استيقظنا صبيحة يوم الجمعة على خبر تنفيذ مجزرة بحق إخواننا المسلمين في مسجدين في نيوزلندا، الخبر الذي لم نكن لنصدق وحشيته لولا الفيديوهات التي انتشرت بيننا وشاهدناها جميعاً حتى يخيل لك أنك تشاهد مقطعاً من فيلم اكش وكأن هذا لا يمكن أن يحصل في الحقيقة.
نحن الفلسطينيين الذين نعايش السلاح كل يوم ونرى القصف والترهيب والقتل كأحداث يومية، تفاجأنا بما شاهدناه، فتعازي للعالم الذي اكتشف بعد هذه الحادثة أن الإنسانية قد ماتت على أفواه البنادق، تلك الإنسانية التي تغنى فيها العالم الغربي وادعى ملكيتها وأننا الهمجيين الذين بحاجة لتصويت ولسياسات ودعم وورش عمل لفهمها واستيعابها. أصبحنا نرى المتدين إرهابي وأصبحنا نرجف خوفاً ممن يلتزمون صلاتهم وبدأت أعراض الخوف من الإرهابي ترتسم على ملامحنا بمجرد رؤيتنا لأحد جيراننا ملتحي.
أكثر ما يؤلم في تلك الحادثة، أن اللاجئين الذين استشهدوا في بلاد ليست بلادهم، قد لجئوا بحثاً عن الأمان مصدقين ادعاءات الغرب بالحياة الكريمة، أولئك فروا من بلادهم هرباً من سطوة الحكام وقلة الفرص والحياة |
أصبحنا نقف في المطارات مرعوبين من أن نكون قد نسينا مبرد للأظافر أو قرآن في أحد حقائبنا كي لا نكون عرضة للتفتيش المهين، حتى أننا بدأنا نطلق على أبنائنا الأسماء التي لا تدينهم، إن كتب لهم يوماً واختاروا التعليم أو الحياة في الخارج، في العالم المتحضر تاركين ورائهم عالمنا الهمجي الذي لم يذق بعد طعم الحرية.
أولئك الكارهين لنا أصحاب البشرة البيضاء المصطفين الذين يدنسون أراضينا متى أرادوا ويزورون عوالمنا متى شاءوا ونحن نقف احتراماً لهم وتبجيلاً، أولئك الذي سقطت اقنعتهم ألف مرة ولكننا مازلنا مصرين على أن نصدق الادعاءات وأن نصدق ما تنشره وسائل الإعلام العربية قبل الغربية التي لم تعد تخجل من وصف الإرهابيين بالعالم بالمسلمين متغاضين ومتناسيين أنهم أبناء جلدتنا وأنه وإن كان هناك من يستخدم ديننا إلا أنه ليست بصمة لنا ولا صفة لديننا، فنكتشف جميعاً أننا مغيبين عن الواقع نصدق ما أراده لنا الإعلام ونستهلك المعلومات التي تلقى لنا من المحطات الإعلامية المختلفة التي تتحرك بالمال والسلطة وليس الحقيقة، تلك المحطات التي تعمل كايدي للإرهاب ومشجعة له فتتغاضى عن الفاعل الرئيسي وتلقي الضوء على الأبرياء.
إن أكثر ما يؤلم في تلك الحادثة، أن اللاجئين الذين استشهدوا في بلاد ليست بلادهم، قد لجئوا بحثاً عن الأمان مصدقين ادعاءات الغرب بالحياة الكريمة، أولئك فروا من بلادهم هرباً من سطوة الحكام وقلة الفرص والحياة، ذهبوا هناك ليعيشوا وينالوا الفرصة العادلة بأن يكونوا ما يريدون ولكن من لم يكتب لهم أن يموتوا في بلادهم شهداء على أيدي أعداء الأرض والدين أو منتحرين من ظروف بلادهم وقهرها، كتب لهم أن يستشهدوا على يد أكبر عدو للعالم جميعاً، الكره والإرهاب الذي سلبهم حياتهم وحياة أبنائهم والأمل في أن يكون هناك حياة أفضل مغلقاً الأبواب أمام الراغبين في اللجوء هرباً والذين إن لم يأكلهم البحر أكلتهم أفواه الكره والعنصرية.
إن الإرهاب يحيا ويعيش بيننا، فتراه في كل مرة تنعت أحداً بصفة أو تنشر فساداً او كرهاً، إن احتقارنا لغيرنا وعدم تقديرنا واحترامنا لاختيارات غيرنا تضعنا في تلك الدائرة، إن الجلسات النسائية التي يكون مجملها الانتقاد والكره والحقد على غيرهن ما هي إلا إرهاب صامت، إن نعتك لمن ينتمي لحزب آخر بأقبح الصفات ما هو إلا إرهاب صامت.
إن أيدي الإرهاب تمتد في كل مكان، تلك الأيدي التي تدفعك لكره غيرك وإيذاءه لمجرد أنه يختلف عنك أو ينتمي لحزب مغاير لحزبك أو يرتدي ملابساً تختلف عما تفضله أنت، سوف نرى المزيد مما حصل في كنائس مصر والمساجد حول العالم، لأن الإرهاب لا دين له، يعيش ويقتات من الكره والتمييز والعنصرية ولا يعرف عرقاً ولا لوناً ويستغل النزعة الإنسانية للعنف والحب للسيطرة، فالشخص الذي يضرب قطة في الشارع أو يختلس من خزينة عمله أو يهين عامل أقل منه لن يتوانى عن حمل السلاح وقتل الحياة في عيون غيره ممن يخالفونه، الإنسانية لا تتجسد ولا يمكن أن تكون إنساناً متى أرت وكيف أردت.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.