من نيوزيلندا.. تذاكر عبورٍ جماعي إلى الجنة!

blogs جريمة المسجد

منذ الأزل يستمر النزاعُ بين الخير والشر.. بين الحق والباطل.. بين الكفر والإيمان.. ويُحاربُ الإسلامُ في كل مكان، ويحاولُ المتربصون إطفاء وهجه ونوره، وكتم صوتِ الحقيقةِ فيه، وتشويه معالمه وأركانه. وكما قال الله تعالى: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ". وفي الحادثةِ الأخيرة التي تعدُّ من أفظع الجرائم المرتكبةِ بحقِّ المسلمين دليل على ذلك، فهي جريمةٌ مغلَّظةٌ انتهكت حرمة الزمان والمكان.

 
ففي يومِ الجمعةِ.. يوم عيد المسلمين الأسبوعي المقدَّس لديهم، وفي بيتينِ من بيوتِ الله يجدُ مجرمٌ أسترالي الجنسيّة حاقدٌ على الإسلام والمسلمين منذ زمن الحروب الصليبيّة مسرحاً وبيئةً خصبةً لينفذَ جريمتهُ بكلِّ همجيَّةٍ ووحشيّة، في نيوزيلندا الوادعة، وكأنه يقول بلسان حقده الدَّفين: لن تنعموا بالأمان في أي مكان، حتى في بيوت الله، وفي صلاتكم، فلن يُنجيكم إسلامكم.

ظنَّ المجرم بفعلته أن يطفئ نور الإسلام ويقطعَ شوكته، ولكن هيهات له ذلك، والإسلام ينتشرُ بسرعةٍ كبيرة، وربما بفعلته يسلِّطُ النظر على الإسلام أكثر

مشاهد انتشرت بسرعةٍ على مواقع التواصل توثق جريمته التي كان يبثُّها مباشرةً على صفحته، وكأنه يؤدي عملاً بطوليّاً، مشاهدُ لا تنمُّ إلا عن انعدام الإنسانية والأخلاق والتَّطرُّف والحقدِ المُخَضرَم. مشاهد تُدمي أي قلبَ أي إنسانٍ سليمَ الفطرةِ مهما كانت ديانته وانتماؤه. فبأي ذنب يُقتلُ خمسون مصلٍّ بدمٍ بارد، ويصاب الكثيرون ممن قصدوا بيت الله، بيت السَّلام الذي ينادي باحترام الأديان وحفظ حياة الإنسان، ونبذ العنف حتى بالكلام.

أكلُّ ذنبهم أنهم مسلمون موحدون! أينما ذهبوا يُنعتون بالإرهابيين فمن منهم الإرهابي حقاً! أليس من كانَ يمارسُ القتلَ بكلِّ خفَّةٍ وجرأة، بسلاحه الآلي، يخرجُ من المسجد بعد نفاذ ذخيرته ليعودَ لسيارته لجلب المزيد، ليطلقَ الرَّصاصَ ثانيةً ومن مسافةٍ قريبة ليضمنَ موتَ كلَّ من وقعوا تحت يديه، وكأنه يصطادُ فريسةً ثمينةً يخافُ هربها، أو كأنه يحاولُ استغلال هذه الفرصةِ القذرةِ بقدر استطاعته، كلاعبٍ يحاولُ تسديدَ أكبرِ عددٍ من الأهدافِ قبل انتهاءِ وقت المباراة، ربما ليقدِّمَ ولاءهُ أكثر لمن تتلمذَ الإرهاب على أيديهم، فينالَ صكوكَ الغفران كُلَّما كان عدد الضحايا أكبر.

إعلان

أولئك الضحايا الذين كان أول من لقاه منهم مسلمٌ رحبَّ به قائلاً: أهلاً أخي. ومنهم من كان يحتضرُ أمامَ فلذةِ كبده، ومنهم من مات وهو يتلو آياتٍ من القرآن. أهداف المجرم المدَّعاة هي إخلاء المجتمعات الغربية من غير البيض والمهاجرين بغرض حمايتها، وكذلك الانتقام للحوادث الإرهابية والجرائم الجنسية التي يقوم بها مسلمون ومهاجرون حول العالم بحسب أقواله، التي نشرها قبل ارتكاب جريمته، كما دعا إلى قتل الرئيس التركي أردوغان والمستشارة الألمانية ميركل وعمدة لندن صادق خان.

 
ولكن الدافعَ الحقيقي لفعلته هو ما جاء في الآية الكريمة: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى". فهل سينالُ هذا السَّفاحُ عقابه المنصف الذي لا يجبُ أن يقلَّ عن الإعدام حتى يكون رادعاً لغيره، أم هل سيعزون فعلته للمرضِ النَّفسي أو الاضطرابات العقلية! هل ستكون منصفةً منظمات حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب! أرأيتم لو كان الهجومُ من قبل مسلمٍ على كنيسة أيكونُ الردُّ العالمي بنفس المستوى! وكم سيكونُ الشجبُ والاستنكار! وكم كنا نتمنى أن يخرجَ حكامنا بردود أفعال مشرفةٍ غاضبةٍ كطرد سفيرِ نيوزلندا مثلاً أو قطع العلاقاتِ معها لحين نيلِ الجاني عقابه.

قد ظنَّ المجرم بفعلته أن يطفئ نور الإسلام ويقطعَ شوكته، ولكن هيهات له ذلك، والإسلام ينتشرُ بسرعةٍ كبيرة، وربما بفعلته يسلِّطُ النظر على الإسلام أكثر، فيتعرَّفه الناس وتمتدَّ جذوره في الغرب، كما لم يكن يدري أنه قطع تذاكرَ عبورٍ مبكرة للضحايا الشهداء للجنة، وحجزَ له مقعداً مخلَّداً في النار. فيكفيهم أن الله اختارهم شهداءَ في أطهر البيوت وأقدسها، وفي أفضل الأيام، لكن إن لم ينل الجاني عقابه من يضمنُ أن لا يقوم أحدٌ مكلومٌ بالفقد، أو غيورٌ على دينه بردِّ الاعتبار أو الانتقام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان