد بعد روايته مجرد كاتدرائية يصلي بها الكاثوليك، بل أصبح مسرحًا إنسانيًا يتصارع فيه وعلى أطرافه الخير والشر. لقد أثبت الأدب في هذه الحادثة مرة أخرى سلطته، وأبرز قوته، وأظهر تأثيره، فهو الذي يخلد الأشخاص والأماكن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.