متى ينتهي عصر البيروقراطية في العراق؟

BLOGS الحكومة العراقية

كلما أمعنا النظر صوب الحقيقة أصابنا الذهول مررنا بخيبة تلو أخرى ولا نعرف ما الصواب الذي يجب فعلهُ والقيام بهِ صورة العراق ما بعد خروجهُ من أزمة الاحتلال لثلث الوطن هي حكومة بأربعة وزارات شاغرة!

أربع أشهر مرت على تشكيل الحكومة برئاسة عادل عبد المهدي استمرت خلالها الخروقات الدستورية بدءاً من بقاء أربع وزارات شاغرة بالرغم من انتهاء الفصل التشريعي الأول، مما يتعارض مع احكام الدستور بحسب ما جاء في المادة 76، الفقرة الثانية، يتوجب على رئيس الحكومة المكلف تشكيل مجلس الوزراء، خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ تكليفه. وثانياً، يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف، تسمية أعضاء وزارته، خلال مدةٍ أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف. وفي حال اخفاقه بتشكيل الوزارة، يكلف رئيس الجمهورية شخصاً أخرى.

بالعودة إلى نزاعات الوزارات الأربعة التي بقيت مُعلقة نلاحظ بوضوح ملامح المحاصصة وظهور الفئوية والحزبية من خلال فوضى ونزاعات داخل قبة البرلمان في طرح الأسماء المرشحة لهذهِ الوزارة وتلك بالإضافة لذلك ما زالت رئاسات اللجان في مجلس النواب قيد التشكيل مع التغيب المستمر لأعضاء البرلمان عن حضور جلسات التصويت المهمة، وكأن الشعب انتخبهم لقضاء أربع سنوات من الترحال والسفر والرفاهية المفرطة..!

أربعين مشروع قانون جاهزة للتصويت عليها ويجب تمريرها خلال الفصل التشريعي الثاني، ليتم حسم أمر كابينة الوزارات المتبقية ورئاسات اللجان

هذهِ المؤشرات تؤكد أن العراق يدخل من جديد ولأربع سنوات قادمة في شباك المحاصصة يبقى فيها المواطن تحت رحمة الحكومة يتسول أبسط حقوقه التي يطلق عليها مَطالب وهي أولاً وأخيراً حق يجب توفيرهُ ليس مَطلب. ما زلنا في كل مرة نكرر إنها أبسط الحقوق: الماء الصالح للشرب، التيار الكهربائي، خدمات صحية جيدة بدلاً من السفر إلى خارج العراق للعلاج وطلب أبسط حقوق الحياة الكريمة التي يتوجب على الحكومة توفيرها للمواطن وإلا لما تم انتخابها، لا نريد الُمطالبة برفاهية الدول المتقدمة لنبدأ من الأكثر يسراً عسى ولا عل تثمر الجهود إن استمرت في التقدم بطريق خالي من الفساد المالي والإداري المستشري.

إعلان

لكن ذلك يبدو بعيداً جداً خصوصاً بعد الاطلاع على التخصيصات المالية لقطاعات الخدمات حيث تم إقرار الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2019 بقيمة تقارب 112 مليار دولار، وبلغ ارتفاع الميزانية للعام الحالي بنسبة 45 بالمائة عن العام الماضي، وتعد بين أكبر الميزانيات المالية في تاريخ العراق، وبالرغم من ذلك كانت حصة الوزارات الخدمية والتنموية ضئيلة حيث حصلت وزارتي التربية والتعليم العالي ما يقارب نسبة 3.72 بالمائة من إجمالي الإنفاق العام.

كما نلاحظ أيضا أن حصة وزارة الصحة والبيئة من إجمالي الإنفاق العام قد شكلت نسبة متواضعة وهي 1.98 بالمائة، وبالمقارنة مع الوزارات التي حصلت على الحصة الاكبر من الموازنة المالية لعام 2019 كانت من نصيب أربع وزارات هي: النفط، الداخلية، الدفاع، الكهرباء ليكون مجموع المبلغ الكلي للأربع وزارات حسب ما صرح بهِ أعضاء اللجنة المالية في مجلس النواب يعادل 41.29 مليار دولار، مما يشكل نسبة 36.6 بالمائة من الموازنة الكلية، فيما تتشارك بقية مؤسسات الدولة بـ63 بالمائة من الموازنة وتعتبر وزارة الكهرباء هي الوزارة الخدمية الوحيدة التي نالت نسبة موازنة عالية.

في ظل انعدام الخدمات واعتماد الاقتصاد العراقي على صادرات النفط بالدرجة الأولى، مما يستدعي التحرك الجاد صوب الاستثمار وتعزيز الاقتصاد من خلال المشاريع التنموية وتفعيل قطاعات السياحة، الزراعة، الصناعة، كونها تعد مصدر دخل مالي للبلاد بالإضافة لفرص العمل التي توفرها. أما من وجهة نظر الساسة فتأتي تصريحات نواب البرلمان مشبعة بتفاؤل لا وجود لهُ. أربعين مشروع قانون جاهزة للتصويت عليها ويجب تمريرها خلال الفصل التشريعي الثاني، ليتم حسم أمر كابينة الوزارات المتبقية ورئاسات اللجان. حيث يعتزم مجلس النواب مع بداية الفصل المقبل إلى تشريع قانون ينظم عمل تواجد القوات الأجنبية داخل البلاد لحفظ السيادة وعدم استخدام الأراضي العراقية للاعتداء على دول الجوار!

تبدو واضحة أولوية واهتمام أعضاء البرلمان إنها سوف تصب لمصلحة سيادة العراق وحقوق مواطنيه من التركيز على القوانين التي تأخذ حيزاً أكبر من المطلوب، أين كانت سيادة العراق وتَدخل بلاد أخرى في شأنه على مدار سنوات مضت وخروقات أمنية وسياسية ترتكب تمس المواطن وحياته حتى بات المجتمع العراقي يحمل ملامح لا تَشبههُ ولا تُلائم التنوع والانسجام الذي كان يعيش فيه آنذاك! هل ذلك لا يعتبر من ضمن السيادة؟ هل مكافحة الفساد أهم أم بقاء قوات اجنبية داخل قواعد عسكرية هو الأهم؟ هل عودة النازحين لمناطقهم وتأهيلهم وانخراطهم ضمن المجتمع أهم أم تكديسهم داخل السجون بتهمة الإرهاب هو الأهم؟ هل تصحيح مسار التعليم بمخرجات تناسب سوق العمل أهم، أم الاستمرار في وعود التعيين الحكومي المؤجلة؟!

تساؤلات لا تنتهي ولن تنتهي في ضوء مشكلات متزايدة لا تدخل ضمن أولويات البرلمان، جملة الحلول وأهمها هو تحقيق الشفافية والفصل بين السلطات وارتقاء الحكومات نحو إرساء مبادئ الحوكمة الرشيدة ضمن خطط التنمية المستدامة هذهِ الحلول بحاجة لجهد جَهيد متواصل مستمر يكمل بعضهُ الآخر بعيد عن المصالح الشخصية، والانتماءات والبيروقراطية التي تقدم وفق قوالب جاهزة منذ سنوات داخل مؤسسات الدولة العراقية التي أصبحت جزء من التراث تفتقر إلى الحيوية لا تواكب التطور والتجدد الحاصل في العالم.

إعلان

غياب الانسجام والتوافق بين أعضاء البرلمان بالإضافة لذلك عدم وجود تعاون واضح بين السلطتين التشريعية والتنفيذية خلال السنوات التي مضت بقيت الجهات المسؤولة تستولي على قمة هرم السلطة بعيدة عن معرفة حال الشارع العراقي، والعمل على تحسين واقع الحال عن طريق معرفة أحوال الناس ومشاكلهم وواقعهم المتردي، الحكومة تعمل بمعزل عن المواطن ومن يقول عكس ذلك ليأتي ببرهان واحد فقط كي نسلط الضوء عليه ونجعله مثال يِحتذى بهِ، إن أقلامنا يجب أن تصور الواقع هموم الناس قضاياهم مشكلاتهم المركونة على الرفوف منذ عقود.. لا شيء غير الواقع.

إن يخدم القلمَ السيفُ الذي خضعتْ
له الرقابُ ودانت خوفه الأممُ
فالموتُ والموتُ لا شيءٌ يغالبُهُ
مازال يتبع ما يجري به القلمُ
كذا قضى الله للأقلامِ مذ بُريتْح
أن السيوفَ لها مذ أُرهفتْ خدم

– ابن الرومي

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان