شعار قسم مدونات

ما الذي تعرفه عن "الناقد الأدبي" سيد قطب؟

BLOGS سيد قطب

إن سيد قطب رحمه الله ليقف شامخاً مرفوع الرأس رائداً لفن النقد الأدبي؛ باكراً وباكراً جداً مع بداية دراسته في دار العلوم، ومع تفتح وعيه، وهو ما يزال على مقاعد الدرس بعد، وقد قام بما مالم يقم به جهابذة عصره، وأساتذة بيانه. ففي محاضرة ألقاها بمدرج دار العلوم، وهو ما زال طالباً فيها، عنونها بـ"مهمة الشاعر في الحياة وشعر الجيل الحاضر" وقدمه أستاذه الدكتور محمد مهدي علام، الذي أعجبه تلميذه وأثنى عليه فقال: "لقد كان من بواعث اغتباطي، أن أشرفت على إلقاء هذه المحاضرة، بمدرج دار العلوم، مهد العلم والأدب… ولئن كنت قد قدمت المحاضر سيد قطب بأنه طالب. يسرني أن يكون أحد تلاميذي، فإنني أقول اليوم -وقد سمعت محاضرته- إنه لو لم يكن لي تلميذ سواه، لكفاني ذلك سروراً وقناعة واطمئناناً إلي أنني سأُحمل أمانة العلم والأدب من لا أشك في حسن قيامه عليها".

وقد دافع الأستاذ سيد في محاضرته، التي تُعتبر باكورة إنتاجه في النقد الأدبي؛ عن التجديد في الأدب، وهدف منها إلى اثبات وجود الجيل الجديد من الشعراء الناشئين، أمثال عبد الرزاق عتيق، وعلي عبد العظيم، ومحمد الهواري، ومحمود عماد، وإن كان دورهم فيما بعد كان دون المستوى الذي كان الناقد يطمع فيه. وقد طبع محاضرته تلك في شهر فبراير عام 1932م، بنفس العنوان. وخلال الفترة من عام 1932- 1948 كان لسيد قطب دوراً بارزاً في الحياة الفكرية والأدبية في مصر، خاض خلالها معاركه النقدية والأدبية؛ والتي تميز فيها بالجرأة والحدة، مما كسبه إعجاب الأدباء الشباب. وقد بدأ أولى معاركه تلك انتصاراً للعقاد على الرافعي، وقد شارك في تلك المعارك عدد من كتاب العربية المعروفين، أمثال الأساتذة: محمود محمد شاكر، وعبد الفتاح غندور، وعبد المتعال الصعيدي، وعلي الطنطاوي، واسماعيل مظهر، وغيرهم.

رغم نقد سيد قطب لكتاب طه حسين، واعتراضه عليه، ورفض كثير من أفكاره، إلا أنه اعترف بفضله ومكانته، وسمى كتابه ذاك عملاً عظيماً، وكتاب الموسم، أو كتاباً ضخماً

وقد خاض سيد قطب معاركه تحت عنوان: "آراء حرة بين العقاد والرافعي" وكتب أربع عشرة مقالة يدافع فيها عن العقاد، الذي يعتبره رائد الثقافة العميقة الأصيلة. ولم يُخفى أبداً إعجابه بالعقاد؛ الذي قال عنه: "في وضح النهار يعيش العقاد، صاحي الحس، واعي الذهن، حي الطبع، لا يهوم إلا نادراً، ولا يتوه فيما وراء الوعي أبداً". وقد نشر تلك المقالات في مجلتي الرسالة، والثقافة، وقليلاً منها في مجلتي المقتطف والكتاب. وقد جمع معظمها لاحقاً في كتابه "كتب وشخصيات".

وقد كتب عنه نجيب محفوظ في المرايا، يقول: "… وحتى نقده للكتب العصرية لم يتسم بالهزال أو السطحية بالقياس إلى نقد المتخصصين من حملة المؤهلات الباريسية أو اللندنية". هذه كانت المرحلة الأولى والثانية، من حياة سيد قطب الناقد، مرحلة التفتح والبداية، ومرحلة خوض المعارك الأدبية حامية الوطيس عبر صفحات المجلات بجانب العقاد. والتي لم تقف همته عندهما، بل ظل ماشياً إلي قُدام، يرتقي الدرجات في سُلم الصعود الأدبي والنقدي.

وخلال هذه المرحلة، قدم بشجاعته المعهودة، وأدبه المعروف، بحثاً مهماً لنقد كتاب الموسم عام 1939م للدكتور طه حسين، "مستقبل الثقافة في مصر" وقد كتب نقده في العدد الرابع في السنة الخامسة من صحيفة دار العلوم، الصادرة في أبريل 1939م. وعن سبب اختياره "صحيفة دار العلوم" لنشر نقده يقول: "وقد آثرت أن تكون صحيفة دار العلوم معرضاً لآرائي في هذا الكتاب، فأحب أن أنبه هنا إلي أنني لم أوثرها لأنها مجلة الطائفة التي أنتمي إليها، أو لأنني متأثر فيما أبديه من الآراء هنا بآراء طائفة بعينها، متجه إلى عقليتها العامة -أو ما يظن أنه عقليتها العامة- حين يهاجمها الدكتور في هذا الكتاب.

فالواقع الذي يعلمه إخواني، والذي أحسب أن الدكتور يعلمه كذلك أنني مستقل الفكر عن كل عقلية عامة أو خاصة، وأنني لا أعيش ولا أستطيع أن أعيش في جو الطوائف وأن مدار حكمي على الأشياء ما يُمليه على مذهبي الخاص في الحياة.. إنما آثرت صحيفة دار العلوم لأنها مجلة أساتذة يشتغلون بالثقافة في المدارس خاصة، فالكتاب يهمهم أول ما يهم أحداً في مصر. ولأنها صحيفة هادئة الطابع، رزينة الاتجاه، وهذه صفات لا تتوافر مجتمعة في صحيفة أو مجلة من صحفنا ومجلاتها".

ويناقش سيد قطب وينقد بكل شجاعة كتاب عميد الأدب العربي، وهو الذي عمل مديراً لمكتب طه حسين يوم كان مستشاراً لوزارة التربية والتعليم، وسيد يومئذ شاب أديب. منصف في نقده، يضع الحق في نصابه، ويعطي لكل ذي حق حقه، ويذكر الرجال وثمرات أقلامهم وما لها من مواقف، بما تستحق من الثناء العطر أو الجرح والتعديل دون مواربة ولا التواء. وقد تم نشر صفحات النقد في كتاب، نشرته الدار السعودية للنشر والتوزيع بجدة، صدرت طبعته الأولى في سبتمبر 1969م.

ورغم نقد سيد قطب لكتاب طه حسين، واعتراضه عليه، ورفض كثير من أفكاره، إلا أنه اعترف بفضله ومكانته، وسمى كتابه ذاك عملاً عظيماً، وكتاب الموسم، أو كتاباً ضخماً، وقال: إن كاتبه خليق بعمله العظيم، خليق بتقدير هذا العمل. وقال في مقدمة كتابه: "وفي هذا الكتاب ما نوافق الدكتور فيه أشد الموافقة. وما نخالفه فيه أشد المخالفة، وفيه ما يحتمل الأخذ والرد والزيادة والنقصان". وفي كلمته الختامية يقول: "وقد حرصت على استعراض رأي الدكتور في هذه الشئون كلها، لأن هذا أدنى إلى توضيح ذلك العمل الشامل الذي قام به في كتابه القيم.. وفي النهاية أتوجه إلي الدكتور بإعجابي بذلك المجهود العنيف، وبذلك الدستور الجامع، الذي قدمه للدولة، ولعلها لا تكسل عن مراجعته ومناقشته. فهذا خليق أن يزج بعقليتها التعليمية إلي الأمام خطوات على هدى هذا النور الوهاج".

يقول الدكتور محمد مهدي علام: "يعجبني في كاتب هذه المحاضرة جرأته الحازمة، التي لم تسفه فتصبح تهوراً، ولم تذل فتغدو جبناً. وإن هذه الجرأة الرشيدة التي دعته إلى الاستقلال بالرأي في بحثه، لهي التي تجعله أحب إلي قلوبنا.. وسيد قطب باحث ناشئ تعجبني منه عصبيته البصيرة، وإشادته بذكر الشعراء الناشئين من أمثاله وهو جد موفق في اختياره لهم، وليس أقل توفقاً في اختياره من شعر نفسه، وإن ستره تواضعه وراء ستار "لشاعر ناشئ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.