شعار قسم مدونات

لماذا أتزوج بينما يمكنني أن أنتقل من فتاة إلى أخرى؟!

blogs - wedding

وأنا أهمُّ بكتابة هذا المقال، تذكّرت صديقا لي، حيث التقينا بعد طُول زمن، فبادرتُه بعد دقائق معدودات من الحديث بسؤالٍ كعادة الشباب: متى ستتزوج؟، وحقيقة، لقد أصابتني إجابته بالصَّدمة فعلا، فرغم كوني أعرفه، يبدو أنّه تغيّر مع الوقت، ولا أشكّ أبدًا أن هناك الكثيرين مثله، ينخدِعون ببهرج الدنيا وزينتها، ويستدرجهم الشيطان بأهوائهم، حتى يظلوا وينحرفُوا.. (نسأل الله لنا ولهم الهداية).

 

لقد أجابني قائلا: ولِمَاذا أتزوّج، بينما يُمكنني أن أنتقل من فتاةٍ إلى فتاة، دون أن أُلزِم نفسي بواحدةٍ تحاسبني على كلِّ صغيرة وكبيرة، ويمكنني أن أختار فتاةً ثرية (كالتي معي الآن)، تنفق عليّ بينما أوهِمها بالزواج، وأنَّ هذه أفضل طريقة لتجنُّب الكبت، واستدّل في كلامه بالعالم الغربي على أنه أكثر حرية، وبالتالي هو أكثر سعادة !، وطالت تبريراته بين هاته وتلك، وأنا متأكد من أن هذا هو حال الكثيرين جدَّا بالفعل، وهذا يدفعنا لطرح السؤال: لماذا حصَرَ الإسلام العلاقات بين الجنسين في إطار الزَّواج، وحرّم ما دُون ذلك؟

 

الزواج يمكِّن الإنسان عِوض أن يجعَل هدفه هو إشباع غرائزه فقط، أن ينظِّمها ويجعلها تخدم وظيفتهُ الاجتماعية. وهوعبارة عن وسيلة ضبط حتى لا ينحرِف الإنسان عن مقصدِ خلقه

بداية أودُّ أن أبدأ من خلال الآية الكريمة التالية: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) تخبرنا الآية في آخرها بأن نتفكّر، حسنا، فلنتفكَّر: تشيرُ الآية إلى أنَّ الزواج من آيات الله عز وجل، وليس مجرّد عبث، أو اتصال جسدي، وقد خلق الله حواء من آدم (خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا)، معناه أنّ من حكمة هذا الخلق هو التكامل بين الجنسين، فالمرأة قطعة من الرجل، وهي كالجزء بالنسبة للكل، ولا تكتملُ إلا بالرّجل، والرّجل كالكل بالنّسبة للجزء، ويشعر بالنقص دون ذلك الجزء، فلا يكتمل إلاّ بالمرأة، وما يدل على هذا القول (لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، فتكون بذلك رفيقة وشريك، ومعين على أعباء الحياة. وقد خصّنا الله عز وجل بهذه المزيّة لبناء المجتمع وبناء الحضَارة، يقول مالك بن نبي في كتابه ميلاد مجتمع: "إنّ شبكة العلاقات هي العمل التاريخي الأول الذي يقوم به المجتمع ساعة ميلاده".

 

ومن قوله هذا يمكنني أن أقُول أنَّ أول شبكة علاقة يقوم عليها المجتمع، هي علاقة الرجل والمرأة بالزواج، فكان هذا الميثاق الغليظ أولى نواة لميلاد مُجتمع حقيقي فعّال. فلو اختلّت أولّ لبِنة في البناء، مثل الإباحية وانتشار الممارسات في إطار خارج الزواج، فإن البناء معرّض للانهيار في أقرب فرصة، وهذا ما نراه في المُجتمعات الغربية، حيث يبدو أنّها تلفظ أنفاسها الأخيرة. ومثلما كان ميثاق الزواج، أوّل خطوة لميلاد مجتمع ما، ففي المقابل، فإن الإباحية هي أول لخطوة لانهيار مجتمع ما.

 

ويضيف بن نبي قائلا: "ويبلغ المجتمع الحدّ النهائي في تطوره عندما يفقدُ بالتدريج خاصية الانسجام، فيتفرّق أفراده ذرات، ويصبح في نهاية تحلُّله عاجزا تماما عن أداء نشاطه المشترك، أي أنه يتوقف عن أن يكون (مجتمعا) بالمعنى الدقيق." إذاً، فالمجتمع يفقدُ خاصية الانسجام، حينما يلجُ تحت سلطان الغرائز المتحللة. فالزواج يعتبر علاقة اجتماعِية جوهرية، وهو من الناحية التاريخية يُعتبر أول عقدة في شبكة العلاقات التي تتيحُ لمجتمع معيّن أن يؤدّي نشاطه المشترك. فالاتصال في نطاقِ الحرية الجنسية، يعتبرُ عقدا يتفق مع حاجة النَّوع الغريزية، بينما الزَّواج يتّفق مع حاجة المجتمع، ولهذا جاء القرآن والإسلام واضحا كلِّ الوضوح في هذا الأمر.

 

فالزواج يمكِّن الإنسان عِوض أن يجعَل هدفه هو إشباع غرائزه فقط، أن ينظِّمها ويجعلها تخدم وظيفتهُ الاجتماعية. وهو عبارة عن وسيلة ضبط حتى لا ينحرِف الإنسان عن مقصدِ خلقه، ويتيهُ عن وظيفته في شهواته المسعُورة (إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا)

 

اختلاف الرجل عن المرأة فيزيولوجيا

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) بما أن الآية تأمر النساء أن يدنين عليهن من جلابيبهن دون الرجال، فلا شك أن المقصود بشكلٍ أساسي هنا هو إخفاء المفاتن، فالمرأة حباها الله بالجمال والمفاتن كي تجذب الرجل، ويكون ذلك سببا في طلبها (قانون العرض والطّلب)، وقد فطره على ذلك، وبذلك يسعى لتكوين أسرة، والإنجاب، وذلك حفاظاً على النّسل، وهو من مقتضي قيام المجتمع والحضارة.

 

وعندما نقول مفاتن، يبدو أنها ليس الجسدية فقط وهذا واضح من خلال الآية في صوتها: (فلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)، أي أنَّ صوت المرأة ربما يكون جذَّابا ومثيرا إذا صاحبه تغنّج وفحيح، وهذا ما ينهاها عنه القرآن، أي عندما تخضع بالقول، يمكن أن تتغيّر نبرة صوتها إلى قبول، وخاصّة ما أثبته علم النفس، وهو أنَّ المرأة تحب بأذنها، فهي كائن سمعي أكثر منها بصري، وهذا يلاحظه الرجل جيّدا، وهنا تبدأ نفسه الأمارة بالسوء تحثّه على اتخاذ الخطوات اللازمة (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ).

 

الرجل لم يخلق للعبث والجري وراء الأهواء طول حياته، وإنما جعل له قلبا واحدا يوظّفه بشكل صحيح، في تحقيق غاية خلقه، وهذا طبعا بمساعدة شريكة حياةٍ واحدة

لهذا جاء الجلباب كعلامة للاحترام المتبادل بين المرأة والرجل في إطار حضاري تربوي، بعيدا عن منزلقات البهائم. أما بالنِّسبة للرجل، فهو عكس ما قلناه آنفاَ، فهو كائن بصري يعشقُ بعينيه، ورغم أنّ الإسلام أحل له الزواج بأربعة نساء (بشروط)، كحدٍّ أقصى، إلا أنّ القرآن كان صريحا (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)

 

ويبدو لي من خلال الآية أنّ الرجل لا يمكنه أن يتعلّق بعدّة نساء ويحبّهنّ دفعة واحدة، وهذا ما تؤكده الآية التالية (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)، أي أنَّه مهما بذل الرجل من جهد في تعديد العلاقات فإنه سيفشل حتماً، ولهذا جاء القرآن ناصحاً (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)، وهذا هو مغزى خلقه بالنِّسبة لي، فالرجل لم يخلق للعبث والجري وراء الأهواء طول حياته، وإنما جعل له قلبا واحدا يوظّفه بشكل صحيح، في تحقيق غاية خلقه، وهذا طبعا بمساعدة شريكة حياةٍ واحدة، يكون لباسا لها وتكون لباسا له.

 

معنى الأنوثة.. بين الجيل القديم والجديد

لقد انسَلَخت المرأة من إنسَانيتها وارتدَّت إلى حيوانية بدائية، ورَفَضَت الحرية الحقيقية، وهي بناء الأجيالِ واختارت العبودية للغرائز، وذلك كلّه في ظلّ الإعلام، والمكائد التي تحاك ضدّها من طرف الصُّهيونية والماسونية وغيرها من المنظّمات العالمية، والتي يبدو أنها نجحت في عملها بشكلٍ كبير. واختارت بقرارها أن تكون متعة وفتنة، لا إنسانة جادَّة وشريكة عمر لها حقوقٌ وواجبات أقرها لها الإسلام بما يناسبُها، وهذا هو الفرق بين جيل أجدادنا وهذا الجيل، فأجدادُنا فهِموا جيِّدا معنى الحياة ومقتضاها فعرفوا كيف يعيشوها، بينما نحن فضّلنا باسم المدنية والحضارة أن ننزل إلى أسفل سافلين.

 

وهنا يأتي الجزء الثاني من الآية التي عرضناها في بداية المقال (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) لقد تميّع معنى الزَّواج وانحرف مقصده وغايته، فأصبحت الأنثى في هذا العصر تظنُّ أنّ مكانها في الشارع طوال اليوم، فتعرض مفاتنها صباح مساء، لتُصبح مرغوبة، وتتصوَّر أن هذا هو تصوُّر الرجل الحقيقي للأنوثة، ولكن للأسف هذا فهم منحطٌّ وساذج لكِلا الطرفين.

 

فالرجل السَّوي يفهم الأنوثة على أنَّها أمُومة.. ويرغبُ في المرأة التي تستطيع أن تجسِّد الرحمة والحنان، والمودة والفهم في بيتها، والرجل السّوي أيضا يعلم أنَّ الأنوثة ليست مقاسات تتغيّر مع العمُر، وإنما هي الحنان ومجموعة القيم التي تعرضُها في بيتها. فقد كثُرت الخلافات الزوجية، ونسب الطّلاق ارتفعت بشكلٍ رهيب، وهذا كلّه بسبِ الانفتاح في العلاقات بين الجنسين، فالحبّ لم يُذكر في القرآن ملازماً للزواج، لأنَّ قصَّة الحب التي خالطتها الشهوة ما تلبثُ أن تنتهي إلى الإشباع في دقائق، ثم بعد ذلك الملل والرغبة عند الإثنين في التغيير.

 

وهكذا يتحول هذا النوع من علاقات الحبّ إلى تعاسة وآلام ودموع وتجريح. ومن دلائل عظمة القرآن وإعجازه في حكمة الزواج، أنه حينما ذكر الزَّواج، لم يذكر الحبّ وإنما ذكر المودة والرحمة. والرحمة تحتوي على الحبّ بالضرورة، ولكن الحبّ لا يشتمل على الرحمة، والرحمة أعمق من الحبّ وأصفى وأطهر. ونحن لا نقصد هنا إلغاء الحب، ولكن للتأكيد بأنّ الحب والشهوة بدون إطار من الرّحمة والمودة والشَّرعية هو عبث لابد أن ينتهي إلى الإحباط والاكتئاب، وربما إلى الانتحار!، ونادرا ما تنجح العلاقات في هذا الإطار.

 

فحتى الحيوانات تمارس الحب والشَّهوة وتتبادل الغزل، وإنَّما الإنسان وحده هو الذي امتاز بهذا الإطار من المودة والرَّحمة والرأفة. والرحمة ليست ضعفا وإنما هي غاية القوة، لأنها استعلاء على الحيوانية والبهيمية والظلمة الشّهوانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.