شعار قسم مدونات

الجزائر بين مطرقة التغيير وسندان الاستقرار

blogs الجزائر

أنت لا يمكنك قمع شعب ما عاد يخاف بعد الآن

سيزار تشافيز

   

استمرار خروج الشعب الجزائري الواعي والمثقف برهن للعالم تحضُّرنا، لكن ماذا سيحدث في الأيام القليلة القادمة التي تفصلنا عن الموعد الانتخابي؟  يحدث أن نكتب بانفعال، خاصة عندما يصل بنا الصبر إلى آخره، عندما نرى في النظام فوضى مرتبة عل مقاس مصالحهم، وهذا ما يحدث حينما يتم العبث بأحلام الشعوب، وقبل كل شيء عندما يتم التلاعب بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم، كيف لا وأصحاب العهدة الخماسية مُصممون على ترشحهم أو بمعنى أصح لن يتزحزحوا دونما قلب للأوضاع، لا يروقهم الاستقرار، والشعب تحرّك ولن توقفه أية قوة بعد اليوم.

      

لا للعهدة الخامسة نعم للتغيير، والكلمة الأخيرة تحمل الكثير والكثير، وبعيدا عن العاطفة الزائدة يجب أن نجعل لتحركاتنا قيمة بعيدا عن أخذ الصور وتناقلها هنا وهناك، فالوطنية لا تُقاس بارتدائك لعلم الوطن وأخذ زاوية جيدة للسيلفي وفقط، هذا ما أردت الإشارة إليه فأغلب المتظاهرين منتهزين للفرص من أجل الشهرة والبعض الآخر ينتظر الفرصة السانحة للتخريب والنهب، بمعنى انتقالنا من مرحلة سرقة النظام للشعب إلى مرحلة انتقام المواطن من أخوه المواطن.

    

الجزائر على مفترق فإما التغيير وإما التغيير، لا مكان للتراجع، وفي ذات الوقت لا مكان للندم، لن نأخذ بتجارب الدول الأخرى ونبني عليها آمالنا، فلكل مجتمع خصوصياته

لن نعود للخلف، سنستمر في المطالبة بسقوط رؤوس الفساد، لا نُريد هاته العهدة ولا الحاشية التي تقود الحملة، ولا العشيرة التي تسكن قصر الرئاسة وتقوم في هذه اللحظات باختلاس ما تبقى من أموال النفط بعدها الهروب إلى الدول التي تُرحب بالخونة. ما عاد الشعب يخاف شيئًا، نعم فكل الخسارات تهون ما عدا خسارة الوطن، ما عادت قوارب الموت تجذبنا، ما عادت الهجرة طموحنا الأول، فمن ليس لديه وطن يأويه اليوم، لن تتسع له الخريطة بأوطان تفرش له الورود بدل الدم والخيبة.

  

قد نكتب خطابات طويلة إلى الحكومة، لكن لا فائدة لا وقت لديهم لتحليل سطورنا البريئة، نحن دول تُنادي بالعدالة لكن ما من قانون يحمي ضحايا الاستبداد، فالشعب يُناضل ويُقاوم وفي الأخير يجني خيبته ما من إعلام حقيقي يُسانده في وقفاته، فقط شعاراته التي كتبها على الورق والجدران وقبل كل شيء نقشها بأعماق قلبه تعبيرا عن حبه للجزائر.

    

نريد فئات مثقفة تقود الاحتجاجات، وقبل ذلك إعلان منظّم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى نخرج يدًا بيد، صوتا بصوت، وعقلا بعقل، فالتغيير لا يحدث بلحظة في حين أن الصدى يصل إلى أجيال وأجيال، فمن الخاسر إن لم نكن شعبا يحمي بعضه البعض، شعبا يُساند الأقوياء منه الضعفاء، شعبا يرتشف الوعي وينبذ الظلم. الجزائر على مفترق فإما التغيير وإما التغيير، لا مكان للتراجع، وفي ذات الوقت لا مكان للندم، لن نأخذ بتجارب الدول الأخرى ونبني عليها آمالنا، فلكل مجتمع خصوصياته، والمجتمع الجزائري مختلف دائما وأبدا.

   

لا للتخريب والتكسير والتعدي على ممتلكات الشعب، نعم للتعبير عن آرائنا والدفاع عن حقوقنا، وعلى هذا ينبغي على كل كاتب أن يُطلق العنان للقلم الأداة الأكثر تأثيرا، نعم للتغيير على كل الأصعدة، دون أن ننسى البدء بأنفسنا أولا، أن نكون متصالحين مع ذواتنا. الرئيس يُصارع المرض في الخارج، رافقته حاشيته وظلت الفئة التي تُجيد ضرب "الشيتة" ها هنا لاستكمال إجراءات الترشُّح، لكن ماذا لو تغير الأمر ومات الحاكم، ماذا لو دخلت الجزائر مرحلة انتقالية تكون بداية للتغيير الجدي.

 

لا يعني ذلك أن الموت هو نقطة النهضة، لا وألف لا فالأعمار بيد الله، لكن في حالتنا نحن وأمام هذا التصميم لدخول الانتخابات قد نصطدم بثلاث سيناريوهات محتملة:

السيناريو الأول/ استمرار الاحتجاجات السلمية: التي ستصل إلى ذروتها، ما يدفع للانتقال إلى مرحلة العصيان المدني التي تتعقد، فيحدث انفلات أمني صارخ يدفع بالنظام إلى الزوال، وهنا تبدأ أوّل مراحل الديمقراطية.

 

السيناريو الثاني/ المرحلة الانتقالية: هي بمثابة النقطة الحرجة، لأن المشَاهد فيها ضبابية فحينما ينجح الشعب في إزالة الحاكم لا ينبغي له التسليم بالتفاؤل المفرط، إذ قد ينتج عنها استبداد أوسع، فرأس الهرم المتمثل في الرئيس قد سقط، لكن المؤسسات القديمة وأصحاب المصالح ما زالوا متواجدين، وفي هذه الحالة قد يأتي نظام آخر برؤوس قديمة تتغلغل هنا وهناك من أجل بسط نفوذها أكثر.

 

السيناريو الثالث/ انتشار الفوضى: هذه هي المرحلة التي يهرب فيها رجال المال والأعمال، وقبل كل شيء تسقط البلاد في أيادي المرتزقة فيكون الشعب ضحية، لا يهم هنا استمرارية النظام القديم أو زواله لأن انتشار العنف واللا_استقرار يدفع بعامة الشعب إلى الاحتماء بعيدا عن السلطة حفاظا على ما تبقى من ممتلكاتهم وأرواحهم.

 

السيناريو الأخير/ حدث في دول الربيع العربي، وستخرج فئة لتقول تبا لكم أيها المدونون، دائما ما تُحاولون وقف نضال الشعوب تحجُّجا بتكرار التجارب السابقة، لكن نحن نكتب لأنها وسيلة قوية للاحتجاج أيضا، لا نُريد تكرار تلك التجارب ولن تحدث بإذن الله لأنّ الشعب الجزائري ذو تاريخ مجيد، قاد الثورة سابقا ضد الاستعمار وخرج منها منتصرا وسيفعلها هذه المرة لأنّه يقود ثورة جديدة ضد الفساد، لأنه كما قال أبو القاسم الشابي: إذا الشّعبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ… فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.