شعار قسم مدونات

انتخابات البلديات التركية.. هل نشهد خسارة حزب أردوغان؟

blogs تركيا

كالعادة يحبس الجميع أنفاسهم في الساحة السياسية بالتزامن مع اقتراب موعد انتخابات البلديات المقبلة المقرر إجراؤها في 31 مارس الجاري في تركيا، حيث المعركة السياسية الضروس في الولايات الثلاث ذات الثقل والدلالة السياسية والتي تعبر بمثابة البوصلة التي تشير في بعض الأحيان إلى ارتفاع شعبية حزب وقربه من الشارع والمواطنين على حساب آخر، وهنا سوف نسلط الضوء معًا على فرص حزب العدالة والتنمية في الفوز بمحافظة إسطنبول التي يجب عليه الظفر بها.

  

وفقًا للمقولة السائدة في السياسة التركية القائلة بأن "من يفوز بإسطنبول يفوز في عموم تركيا، ومن يحكم إسطنبول يحكم تركيا"، إلى جانب العاصمة أنقرة التي تمثل رمزًا سياسيًا ثقيلًا بمؤسساتها الحكومية والعسكرية، بالإضافة إلى القلعة الأتاتوركية إزمير التي لم يستطع الحزب الحاكم فتحها سياسيًا حتى الآن منذ صعوده لسدة الحكم في البلاد.

 

نجح حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في التحالف تحت اسم تحالف الأمة مع أحزاب "الجيد" و"السعادة" ودعم غير رسمي من قبل حزب "الشعوب الديمقراطي الكردي"
أهمية انتخابات البلديات المقبلة

ترى المعارضة في هذه الانتخابات فرصة تاريخية للإطاحة بحزب العدالة والتنمية الحاكم من البلديات الكبرى في البلاد لتكون بمثابة الخطوة الأولى على طريق التغيير وصولًا للبرلمان والرئاسة في مرحلة لاحقة، ويريد الحزب الحاكم الحفاظ على سيطرته ومكانته في البلديات الكبرى؛ للتمتع بقرابة أربع سنوات ونصف من الاستقرار السياسي الداخلي، وهي فترة يأمل خلالها الحزب أن يتمكن من تجاوز الأزمات التي عانت منها البلاد في الأشهر الأخيرة وترتيب صفوفه؛ لاستعادة شعبيته التي تراجعت وذلك استعدادًا للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة عام 2022.

 

كانت تتركز تخوفات الرئيس التركي حول احتمال خسارة العاصمة أو إسطنبول وهو ما سيعتبر بمثابة أكبر ضربة يتعرض لها الحزب الحاكم منذ وصوله إلى السلطة قبل أكثر من 17 عامًا، ولكن المؤتمر الختامي المركزي الذي عُقد منذ أيام في ساحة ميدان يني كابي قد بدد الكثير من تلك التخوفات، حيث بلغت أعداد الحضور من أنصار تحالف الجمهور كما صرح الرئيس أردوغان قرابة المليون و600 ألف شخص.

 

صراع التحالفات

تمكن حزب العدالة والتنمية الحاكم من التحالف مع حزب الحركة القومية المعارض لخوض الانتخابات بشكل مشترك ضمن "تحالف الجمهور" وهو الخيار الحتمي للحزب الذي لم يعد بمقدوره حسم الانتخابات بمفرده وهو ما أثبتته الانتخابات البرلمانية والرئاسية منتصف العام الماضي بعدما تمكن أردوغان من حسمها بفارق ضئيل رغم تحالفه مع الحركة القومية.

 

بموجب هذا التحالف قرر حزب الحركة القومية عدم تقديم مرشحين له في البلديات الثلاث الكبرى بالبلاد وهي "إسطنبول وأنقرة وإزمير"، ودعم مرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم، وذلك مقابل عدم تقديم العدالة والتنمية مرشحين في بلديات أخرى ودعم مرشحي الحركة القومية، إلى جانب دعم مرشحي الحزب في رئاسة بلديات بعض المناطق داخل إسطنبول وأنقرة وإزمير.

 

على الجانب الآخر نجح حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في التحالف تحت اسم تحالف الأمة مع أحزاب "الجيد" و"السعادة" ودعم غير رسمي من قبل حزب "الشعوب الديمقراطي الكردي"، وهو تحالف متباعد بشكل كبير جدًا من حيث الأيديولوجيات اليسارية والإسلامية والقومية والكردية ويجمعه فقط المعارضة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، لكن يبقى التحالف القومي المحافظ بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية الأوفر حظًا والأكثر تماسكًا مقابل تحالف المعارضة.

 

مخاوف وجهود للقضاء عليها

في خطوة لافتة تظهر خشية أردوغان على أداء حزبه في العاصمة، حيث قام خلال خطاباته الجماهيرية في المحافظات التركية الأخرى بمطالبة أنصار الحزب في شتى أنحاء البلاد، بالاتصال مع أقاربهم وأبنائهم الذين يعيشون في أنقرة؛ من أجل حثهم على انتخاب مرشح الحزب لرئاسة البلدية.

 

كما كثف حزب الحركة القومية، حليف الحزب الحاكم في هذه الانتخابات نشاطه الانتخابي في أنقرة، وقال زعيمه دولت بهتشيلي في كلمة له بأحد المؤتمرات الانتخابية إنهم مجبورون على الحفاظ على مكانة العاصمة أنقرة، التي لم تستسلم سابقًا ولم تنحني من قبل، مؤكدًا أنها لن تستلم هذه المرة أيضًا "لاتفاق الذلة"، وهو المسمى الذي أطلقه بهتشيلي على تحالف المعارضة التركية.

 

دفع أردوغان بمرشحٍ قويّ في إزمير لتعزيز فرص الحزب في القلعة الكمالية التي استعصى فتحها على مدار سنوات وحتى الآن؛ نظرًا لكثرة أنصار حزب الشعب الجمهوري

الأزمة الاقتصادية طلت هي الأخرى برأسها على المشهد السياسي وجعلته مضطربًا، بعد أن ارتفعت أسعار الخضار والفواكه بشكل مبالغ فيه وباتت حديث المواطنين، وتدخل على إثرها الرئيس وحكومته؛ للعمل على خفض الأسعار المرتفعة بشكل مبالغ فيه، ونجحت الخطة التي رسمها الحزب الحاكم ورئيسه في تخفيف حدة الغلاء المفاجئ للسلع الأساسية، بواسطة توجيه بلديات المحافظات الكبرى خاصة إسطنبول وأنقرة في تحديد نقاط لبيع السلع الأساسية للمواطنين عبر نقاط تحددها البلديات التي تقوم بشراء كميات كبيرة من المحاصيل من المزارعين وبيعها إلى المواطنين بشكل مباشر دون الحصول على نسب ربح، وهو ما تسبب في إرغام المحلات والأسواق على خفض الأسعار من أجل التربح وجذب الزبائن مجددًا.

 

مرشحي الولايات الثلاث

يسيطر الحزب الحاكم على رئاسة بلدية إسطنبول منذ أن تولى المنصب أردوغان لأول مرة عام قبيل نحو عقدين من الزمان، ولتفويت الفرصة أمام أي مخاطر حقيقية في خسارة المحافظة الأهم في تركيا والأكبر من حيث عدد السكان والناخبين، اضطر الحزب ورئيسه أردوغان لترشيح رئيس البرلمان السابق وآخر رئيس وزراء في تاريخ الجمهورية التركية بن علي يلدريم لهذا المنصب؛ من أجل تعزيز فرص الفوز في إسطنبول.

 

الأمر نفسه دفع أردوغان لتقديم شخصية لها ثقل سياسي وشعبية لخوض انتخابات رئاسة بلدية أنقرة وهو "محمد أوزحسكي"، الذي عمل لعشرات السنوات رئيسًا لبلديات محافظات كبرى في البلاد، وعضوًا في البرلمان ووزيرًا للإسكان والمدن، ويعتبر من أبرز الشخصيات القيادية في حزب العدالة والتنمية.

 

كما دفع أردوغان بمرشحٍ قويّ في إزمير لتعزيز فرص الحزب في القلعة الكمالية التي استعصى فتحها على مدار سنوات وحتى الآن؛ نظرًا لكثرة أنصار حزب الشعب الجمهوري بها ممن يصوتون لصالح الحزب على الرغم من فشله في تطوير المحافظة وتحقيق الرفاهية الكافية للمواطنين بها وتدهورها خدميًا، حيث يخوض نهاد زيكبجي أحد أبرز وجوه حزب العدالة والتنمية ووزير الاقتصاد السابق انتخابات رئاسة بلدية إزمير.

 

دعاية تعتمد على الفشل والأخطاء

اتهم أردوغان حزب الشعب الجمهوري باستغلال اسم مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك على مر العقود الماضية، واعدًا بالتغيير في إزمير وتقديم خدمات أفضل وتطوير المدينة ودعم اقتصادها على غرار ما فعل في إسطنبول، مشيرًا إلى أن فتح القلاع يبدأ من الداخل، وطوال الأسابيع الماضية ركزت وسائل الإعلام التابعة للحزب الحاكم على ما وصفتها بأنها مشاكل هائلة تعاني منها بلدية إزمير منذ عقود؛ بسبب ضعف أداء حزب الشعب الجمهوري، وقامت بعرض مشاهد أكوام القمامة وتجمع المياه، كما قدمت وعودًا بحل كافة المشاكل التي تعاني منها المحافظة.

 

ذكرت شركة كونسينس للاستطلاعات أن المنافسة في أنقرة على أشدها ووصفت الشركة عملية المنافسة بأنها تشبه حد السكين

وبينما يصر زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو على أن تحالف الأمة يشمل أحزاب "الشعب الجمهوري، والسعادة، والجيد" فقط، كشفت الكثير من السقطات الكلامية ومقاطع الفيديو وجود تحالف غير مُعلَن مع حزب الشعوب الديمقراطي، وهو الأمر الذي أحسن أردوغان استغلاله واستخدامه كوسيلة وأداة لضرب المعارضة في مقتل عن طريق زعزعة مصداقيتها لدى الشارع التركي الغير مُؤدلج والغير مؤيد للحزب الحاكم في ذات الوقت.

 

ففي أحد المؤتمرات الانتخابية توقف مرشح حزب الشعب الجمهوري عن إلقاء خطابه الجماهيري بسبب رفع الأذان، وجرى حوار جانبي بين ممثلي عدد من الأحزاب المشاركة في تحالف المعارضة تركّز حول أن حزب الشعوب الديمقراطي سيدعم التحالف مقابل دعم التحالف له في كردستان، وهو الحوار الذي ظهر بالصوت والصورة على الشاشات بعدما ظن المتحاورون أنهم أغلقوا الميكروفونات، واعتبرته صحافة الحزب الحاكم دليلًا دامغًا على وجود تحالف بين المعارضة والأكراد.

 

استطلاعات الرأي

تساءلت شركة أوبتيمار -أحد أشهر شركات الاستطلاع- في استطلاعها عن أيّ من المرشحين سوف تنتخب لبلدية إسطنبول، فكانت الإجابة 45.9 في المئة لــ بن علي يلدرم مرشح تحالف الجمهور و41.6 في المئة لإمام أوغلو مرشح تحالف الأمة، فيما قال 12.5 في المئة إنهم مترددون. وذكرت شركة كونسينس للاستطلاعات أن المنافسة في أنقرة على أشدها ووصفت الشركة عملية المنافسة بأنها تشبه حد السكين في إشارة إلى عدم وجود فارق يُذكَر بين المرشحين، لكن عقب الحملة ضد مرشح المعارضة المتهم "بتزوير سندات" تقول استطلاعات أخرى إن مرشح العدالة والتنمية عاد ليتقدم وهو ما ستحسمه صناديق الاقتراع الأحد المقبل بمشيئة الله.

 

بينما المعركة في إزمير مازالت تتجه نحو دفة المعارضة في ظل منافسة أكثر من شرسة مع احتمال كبير بأن يتمكن مرشح تحالف الجمهور من الحصول على نسبة أصوات ربما تعتبر تاريخية للحزب الحاكم، مع تمنيات الكثيرين بتحقيق الفوز المنتظر منذ زمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.