شعار قسم مدونات

اهرب من فيسبوك وانستغرام إلى هذه المواقع

blogs هاتف

"على الأقل نصف ساعة".. كانت تلك هي القاعدة التي التزمت بتطبيقها، وبدرجة كبيرة من الصرامة، خلال عدة سنوات مضت، منذ اللحظة التي اكتشف فيها أن وسائل التواصل الاجتماعي تسحبني من أرض الواقع شيئًا فشيئًا، وتؤثر على عملي وحياتي الخاصة، بحيث شعرت لوهلة أنني مجبر على تصفح الفيسبوك كل خمس دقائق.

 

إنه شعور غريب حقًا يتحول لفعل قهري يأمرك بسحب الهاتف الذي وضعته على الطاولة قبل قليل وتأمله مجددًا رغم أنك كنت في نفس المكان الصفحة الرئيسية، لم يحدث شيء جديد، أضف لذلك أني بدأت أشعر أن حياتي أصبحت، مع تلك الحالة، أقل سعادة بدرجة ما.

 

يذكرني ذلك باستفتاء ضم أكثر من ألف وخمسمائة مراهق بريطاني، قبل عدة سنوات، لتقييم أي تطبيقات التواصل الاجتماعي أسوأ على صحتهم النفسية من الأخرى قيّم المشاركين الإنستجرام كأسوأ وسائل التواصل الاجتماعي، تلاه سناب شات، ثم فيسبوك، ثم تويتر، وأخيرًا اليوتيوب والذي احتل المرتبة الأخيرة. فحص الاستفتاء مجموعة هامة من المعايير كدرجة تقبّل الآخرين، أو الدعم العاطفي الذي يتلقاه الشخص من هذه المنصة، كذلك القلق ودرجة الاكتئاب وتأثير كل من تلك التطبيقات على النوم على صورتك الذاتية عن نفسك وجسدك، مع إمكانية أن يتسبب هذا التطبيق في حالة من الإدمان.

 

في الحقيقة، فإن الدلائل على التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي كثيرة، لكن الدلائل على فائدتها تستحق التأمل كذلك، نحن في عصر لا يمكن فيه تقسيم تطبيقات التواصل كـ "جيد" أو "سيء"، بل يحتاج الأمر لطريقة تفكير مركّبة. لنفترض أنك قد قررت أن تتوقف عن زيارة الفيسبوك، أو إنستجرام، على سبيل المثال، مسافة عشر ساعات في اليوم، في تلك الحالة يمكن أن تجد بديلًا، فنحن نعرف أن أحد وسائل التخلص من الإدمان هي توجيه عاداتنا ناحية أراض جديدة.

 

في تلك النقطة يمكن أن تتأمل مجموعة أخرى من مواقع التواصل التي قد تكون مفيدة حقًا بجانب كونها ساحات للتواصل بين البشر، خذ Instructables على سبيل المثال، تعرّفت إلى هذا الموقع قبل حوالي خمس سنوات بالصدفة البحتة في أثناء بحث عن كيفية صناعة تلسكوب في المنزل، حينما دخلت إليه بدا وأني في عالم آخر، حيث يقوم الهواة والمحترفين من كل المجالات بتقديم الكيفية التي يمكن لك من خلالها صناعة كل شيء وأي شيء.

   

   

بداية من الطائرات الورقية، مرورًا بالتلسكوبات الراديوية، والدوائر الكهربية، والعرائس، والأبواب، وتصميم الألعاب، والإضاءة، وغرف المنزل، والملابس بكل أنواعها، مع خطط غاية في الذكاء لبناء أدوات التخزين وحفظ الأوراق ومستندات وتصميم ديكور مكتبك… الخ، ستجد في هذا الموقع كيفية صنع الأشياء -بحد التعبير المصري الشهير- "من الإبرة للصاروخ".

 

تأتي كل طريقة مقسّمة بدرجة من الأناقة والتنظيم إلى خطوات واضحة، أضف لذلك أنها تكون دائمًا مدعمة بعدد من الصور والفيديوهات، مع مجتمع ضخم يضم عشرات الآلاف من المتفاعلين سواء ببناء الأدوات أو الذين ينفذونها ثم يناقشون أخطائهم وخطوات تقدمهم، أو لمجرد التواصل.

 

من المهم جدًا -كما أظن- أن تمتلك فرصة، ولو مرة واحدة في الأسبوع، لممارسة شيء ما كهواية عملية، هؤلاء الذين قابلتهم على Instructables تنوعّت توجهاتهم، كان منهم الأطباء والمهندسين والتجار والمحامين، لكن في عطلة نهاية الأسبوع يصبحون الرفاق في خطة بناء محوّل كهربي ما أو لعبة صاروخ أو يتتبعون سماء الليل بحثًا عن النجوم.

 

من جهة أخرى، يدخل Brilliant في قائمة أهم تلك المواقع التي تحمل طابعًا تواصليًا، يتضمن إعجابات وتعليقات ومشاركات، لكنها تعمل فقط في نطاق واحد، وهو الألغاز الرياضياتية، حيث يمكن لك عبر تلك المنصة أن تجيب على آلاف الألغاز المتاحة مجانًا.

 

تتفرع ألغاز Brilliant في كل جوانب الرياضيات والفيزياء وعلوم الحاسب، وهي تنقسم لمستويات تبدأ بالأبسط حتّى المستوى الجامعي، ومع كل لغز يتلك لك الموقع فرصة للتفكير أو كشف الإجابات المختلفة التي يقدمها المشاركين، كما أن درجاتك ترتفع مع كل قفزة. الألغاز ممتعة، لكن بجانب ذلك فهي تعطينا فرصة هامة لتدريب أدمغتنا على التفكير المنطقي، ليس بالصورة الخيالية التي تطرحها كتب التنمية البشرية، لكن أثرها على أدائك في المهام الأخرى سيكون واضحًا لا شك.

 

الميزة الأكبر لتلك المنصة هي أنها تفاعلية، يمكن أن تشتري كتابًا للألغاز وتقرأ فيه على مدى ليلات عدة ثم تنتهي من اجابة كل المسائل فيه وكفى، لكن Brilliant يقدم لك الألغاز بنفس طريقة منشورات الفيسبوك، ستصبح أكثر شهرة ان قدمت أو أجبت على ألغاز صعبة.

   

  

في منطقة مجاورة لـ Brilliant يمكن لتطبيق آخر هام أن يساعدك على تطوير مهاراتك في التفكير المنطقي، وهنا يمكن لك الاختيار بين Chess.com أو Lichess، وكلاهما – كسابقيهما – لهما موقع على الإنترنت وتطبيق على الهواتف الذكية.

 

الشطرنج لعبة ممتعة، يمكن تعلمها بسهولة عبر اليوتيوب، تجتذب الملايين من الأشخاص لممارستها سنوياً، حتى إن هناك سبعة من كل عشرة أشخاص في العالم لعبوا الشطرنج في مرحلة ما من مراحل حياتهم، لكننا لا نجد الكثيرين من المهتمين بها في الوطن العربي، حيث تقتصر اللعبة على فئة محددة من الأفراد وتعتقد البقية أنها لعبة مملة قد تتسبب في إرهاق أذهاننا.

 

لكن الشطرنج، بجانب كونه ممتع، فهو ايضًا مفيد، في العام 2014 -على سبيل المثال- خرج المؤتمر السنوي لتدريس الشطرنج في المدارس والتابع للاتحاد الدولي للشطرنج بنتائج تشير إلى أن تدريس الشطرنج في المدارس الأرمينية يعمل على تحسين قدرات الأطفال على التذكر البصري والتحليل العقلاني للأحداث، ورفع درجة الانتباه، والقدرة على التذكر، والتحسن العام في المستوى الدراسي.

 

بشكل شخصي، أفضل Lichess لأنه مجتمع مزدحم للغاية مع مئات الآلاف من المباريات يوميًا، أما Chess.com أكثر دقة في التقييم. لكن في كل منهما، يمكن أن تمارس واحدة من أروع الألعاب فقط بضغطة على شاشة الهاتف الذكي، وتلعب مع كل جنسيات العالم، أو فقط تشاهد البطولات العالمية والمهمة، وتشترك في بطولات سريعة وطويلة يشارك بها معك أبطال دوليين، فقط بينما تتسلّى قليلًا.

 

الآن دعنا ننتقل إلى صورة مختلفة من اللعب، هل تود أن تشارك في منصة تواصل وتساهم في العلم بنفس الوقت؟ في مايو 2016، وفي أثناء محاولتهما لفهم شكل مجرة "راديوية"، تمكن الروسيان "إيفان تيرينتيف" و"تيم ماتورني" من رصد تجمع ضخم للمجرات يبتعد عنا مليار سنة ضوئية، ويحتوي على 40 مجرة.

 

تيرينتيف ومارتوني ليسا عالما فلك، ولكنهما كانا فقط يمارسان لعبة Galaxy Zoo، والتي تهدف للاستعانة بالعامة في الاستكشافات العلمية، مع مليون صورة راديوية مأخوذة من مسح سلون الرقمي للسماء. الهدف ببساطة هو تصنيف ذلك الكم من المجرات، نشر اكتشاف الشابان الروسيان في عبر النشرة الشهرية لجورنال الجمعية الملكية الفلكية.

   

   

تبدأ اللعبة بفكرة بسيطة، سوف تتدرب على أنواع المجرات وأشكالها في البداية، ثم تمسك بهاتفك الذكي وتصنف تلك المجرة التي في الصورة، هل هي بيضاوية؟ حلزونية؟ إهليلجية؟ شاذة؟ هل تقف وحيدة أم تتداخل مع مجرة أخرى؟

 

انتقلت اللعبة بعد ذلك لتفاصيل متخصصة أكثر؛ كعدد الأذرع، وحجم المجرة، وميلها، ثم في النسخة الأخيرة تطلب منك استكشاف ثقوب سوداء في صور راديوية لعدد ضخم من المجرات، كذلك سوف تهتم برصد تأثيرها على الأجرام المحيطة، وسوف تدرس تلك النفاثات الراديوية الضخمة المنطلقة من مركز المجرة، فقط سجل حسابا باسمك، وابدأ اللعب بين آلاف المتنافسين لتحصل على نقاط إضافية مع كل تقصنيف، بعد ذلك يزداد الأمر في التعقد حتى تحتاج لبذل عدد ساعات في التعرف على مجرة ما ومقارنة صورها من ترددات مختلفة؛ لتلاحظ – ربما- اعوجاجا بسيطا هنا أو هناك. نعم يا صديقي، أنت الآن تمارس البحث العلمي، بالضبط كالباحثين في المعامل والمراصد الضخمة، بينما تلعب.

  

حسنًا، لقد وصلنا لنهاية، دعنا في تلك النقطة نقترح عليك خطة غاية في البساطة تقول: اقضِ 10 ساعات على يوتيوب في الشهر، فقط 10 محاضرات طويلة في عشرة موضوعات متنوعة، بمعدل محاضرة لكل ثلاثة أيام. بعد فترة قصيرة ستكتشف أنك اكتسبت كمًّا مهولا من المعارف، سيشبه الأمر أن تقرأ كتابا ضخما كل شهر، لكنه مع يوتيوب أسهل كثيرا لأن كل ما تفعله هو "المشاهدة"، كذلك يمكن أن تقوم بتحميل المحاضرات إلى قائمة يوتيوب الخاصة بك وتستمع إليها في المواصلات أو حينما تكون الرقم "421" في قائمة الانتظار بالبنك الخاص بك بينما العميل رقم "113" يقف لينتهي من إيداع مبلغ ما، يمكن لك استغلال كل ذلك الوقت في الاستماع للمحاضرات.

  

كانت هذه هي قائمة تفضيلاتي الخاصة، لمجموعة من المنصات يمكن أن تتفاعل معها بدرجات متفاوتة من الاهتمام، قد تكون هناك منصات أفضل وتفضيلات أخرى، لكن أعدك أنه مع بعض الوقت والصبر ستعتاد وجودها في حياتك بالضبط كفيسبوك، لكنها تختلف عنه في أنها تفاعلية بشكل ايجابي، وهو أهم شيء يمكن أن تفعله بحياتك الرقمية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.