شعار قسم مدونات

إلى أين ستقودنا مسلماتنا الصامتة وصندوقنا الأسود؟

blogs تأمل

الأشخاص الذين يُصرُّون على التَّعَلُّم أو التَّعْلِيم بنفس الطُّرق السَّابقة الغير المُجديَّة، أو المُتَشَبِّتِينَ بِالمناهج البَالِيَّة التِي لَمْ تُعْطي أيّ نتيجة، يُشبهون إلى حَدٍّ مَا المُعالجون الذين يُواضبون على الإستمرار في تطبيق نفس الإستراتيجيات العلاجية البالية رغم تفاقم الحالة الصحية والنفسية للمريض المُسَبِّبَة في غالبيتها للوفاة. يُصَرُّون على تجاهل الوضع ومواصلة العمل بنفس المنطق القديم الرَّافض لِكلِّ التِّقنيات والعلوم الحديثة.

طلب العلم يرتكز في الأساس على منطق فلسفي لا يؤمن بوجود الأخطاء، بل كل ما هناك ردود أفعال. فهو مجرد كلمة مُحْبِطَة، ورصاصة قاتلة للحماس والشغف، قمنا نحن بإختراعها وإطلاقها على عقولنا وقوبنا في آنٍ واحدٍ، للقضاء على طموحنا وإقتلاعه مَنْ جدوره، وتحريف أولوياتنا، والإستهتار بإلتزاماتنا وعاداتنا اليومية. عندها سوف نُعَانَي لاَ مَحَالَ الرُّكود والمُكُوت فِي بِرْكَةِ نَفس الخطأ. وَكُلُّ مَا نقوم وسنقوم به في الحاضر والمستقبل هو اللَّوْم والنَّدم، مِمَّا يجعل مسألة تعديل أخطائنا ومواقفنا أكثر صعوبة، فَلَنْ نتجرأ حتَّى على النظر إلى تجاربنا السلبية ولَنْ نَتَعَلَّم مِنْهَا مَهْمَا طَالَ العُمُر.

جميعنا لديْنا أخطاء؛ نعم هذا صحيح، لكنها حَتْمًا ستكون مصدراً للتغيير في السلوك والمولدات المحتملة للخيارات الجديدة، فمعرفة كيفية التَعلُّم مِن أخطائنا هي أفضل طريقة للتطور كأشخاص ناجحين. عندما كان تُومَاسْ أَلْفَا إِيدِيسُونْ يَبحث عَن الحَلّ لإِنَارَةِ مِصْبَاحَهِ الكهربائي، إقترب مِنْهُ شَخْصٌ وسأله: كيف تشعر بعدما فشلت تسعمائة مرَّة؟ فأجابه: أنا لم أفشل تسعمائة مرة، بل كل ما في الأمر أنني تعلمت تسعمائة طريقة غير مُجْدِيَّة. إنها فلسفة النَّجاح التي لا يقدر على إستعابها سوى الناجحون، فهم على يقين أن الخطأ هو وحده من يجلب الخبرة ويحقق التَّعلم.

طريقة تفكيرنا تجعلنا قادرين على تعديل علم وظائف الأعضاء لدينا، وبالتالي تمكِّننا من تعديل حالاتنا العقليَّة، وهذا هُوَّ بيت القصيد وغاية ما نريد. فبناء نماذج ناجحة يؤدِّي إلى التميُّز

إذن ضمن هذا النِّظام سيكون الشَّخص الذي لديه أكبر عدد من الخيَّارات هُوَّ مَنْ سَيتحكَّم في مستقبل الفكرة أو التجربة. بمعنى آخر؛ الفرد الذي يتمتع بمرونة أكبر وعدد أكبر من الخيَّارات، هو الذي سوف يتكيَّف بسهولة أكبر مع أي تغيير محتمل، أي الذي لديه المزيد من البدائل على طول الوقت، والمزيد من القدرات في جميع جوانب الإتِّصالات، مِمَّا سيمكنه من الحصول على أسهل النتائج المرجوة، هذا مع زيادة كبيرة في مستويات المرونة والقدرة على التكيف والإبداع. ليست مسألة حظ، بل هي جِدٌّ وَإِجْتِهَادْ وَكذلك عطايا وأقدار، إنها تطلعات الوجود البشري وهذه الفلسفة لديها الكثير من أدوات تسريع هذه الاستحواذات.

كل الناس في داخلها الموارد اللَّازمة للتَّعلم والتَّغيير تهدف للحصول عليها. نستطيع القول أن هناك العديد من الأشخاص طوال حياتهم قد يكونون من الذين إستخدم ذلك الموارد التي كانت مفيدة في بعض الوقت، لكنهم في وقت لاحق نَسُوا التخلص منها، أو يشعرون أنهم غير قادرين على إستخدامها في مواجهة الفشل الذي يَحُومُ حول تجاربهم الحاليَّة، لأنَّهم غير مدركين لقيمة وحجم الموارد التي هي تَحْتَ تَصرُّفهم. فَهُمْ في الحقيقة يحتاجون فقط لتنظيم مواردهم بطريقة سهلة، ليسهل الوصول إليها عند الضرورة، ثم يتمكنوا من التخلص منها عندما لا تكون هناك حاجة إليها، وإكتساب مواهب وموارد أخرى في تناغم داخلي رائع، ومعقد في نفس الوقت، نستطيع من خلاله الوقوف على حقيقة الإنسان.

العقل البشري وجسده مرتبطان ويؤثران في بعضهما البعض. فأي عاطفة تؤثر على الكائن العضوي، وأي عَوَارِض بَدَنِيَّة تنعكس في التأثير على الحالة العاطفية للشخص الذي يعاني. هذه هي الازدواجيَّة القديمة. لقد أصبح من المتعذّر الآن إثبات أن الناقلات العصبيَّة لا تحمل المعلومات فقط من الدماغ إلى أي خلية صغيرة في الكائن الحَي، ولكن أيضا يَتَمّ إنتاج الناقلات العصبيَّة في أعضائنا الداخلية ومن هناك تحمل هذه المعلومات إلى الدماغ.

طريقة تفكيرنا تجعلنا قادرين على تعديل علم وظائف الأعضاء لدينا، وبالتالي تمكِّننا من تعديل حالاتنا العقليَّة، وهذا هُوَّ بيت القصيد وغاية ما نريد. فبناء نماذج ناجحة يؤدِّي إلى التميُّز. إِذْ يمكن لِأَيِّ شخص تَعَلُّم نَجاحات شخص آخر والعمل على تكاثرها، إذا عرف حقًّا العمليَّة التي قادته إلى تحقيقها وإعادة إنتاجها، عن طريق تجزئة ذلك التجربة الى خطوات صغيرة جدًّا، وتقيم دقيق للتأثيرات النفسية شرط أن تكون العملية برمتها منسجمة فيما بينها ومتماسكة.

لتبسيط هذه التأثيرات النفسية الكونية نستطيع القول أنه تيار سيكولوجي يركز على دراسة الإدراك. بمعنى آخر؛ يشير إلى الفعل المعرفي، في أعماله لتميز، وتخزين وإسترجاع لتخزين، وتنظيم، وفهم، وإستخدام المعلومات التي يتم تلقيها من خلال الحواس، فينشأ كتيار نفسي يواجه السلوكية. إنطلاقًا من الإدراك الحالي للسلوكية لا يمكن دراسة ما يسمى بالصندوق الأسود، وقد نحقق عكس ما سبق في حالة الإعتماد على أساس قوي ومتين من الحوافز والاستجابة. من ناحية أخرى، تستخدم المدرسة المعرفية والعمليات العقلية في شرح السلوك. فمن التركيز المعرفي، يتم التركيز على تأثير معالجة المعلومات على السلوك، خصوصا وأن الفرد غالبا ما يقارن المعلومات الجديدة مع بنية أو هيكل الإدراك الموجود مسبقا ويتم تفسير الأوضاع الجديدة في ضوء ما تم عمله بالفعل. فعلى سبيل المثال لا الحصر تعلم المسلمات الصامتة، يوضح لنا جانب مهم من الفكرة، لأن هذه المسلمات تمثل التفسيرات الشخصية للواقع الذي يشترط سلوك الناس.

إنطلاقا من هذا المنظور، يأخذ التدريب في الحسبان العمليات المعرفية كالذاكرة والإدراك والانتباه والتفكير والإبداع والسمات وغير ذلك، بالإضافه إلى قدرة الموضوع على معالجة المعلومات وفقًا للمبادرات الخاصة، بحيث تبدأ عمليات التدريب من أساس أن أي شخص لديه الحرية والمسؤولية والاستقلال الذاتي لتطوير العمليات الإدراكية بوعي. وبالمثل، فإن المنظور المعرفي يسهم في تدريب الأدوات اللازمة لتحليل عملية فهم المشكلات التي تكشف عنها الدقة التحليلية، وبالتالي توجيهها نحو البحث عن مناهج بديلة لتلك التي إعتمدت في البداية، لسيساعد المدرب على تحديد الأسئلة والسلوكيات والتصرف فيها وتقييمها من أجل إعادة تعريف السلوكيات والعلاقات بطريقة أكثر فعالية وإفادة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.