طالما كانت عبارة ألبرت أينشتاين، التي يقول فيها: "إذا أردت أن تعيش حياة سعيدة، اربطها بهدف وليس بأشخاص أو أشياء"، تستوقفني وتجذبني، بل كنت دائما أتأمل أحرفها كأنها الشيء الذي كنت أبحث عنه، إنها ماستي الضائعة. مما لا شك لي فيه، أننا جميعا مررنا بمرحلة تسائلنا فيها عن هدفنا من هذه الحياة، عن مفتاح السعادة الخاص بنا، واستذكرنا جل لحظاتنا الفاشلة ولمنا القدر مرات ومرات، وسقطنا في بحر من اليأس والكسل، بل بحر من الاستسلام الذي وقف عائقا أمام النهوض والمحاولة من جديد.
لكن، ماذا كان سيحدث لو أننا استنشقنا نسمة أمل جديدة، وتشبثنا بحبل التفاؤل المنبثق من أعماقنا، من كل تلك التجارب الفاشلة التي خضناها، من كل دمعة وخيبة أمل تعايشناها مع ذواتنا دونما أنيس نشاركه خسائرنا؟ ماذا كان سيحدث لو تحدينا ذلك الصوت المزعج الذي يحاول دائما أن يهوي بنا إلى القاع ويغرقنا في محيط البحر الغامق، في ظلمة الليل السوداء؟ ماذا سيحصل لو جعلنا من الحياة فرص تجارب لا تنتهي؛ نجرب ونفشل، نجرب مرة أخرى ونفشل، نجرب ونجرب إلى أن نحصل على تلك الشعلة التي ستكون المقود المشعل لنيران نجاحاتنا المتوالية؟ ماذا سيحدث لو أننا بحثنا عن ماستنا المفقودة؟ تلك الماسة التي سنكون بموجبها قد خطونا أولى الخطوات نحو الفلاح، بمجرد الإمساك بها بين أيدينا، وتحسسها.
نجد في نفس مجتمعاتنا العربية، من يقدر معنى الحلم، من يساند غيره لتحقيقه، من يقدم يد العون له، هؤلاء الأشخاص نوعان؛ إما أشخاص حققوا أحلامهم ويريدون منك أن تحققها أيضا. وإما أنهم يحبونك ويثقون بك، ويرون فيك أملهم الضائع |
كثيرا ما يحزن خاطري رؤيتي لتلك الملامح الدالة على خيبات الأمل المتوالية على وجه شخص جمعتني به ابتسامة، أو حديث عابر. يحزنني رؤية تلك المشاعر السلبية التي تسيطر على معظم شباب عصرنا، مستسلمون تماما لتحايلات الحياة معهم، غير قادرين على المضي قدما، والمحاولة من جديد. فتجد جل أحاديثهم تنصب في اتجاه واحد، تملأها شحنة من الاستسلام وفقدان الأمل.
بل إنني أشعر بالغرابة حول نفسي، حول الكمية الهائلة من التفائل الذي أحمله في جعبتي. فبالرغم من صفعات الحياة المستمرة، إلا أنني ما أزال واقفة صامدة كصمود صور الصين العظيم، أحاول رغم كل الأمور السيئة التي تأبى الرحيل عني. إنني أصارعها، أصارع أناي التي تحاول سلب سعادتي مني، وما يجعلني أصمد هو عثوري على ماستي، ماسة سعادتي وفرحي. الإيمان، نعم الإيمان هو ما يحتاجه المرء للمضي قدما في اتجاه تحقيق أحلامه؛ الإيمان هو ما على الإنسان أن يبحث عنه في أعماقه، إنه الماسة التي ستمكنه من تحقيق الظفر والفلاح. لكن بماذا يجب على المرء أن يؤمن؟
الهدف، نعم الهدف الذي يخلقه الإنسان لنفسه هو ما على المرء الإيمان به. ذلك الهدف الذي ربطنا حياتنا به، ذلك الهدف الذي نطمح الوصول إليه، والذي يكون سبب صمودنا ووقوفنا من جديد بعد كل انكسار يصيبنا. فهو الوحيد الذي لن يخذلنا، والذي يجعلنا نقاوم الحياة ومصاعبها، لأننا حتما مؤمنين أن ما نصبوا إليه سيغر من واقعنا، ومن أنفسنا. فإن أردت النجاح، اعثر لنفسك على هدف أولا، كن مؤمنا به ثانيا، ثم ارسم خطة للوصول إليه ثالثا.
أعتقد أن معظمنا قرأ يوما ما سيرة ذاتية، أو شاهد فيلما حول شخصية ما من الشخصيات المرموقة التي نتغنى بأسمائها اليوم، والتي نتحدث عن قصص نجاحها التي انبثقت من شحنة من الانتقادات، من خيبات الأمل المتعددة، وأيضا من كتلة فشل هائلة، الجميع يعرف اليوم ألبرت أينشتاين، أوبرا، بنجمان كارسون، سوشيرو هوندا، وغيرهم. هؤلاء الذين تحدوا الفشل، وجعلوا من الانتقادات الجارحة التي وجهت إليهم، وكل تلك الأمور السلبية التي تعايشوها، محفزا لهم للمضي قدما وعدم الاستسلام. فلماذا تستسلم أنت إن كانت لك قدرة الوقوف والمحاولة من جديد؟ لماذا تدفن حلمك تحت تراب الفشل وتدفن نفسك معه؟
إن في معظم مجتمعاتنا العربية، لا يقدر أحدا ممن حولنا حلم الآخر، رغم أن ذلك الآخر يملك هدفا أيضا، وهناك آخر ثالث يسعى إلى تحطيم معنويات الآخر الثاني، وهكذا كل يسعى إلى تدمير الآخر؟ والسخرية منه، بدل المساندة والدعم. لكن الحقيقة تكمن في كون الشخص الذي يسخر من حلمك إنما يسخر من نفسه، من فشله، من انعدام ثقته بنفسه، ومن استسلامه. فلما تستسلم له؟ من هو لتجرحك كلماته؟
في المقابل، نجد في نفس مجتمعاتنا العربية، من يقدر معنى الحلم، من يساند غيره لتحقيقه، من يقدم يد العون له، هؤلاء الأشخاص نوعان؛ إما أشخاص حققوا أحلامهم ويريدون منك أن تحققها أيضا. وإما أنهم يحبونك ويثقون بك، ويرون فيك أملهم الضائع، وغالبا ما يكون هؤلاء الأشخاص أهلك، أمك وأبوك، إخوانك، والبعض من أصدقائك المقربين. فتراهم يدعمونك بكل السبل الممكنة والمتاحة لهم، لأنهم يثقون بك، وبقدراتك. فثق أنت أيضا بنفسك، وتمسك بحلمك، لكيلا تخذلهم وتخذل نفسك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.