حين يكتشف أفراد الأسرة أن الحدود والنظام إنما وضعا لأجل راحة الجميع، وليس فقط لراحة أحد الأطراف الأب أو الأم، فإنهم سيستجيبون ولو بعد قليل لكل الأنظمة والحدود، فعلى الوالدين أن يجدا الراحة والسعادة في البيت في بيئة هادئة، وكذلك على الأولاد أن يشعروا بالسعادة والانطلاقة والحرية في بيئة البيت، فالنظام ليس تقييدًا بل تنظيمًا، وهنا يجب على الأسرة أن تجلس وتتفق وتتعاون لتنفيذ هذا النظام لتتحقق الأهداف المختلفة لكل فرد من أفرادها. فالانضباط والنظام هو الوضع الذي يكون فيه الكل رابحًا، الجميع يعلم ما له وما عليه، حقوق وواجبات، ومع مزيد الحرية توجد المسؤولية. ومما يعين الوالدين على تحقيق هذا النظام ما يلي:
كن واضحًا عند تعيين الحقوق والقواعد والحدود، فالعبارات السهلة البسيطة الواضحة هي المناسبة، فلا تفترض أن أطفالك يعرفون القواعد والآداب حتى وإن كنت تحدثت عنها مرة أو مرتين، مع شرح السبب لوضع هذا النظام وهذه القواعد، ولابد أن تجيب على سؤال لماذا؟ لماذا نفعل هذا ونضع هذا النظام؟ فمن فهم السبب يكون أكثر وعيًا وإدراكًا بل وقناعة وراحة عند تنفيذها.
ينبغي الانتباه أن الأسرة والعمل هما من أركان الحياة الإنسانية، وكلاهما محفزان مهمان لتحقيق السعادة على المستوى الفردي والجمعي |
فلا تأمرهم بشيء تخالفه، فهذا مدعاة لكسر القواعد وتخطي الحدود، ومخالفة الأوامر، ولا مانع من مشاركة الأطفال في وضع بعض الحدود، والتشاور فيها بين أفراد الأسرة. ولا تنس أن قواعد البيوت ليست كالقرآن الكريم، فيمكن كسرها مرة أو مرتين، ولابد أن يتعلم الجميع تحمل العواقب المترتبة على كسر القواعد، دون توبيخ أو تقريع، بل بمرونة ويسر ورفق.
فكما تحدثهم عن الواجبات دعهم يتحدثون عن الحقوق، دعهم يتحدثون عن مشاعر الانزعاج والغضب من بعض هذه القوانين وأزل مخاوفهم وساعدهم على التطبيق بمرونة ورفق، فانتبه لطريقتك ونبرة صوتك وإشارات يديك.
فالتشجيع والدعم المستمران مع كل طاعة واستجابة وتنفيذ لقواعد الأسرة والبيت يعملان عمل السحر في قلوب الأطفال، فلا تقل ما دمت خالفت النظام فعليك عقوبة كذا وكذا، بل قل: أما اتفقنا على ألا نفعل هذا؟ ثم أنصت لردة فعله ودفاعه عن نفسه، واجمع بين الترغيب والترهيب.
فتربية الطفل بهذه الطريقة على الصدق والنزاهة والاحترام والشعور بالمسؤولية بحيث يتحمل عواقب الأفعال هي علامة نجاح ولا شك، فاسعد بطفلك وإن خالف بعض القواعد، فقد فهم المقصود. فما أعظم تعزيز شعور الثقة بالنفس عند الأطفال في وقت ضاعت شخصياتهم وانهارت أمام أسباب كثيرة من الإعلام والتعليم.
من الخطأ الكبير ذوبان بعض الأطراف مثل الوالدين أو أحدهما بحيث تتلاشى اهتماماته وحياته وأهدافه ليصبح منفذًا وساعيًا لتحقيق أهداف وطموحات الآخرين، وينسى أو يتناسى أهدافه الخاصة العلمية والعلمية. وعلى العكس حين تطغى الأهداف الخاصة على العامة بحيث تصبح الأولوية القصوى للأب أو الأم، فتضيع الأسرة في زحمة هذه الأهداف الفردية الخاصة.
فالتوازن بين الهدفين: بين الحياة العملية والأسرية – لا شك – من عوامل تحقيق السعادة الأسرية والعامة فيشعر كل طرف بتحقيق كل الأهداف المرجوة على الصعيدين العملي والأسري. وينبغي الانتباه أن الأسرة والعمل هما من أركان الحياة الإنسانية، وكلاهما محفزان مهمان لتحقيق السعادة على المستوى الفردي والجمعي. والحق أن محاولة التوفيق وتحقيق التوازن بينهما ليس أمرًا سهلًا، وكغيرهما من الأمور تحتاج لمزيد عمل وتفكير خلّاق لتحقيقهما معًا، وكذلك من الطبيعي أن نقول إنه ليست هناك وصفة سحرية لتحقيق ذلك، فلابد من البذل والاجتهاد مع جودة التفكير والتخطيط.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.