شعار قسم مدونات

لماذا لا نتذوق النصوص الأدبية المترجمة؟

blogs كتاب و نظارة

"لكل كاتب عالمه الخاص به، فنحن عندما نقرر القراءة لكاتب معين، فنحن نريد أن نكتشف ذاك العالم الخاص به"

-ميلان كونديرا

  

لكثرة ما صادفت من الترجمات الرديئة للأعمال الأجنبية، كدت أتخذ على نفسي عهدا ألا أقرأ أي عمل مهما كان إلا بلغته الأصلية، في حينها حضرني فقط لغتان هما: الفرنسية والإنجليزية طبعا، لكني سرعان ما بدأت أفكر في أمر آخر، وهو ماذا عن باقي اللغات الأخرى، هل يعني هذا أني إذا ما أردت قراءة الأعمال الصينية مثلا، أو اليابانية، أو الفيلندية… أو أو.. يجب علي إتقان كل هذه اللغات، حينها أدركت أن عملية الترجمة لا بد منها، لكن هل يعني ذلك قبولها مهما كان مستواها رديئا، ثم لم لا نجد ترجمات ترقى إلى المستوى المطلوب؟

 

عندما كنت أعتقد أني لن اقرأ أي عمل إلا بلغته الأصلية، ولم يكن يخطر ببالي وقتها إلا لغتان لم أكن أجانب الصواب في اعتقادي ذاك، لأنهما في الأساس هما أكثر لغتين يتم النقل منهما إلى العربية، وذلك واضح، لعوامل كثيرة، أهما مسألة الاستعمار، فلغة المستعمر دوما يبقى لها ارتباط وثيق بالبلد المستعمَر وإن خرجت منه، كما أنها تحاول أن تظل على صلة به وتفرض عليه ثقافتها، وهذا دافع أساسي حتى تدعم عملية الترجمة، كما أن معظم المثقفين والمتعلمين يكون لهم ارتباط بالبلد المستعمر، وهذا عامل مهم أيضا لتتكثر الترجمات من لغة المستعمر دون غيرها، ثم إضافة إلى ذلك فهاتان اللغتان لهما إرث حضاري وثقافي ربما أكثر من غيرهما، كما أن البلدان الناطقة بهما معظمها يعرف ازدهار معرفيا وعلميا وثقافيا إلخ… لكن هذا لا يعني أن غيرهما من اللغات ليس لها إرث حضاري، خاصة عندما نتحدث على الجانب الأدبي.

 

يجب على المترجم ألا يتصرف بزيادة أو نقصان، إلا إذا كان ذلك لا يؤدي إلى الإخلال بمعنى النص، وكذلك لا يغير من أسلوب الكاتب، وهذا أمر مهم وضروري في عملية الترجمة وليس أمرا ثانويا، لأن لكل كاتب أسلوبه ولغته

لكن للأسف موضة التهافت على القراءة السريعة، وخاصة في مجال الرواية شجعت بعض الدور الربحية على خوض غمار الترجمة من باب التجارة، فأحيانا تسرق الترجمة عن دور أخرى مع تغيير بسيط فيها وتضع لها اسما وهميا، وتارة تأتي بمترجمين غير مؤهلين بتاتا، بل مجرد كونهم يفهمون إحدى اللغات الأجنبية يعتقدون أن ذلك كافيا ليؤهلهم لخوض غمار الترجمة، فكان نتيجة ذلك أن ظهرت مجموعة من الترجمات المستهلكة، والتي تفقد النصوص المترجمة جماليتها، بل بالكاد تنقل معناها العام، هذا إذا استطاعت أن تحافظ عليه، إن لم يضع بدوره كذلك، وهذا ربما ساهم في إيصال ثقافة مشوهة إن صح التعبير، لأن القارئ لن يستطيع أن يدرك ويفهم جيدا الثقافة المنقولة إليه إذا كانت وسيلة النقل غير سليمة، والتي هي اللغة في هاذه الحال.

 

وللأسف كثير من الدور تتولى ترجمة بعض الأعمال لكتاب غاليين كبارا، لكن لسوء عملها تقدم أعمالهم في صورة لا تليق بمكانتهم الأدبية، لذلك مثلا قد تجد قراء كثرا لكتاب كبار عالميين، بل وتجد أحدهم ربما قد قرأ كل كتبهم لكنه لا يستطيع أن يحرر نصا أدبيا سليما، أو يكتسب جراء ذلك ذائقة أدبية مميزة، بل ربما كل ما يستطيع الخروج به هو إهدار وقته، عملية الترجمة فن دقيق، ويحتاج إلى تكوين متين، وليس مجرد إتقان للغة كما سبق.

 

مسألة التضلع في ثقافة اللغة المترجم منها وإليها ضرورية، وكذلك العلم بأدق أساليب اللغتين، فهناك أساليب دقيقة يجب الإلمام بها، إضافة إلى ذلك يجب أن يكون المترجم ملما بظروف كتابة النص، ومطلعا على تفاصيل حياة الكاتب أثناء كتابته، ليساعده ذلك على فهم مقاصد النص، حتى يستطيع أن يوظف في اللغة المنقول إليها الأدوات الجديرة بتأدية ذاك المعنى، وليس الاقتصار على الترجمة الحرفية، فأحيانا يكون الكاتب يكتفى بالإشارة ويوظف في ذلك أساليب معينة، ليجعل القارئ يستمتع بمتعة الاكتشاف، لكن إذا غفل عن ذلك المترجم ضاعت جمالية النص.

 

ثم هناك من يترك النص جانبا، ويبدأ في التفنن في توظيف الأساليب الجذابة، والعبارات الطنانة، معتقدا بذلك أنه يزيد النص جمالية، لكنه يتغافل عن أمر مهم، وهو نقل النص بأمانة من غير التصرف فيه، فأحيانا يكون الكاتب يتعمد أن يكون بسيطا في لغته، وله مقصد وهدف من وراء ذلك، كما أن اختيار ألفاظ معينة دون غيرها يكون له مقصد معين، لذلك يتوجب على المترجم ان يختار الكلمات بدقة، وهذا لن يتأتى له إذا لم يكن له إلمام دقيق باللغتين معا.

 

كذلك يجب على المترجم ألا يتصرف بزيادة أو نقصان، إلا إذا كان ذلك لا يؤدي إلى الإخلال بمعنى النص، وكذلك لا يغير من أسلوب الكاتب، وهذا أمر مهم وضروري في عملية الترجمة وليس أمرا ثانويا، لأن لكل كاتب أسلوبه ولغته، فلا يمكنك أن تنقل لنا النص بأسلوب معين تعتقد أنه الأفضل، بل يجب أن تنقل النص وتحاول أن تجعل القارئ يقرؤه دون أن يشعر بفرق كبير بين لغة الأم واللغة المنقول إليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.