شعار قسم مدونات

من للجزائر إلا شعبها..

blogs الجزائر

أيّ حبّ للوطن كان يحملهُ جيل أوّل نوفمبر للجزائر في قلبِه، وأيّ قوّة إيمان تسلّح بها لمواجهة أبشع مُستعمر عرفتْه المعمورة كلّها، وأيّ وعي وثبات كان يتحلّى بِهما وهو الّذي عاش استعمار استيطاني دام أكثر من قرن وثلاثين سنة، كان همّه الأوّل طمس هويّة هذا الشّعب وإبادتِه كلّياً والاستيلاء على خيرات بلده، وأيّ شجاعة كانت لديه وهو من فجَّر أعظم ثورة في التّاريخ بأبسط الوسائل، فضحّى شبابه وشيوخه وأطفاله ونسائه بأرواحهم وبالغالي والنّفيس لتُصبح الجزائر حرّة مستقلّة، مسلمة عربية، ذات سيادة.

 

أسئلة لطالما كانت تدور في رأسي عندما أنظر إلى جزائر الاستقلال. وأعود فألقي نظرة على جيل اليوم وأتساءل أيضا هل تُرانا توقّفنا عن حب وطننا؟ هل حقا نحبّه فقط في مباريات كرة القدم؟ الأكيد أنّه ليس كذلك، فالجزائري يولد بحبّه لوطنه وكل يوم يكبره فيه، يكبر حب الوطن داخله فلقد رضعناه منذ الصغر مع حليب أمهاتنا فتشبعنا به وزٌرع فينا.

 

فلماذا أصبحنا خاضعين مستسلمين اليوم لمعاناتنا لماذا نحن صامتين بالرغم أننا نشاهد وطننا يغرق ويستصرخ تحت وطأة استعمار من نوع آخر؟ وكأنّ حبّنا للوطن قد شوِّه بشكل ما. ولكني فهمت أنّه قد يكون صعبا أن تدافع عن أرضك لتخلّصها من مستعمر غاشم، وعدو تعرفه جيّدا ولكن الأصعب منه أن تنقذ وطنك من أشخاص تسمع بهم ولا تعرفهم استولوا على شؤون الوطن فعاثوا فيه وعبثوا به، وهم من ذوينا وأهلينا، منا وفينا، أشخاص اضاعوا أمانة الشهداء وضربوا عهد أول نوفمبر عرض الحائط.

 

هذا البلد القارة استولى على رأسه نظام لا يمكن أن أصفه في كلمة واحدة، نظام زايد أفراده بوطنيّتهم على الجميع فاستفردوا بحكمه ولكنّهم استباحوه واعتبروه ملكية خاصة

لم أكن لأكتب هذه الأسطر لو أني وجدت طريقة أخرى أسكت بها هذه الثرثرة التي برأسي و أسكن بها الوجع الذي يعتصر قلبي حتى انتفخ داخلي، فلم أجد غير الورقة والقلم لأهمس لهما بصوت خافت عما يختلجني من فوضى وألم علني أرتاح ولو قليلا، وعسى أن تكون هذه الكلمات حجة لي أمام نفسي وأمام ضميري، اتجاه ما يحدث في وطني الذي لا يعلم أي أحد إلى أين يتجه، تؤلمني الجزائر كثيرا، هذا الوطن الذي يملك تاريخاً حافلاً وعظيماً ومؤلماً بنفس الوقت كفيل أن يشفع له ليعيش أوج أيام ازدهاره، ليهنأ شعبه، وليحقق مجده بين دول العالم وليشق طريقا نحو الصدارة وهو المؤهل لذلك بدرجة كبيرة .

 

لعلّ أبسط مواطن جزائري أصبح يدرك ويعي جيّدا حقيقة أن الجزائر بلد يختلف عن كلّ البلدان الأخرى، سواء تاريخه وما مرّ عليه من أحداث، أو تركيبته الاجتماعية، أو طبيعته الدينية وهويته الفعلية، أو امكانياته الاقتصادية والبشرية، فتاريخ الجزائر العظيم جعل من الشعب الجزائري يداً واحدة، يؤمن بوحدة المصير المشترك أكثر من أي شيء آخر، ينبذ الظلم والاستبداد، وما عاشه من أحداث داخلية جعلته يكره التّدخل في شؤونه ويدافع بروحه ودمه لكل من يتربص بوطنه بسوء، فنتج عن هذا تركيبة اجتماعيّة قويّة ومترابطة تجمعها روح التضامن والتكافل لديه، متوازنة تطغى عليها الطبقة المتوسطة، تُسيّرها العقيدة الاسلامية قبل العرف أو العادات والتقاليد، يفخر بهويّته الاسلامية العربية وأصوله الأمازيغية، هوّية منفتحة على كل الثقافات لما تحتوي عليه البلاد من فسيفساء من كل المناطق، وأمّا التّدين في الجزائر فهو يتميّز بقوّته وصحته في نفس الوقت، تديّن معتدل وثابت لا غلوّ فيه ولا تساهل فلا أفراط ولا تفريط يجمعه المذهب الواحد فلا مكان للاختلاف ولا وجود لقنبلة أسمها الطائفية.

 

وعن الجانب الاقتصادي فلا أظن أنّه يمكننا أن نوفيّه حقّه، فبشهادة زائريها أثبتت الجزائر أنها قطعة مختلفة من على هذه الأرض جمعت بين البحر والصحراء وبين الجبال والسهول والهضاب وبين الطبيعة والمناخ فكانت جنّة حقيقة، ممتدة على مساحة واسعة وتعتبر كهمزة وصل بين ثلاث قارات كأنّها مركز العالم، ناهيك عن ثرواتها ومواردها الطبيعية الأخرى التي لا تعدّ ولا تحصى أما ثرواتها الباطنية فيعرفها الجميع، فهي بلد الثروات بامتياز لأن كل ما هو موجود بالجزائر يستحق أن نقول عنه ثروة، وإذا ما نظرنا للجانب البشري وجدنا مجتمع فتّي تغلب عليه فئة الشباب يضمّ طاقات وامكانات بشرية هائلة في شتى مجالات الحياة كفيلة بالنهوض بهذا البلد، بتقديم ما تملكه من إبداعات وبراءات اختراع لفائدة الوطن، فكيف لبلد يملك كل هذه المقوّمات وهذه الأسلحة ولايزال شعبه يعاني على كل الأصعدة، متوقفا في نقطة معينة لا يتقدم ولا يتأخر إن لم نقل يسير ولكن من الأحسن إلى الأسوأ، كيف لبلد كهذا أن يستحق ما هو عليه الآن؟

 

ذلك أن هذا البلد القارة استولى على رأسه نظام لا يمكن أن أصفه في كلمة واحدة، نظام زايد أفراده بوطنيّتهم على الجميع فاستفردوا بحكمه ولكنّهم استباحوه واعتبروه ملكية خاصة ونهبوه جهارا، نظام خصّ نفسه بثروات الجزائر دون الشعب وفكرّوا في مصالحهم قبل مصلحة الوطن والشعب، فحدثت تلك الهوّة الواسعة بينهما وانعدمت الثقة، وأصبح حصول المواطن على حقه إنّما هو مزيّة من هذا النظام الفاشل عليه، ومنعوه من المشاركة في بناء مستقل وطنه، ومارسوا عليه كل أساليب التيئيس، وغُرِّب في وطنه فتنامت لديه فكرة الهجرة إلى الخارج ،وركب شبابه قوارب الموت، شباب تائه وغائب لا يعرف ما يدور حوله، ماعدا القلة القليلة التي مازالت تقاوم في صمت.

 

إنّنا بحاجة إلى أن نتحلى بالوعي ونضع الخلاف بعيدا ونفكر في مصلحة الجزائر قبل كل شيء ونسلّم وطننا لأيادي أمينة ونظيفة وقوية تحافظ على وطننا وتخدم شعبنا وتُبقي على هيبته ومكانت

أزمات في كل مكان و سخط في جميع القطاعات، شعب متعب نفسيا من كثرة الهموم فقالها صراحة أن دعوني وشأني، وترك الجزائر لعبة بين أيديهم، أفراد محاطون بنوع من البشر لا يعرف من أي طينة مصنوعين أولئك المطبلّين بلا حدود للنّظام "لحّاسين الطبسي" كما نقولها نحن الجزائريين فكانوا هم أيضا السبب فيما آلت اليه أوضاع البلاد، فأدخلوها في نفق مظلم، وجعلوها مريضة وهي في كامل صحتها، بسوء تسييرهم الغبي والفاشل، فالجزائر ليس قصرا يتم تدبير أموره أنما هي بوابة أفريقيا و أكبر دولة مساحة افريقياً وعربياً، فهل يليق بجزائر الهيبة والرجال أن تحكمها ثلّة لا تعرف قيمتها حتى؟

 

إن العشرين سنة الأخيرة التي عاشتها الجزائر، من المفترض أنّها كانت فترة استقرار وبناء ونهوض وثورة اقتصادية وتنمية اجتماعية، ولكنّنا اليوم نشاهد جزائر تعاني نزيفاً داخلياً وعجزاً واضحاً، جزائر مُستنزفة، ونظام مازال يصارع للبقاء بطريقة رخيصة تبعث على الغثيان، والتبلّد في التفكير والمشاعر، كيف يكون شعور شهدائنا الأحرار لو كان يصلهم ما يحدث في الوطن الذي ضحّوا بأرواحهم لأجله، وأنّه صار مُلكاُ لعصبة جعلت منه مهزلة أمام العالم، ماذا لو كانوا بيننا نحن وسألونا ماذا فعلنا لأجل هذا الوطن وماذا قدمنا له، فكيف السبيل لإنقاذ ما تبقى من وطني الحبيب؟

 

إن الحل بين أيدي الشعب فقط فمن للجزائر غير رجالاتها الذين مازالت قلوبهم تنبض بأن عقدنا العزم أن تحيا الجزائر، من للجزائر إلا عقول شبابها الواعي الذي مازال على درب ونهج شهداء التحرير، لسنا بحاجة إلى ثورة لإيقاف هذا النظام العقيم عند حدّه والتمادي أكثر، وانّما بقوة إرادتنا وحبنا لوطننا، وإيماننا بضرورة التغيير كفيلة بقلب الطاولة على هذا النظام وإفشال مخططاته، وإفهامه أنه قد استنفذ كل فُرصِه ولا مجال للمزيد من الاستغفال، وإلاّ فنحن سنكون مشتركين فيما ستؤول إليه الجزائر ولن يكون لنا الحق وقتها للوم أو محاسبة هذا النظام.

 

إنّنا بحاجة إلى أن نتحلى بالوعي ونضع الخلاف بعيدا ونفكر في مصلحة الجزائر قبل كل شيء ونسلّم وطننا لأيادي أمينة ونظيفة وقوية تحافظ على وطننا وتخدم شعبنا وتُبقي على هيبته ومكانته، نريد جزائر الأحلام التي لطالما تمنيناها وانتظرناها، جزائر السيادة المطلقة وعدم التبعية، جزائر القوة والازدهار والتطور والتقدم، فمن للجزائر غير شعبها ليأخذ بيدها إلى برّ الأمان؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.