شعار قسم مدونات

الجولان لتل أبيب.. هل وضع ترامب الولايات المتحدة تحت الانتداب الإسرائيلي؟

blogs الجولان

بحضور بن يمين نتنياهو وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الاثنين رسميا مرسوم الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.  وفي خطوة تحمل ما تحمله من الدلالات، قام ترامب بإهداء القلم الذي وقع به المرسوم إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بن يمين نتنياهو. لا يبدو هذا الخبر غريبا البتة في خضم السلوك السياسي المتهور والغير مسؤول الذي انتهجه السيد ترامب تجاه قضايا الشرق الأوسط الشائكة منذ وصوله للسلطة وحتى يومنا هذا. وعلى الرغم من توقع صدور هذا القرار وعدم استغرابنا له، إلا أن هذا لن يغير من حقيقة كونه قرارا ذو طبيعة استراتيجية على درجة عالية من الحساسية والتي تؤهله لإعادة خلط الأوراق المخلوطة أصلا في خضم واقع إقليمي ودولي معقد للغاية. سنقف عند هذا الخبر لنحلل أسبابه، أهدافه وتداعياته الإقليمية والدولية.

 

أولا: لمحة جيوسياسية وتاريخية عن الجولان

كما هو معلوم، في أعقاب عدوان حزيران من العام 1967، استولت إسرائيل على قسم مهم من مرتفعات الجولان السوري يقدر بحوالي 1250 كم² من أصل مساحته الإجمالية المقدرة بحوالي 1860 كم². في أعقاب حرب تشرين من العام 1973 استطاع السوريون استرجاع قسم صغير من الجولان تقدر مساحته بحوالي 100 كم² وذلك بمقتضى اتفاق فك الاشتباك الموقع بين الجانبين السوري والإسرائيلي لعام 1974. تبعا لذلك فقد بقي القسم الأكبر من مرتفعات الجولان والمقدرة بحوالي 1150 كم تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى يومنا هذا، وهذه هي بالتالي المساحة التي اعترفت الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا بها كأراضي إسرائيلية.

 

ما دفع الرئيس الأمريكي لاتخاذ هذه القرارات متعلق بكل وضوح بأجندات ومصالح شخصية للسيد ترامب وعلى رأسها تأمين دعم اليمين الإسرائيلي المتطرف لولايته الرئاسية الثانية العام المقبل

أصدرت إسرائيل عام 1981 قرارها القاضي بضم الجولان السوري المحتل واعتباره أرضا تسري عليها القوانين الإسرائيلية، إلا أن قرارها هذا لاقى رفضا دوليا واسعا تم تتويجه بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 والذي اعتبر قرار إسرائيل بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة ملغياً وباطلاً ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي ودعاها بالتالي إلى إلغاء هذا القرار. الجدير بالذكر هنا هو أن قرار مجلس الأمن الدولي هذا تم اتخاذه بإجماع أعضاء المجلس بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية.

 

يمتلك الجولان السوري المحتل كل المزايا التي تجعل منه منطقة استراتيجية بامتياز من حيث الموقع المميز والارتفاع الشاهق الكفيل بإعطاء صورة بانورامية للمحيط بأكمله سواء داخل سوريا أو داخل فلسطين المحتلة ولبنان، إضافة إلى خصوبة تربته الزراعية ووفرة موارده المائية التي تؤمن جزءا مهما للغاية من الأمن المائي "لإسرائيل"، مما يفسر التمسك الشديد لتل أبيب به وعدم مساومتها عليه.

 

ثانيا: مبررات الاعتراف الأمريكي بالجولان تحت سيادة إسرائيل

كنا قد أشرنا في عدد من المقالات السابقة إلى أن الباحث الموضوعي عن تبرير أو تفسير للعديد من قرارات ترامب فيما يخص منطقة الشرق الأوسط عموما، والصراع العربي الإسرائيلي على وجه الخصوص، لن يستطيع أن يجد لها أي أساس مستند إلى مصالح الولايات المتحدة الأمريكية أو أمنها القومي. التفسير الوحيد الذي من الممكن إيجاده لبعض هذه القرارات هو الهرولة لإرضاء إسرائيل وداعميها الأقوياء في واشنطن للحصول على بعض المزايا والمنافع الخاصة. فاعتراف دونالد ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل قبل عدة أشهر فقط، واعترافه بالجولان السوري المحتل أرضا إسرائيلية اليوم، هي قرارات يعلم حتى الأطفال الصغار بأنها تتعارض مع صميم مصالح الدولة الأمريكية ليس في منطقتنا فحسب بل على المستوى العالمي أيضا. ما دفع الرئيس الأمريكي لاتخاذ هذه القرارات متعلق بكل وضوح بأجندات ومصالح شخصية للسيد ترامب وعلى رأسها تأمين دعم اليمين الإسرائيلي المتطرف لولايته الرئاسية الثانية العام المقبل. أضف إلى ذلك بأننا لا نستبعد كون الرئيس الأمريكي مدين للوبي اليهودي النافذ في واشنطن للنجاة من تبعات تحقيق مولر الذي صدر قبل عدة أيام بشكل نعتبره غير لائق وغير مهني.

 

فهذا التقرير لم يدن الرئيس بالتواطؤ مع موسكو على الرغم من نصه صراحة على وقوع تلاعب روسي بالانتخابات الأمريكية، لكنه في المقابل لم يبرئه، مما يعكس برأينا إرادة واضعي هذا التقرير لإيجاد نوع من الضبابية في التقرير بحيث لا يضر الرئيس من جهة ولا يضر مولر وفريقه مستقبلا فيما لو تكشفت حقائق معاكسة. هذه الضبابية في القرار قد تكون ناتجة عن ضغوط هائلة خلف الكواليس من قبل اللوبي اليهودي والتي ستجعل ترامب مدينا لهم وملزما بالتسديد. في حال صدقت توقعاتنا هذه، فاعتراف ترامب بالجولان السوري المحتل أرضا إسرائيلية ما هو إلا دفعة على الحساب في إطار سياسة التخادم المتبادل بين الطرفين.

 

ثالثا: تبعات القرارات الترامبي بخصوص الجولان والقدس

هذه القرارات الغير مسؤولة والمتعارضة بوضوح مع الشرعية الدولية والقانون الدولي لن تكون لها أي آثار قانونية على أرض الواقع ومع ذلك فإنها تحمل تداعيات خطيرة على عدة مستويات:

– نظرا لأن هذه القرارات ارتجالية إلى حد كبير وقد تمت بدون تنسيق حقيقي مع مؤسسات الدولة الأمريكية ولا مع حلفاء الولايات المتحدة في العالم، فقد تمخضت عن عزلة دولية بدت معها بلاد العم سام وكأنها تغرد لوحدها خارج السرب. فمعظم دول العالم، بما فيها أقرب الحلفاء لأمريكا كبريطانيا وفرنسا، أعلنت براءتها من الموقف الأمريكي ودعمها لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والتي تؤكد على أن الجولان هو أرض سورية محتلة. هذه العزلة استدعت تعبير وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بالأمس عن حزنه لعدم تفهم الدول لموقف بلاده. أضف إلى ذلك بأن هذه القرارات بدأت تزعزع ثقة العالم في الولايات المتحدة الأمريكية كدولة مؤسسات لا يحكمها شخص واحد، هذه الخاصية المهمة التي لطالما عملت الدولة الأمريكية على ترسيخها عبر تاريخها يأتي ترامب ويدمرها بين عشية وضحاها.

 

– الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس والجولان، والذي يبدو واضحا أنه لن يتوقف عندهما، نزع بشكل نهائي شرعية الولايات المتحدة كوسيط للسلام في الشرق الأوسط. استنادا لذلك، ونظرا لعدم وجود بديل حقيقي يمكن أن يلعب هذا الدور فيمكننا القول بأن ترامب أنهى عملية السلام عمليا ودمر معها ما تبقى من أسس هشة للاستقرار في المنطقة.

 

– القرارات الأمريكية هذه تدمر ما تبقى من هيبة للشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن وتفتح المجال للعودة إلى ما قبل معاهدة وستفاليا لعام 1648عندما كان الاباطرة والملوك يستولون على أراضي الغير بالقوة دون حسب أو رقيب. 

في الخاتمة لا بد من التأكيد على أنه بالنسبة لنا، نحن أصحاب هذه الأرض الحقيقيين، فإن قرارات الرئيس الأمريكي لا تساوي ثمن الورق الذي كتبت عليه. الأرض لنا وستعود لنا بإذن الله.. طال الزمان أم قصر.. شاء من شاء وأبى من أبى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.