شعار قسم مدونات

جريمة المسجد.. بماذا علق ترامب عندما علم عن إعجاب جزّار نيوزيلندا به؟

blogs سفاح نيوزلاندا

استفقنا يوم الجمعة على وقع خبر صادم تقف عاجزة أمامه الكلمات. ففي بث مباشر عبر منصة فيسبوك وبدم بارد يقوم الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت بالدخول إلى مسجد مكتظ بالمصلين في مدينة كرايستشرش النيوزيلاندية ليفتح نيران بندقيته الآلية ويردي حوالي خمسين شهيدا وعشرات الجرحى من المسلمين أثناء تأديتهم لصلاة الجمعة.

 

لم يخف الإرهابي برينتون تارانت، الأسترالي الجنسية، دوافعه من وراء ارتكاب هذه الجريمة النكراء في نيوزيلاندا. فالإرهابي تارانت الذي قام بجريمته على الهواء مباشرة مستمعا لأنغام موسيقى تحفيزية متطرفة قدم نفسه "كرجل أبيض مدافع عن الحضارة في وجه الغزاة من المسلمين والمهاجرين". وزعم تارانت في بيان مطول كتبه بنفسه بأنه قد قام بفعلته هذه لينتقم لمئات آلاف القتلى الذين سقطوا بسبب من سماهم الغزاة المسلمين في الأراضي الأوروبية على مدى التاريخ وانتقاما لآلاف المستعبدين من الأوروبيين الذين أخذوا من أراضيهم ليستعبدهم المسلمون. كما أشار إلى أنه استلهم فعلته من الإرهابي اليميني المعادي للإسلام اندرس بريفيك الذي ارتكب هجوم النرويج الشهير عام 2011 والذي راح ضحيته أكثر من سبعين شخصا. والجدير بالإشارة هنا هو تأكيد الإرهابي تارانت على إعجابه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب "كممثل للهوية البيضاء المتجددة". سنحاول أن نتوقف عند هذا الحادث البشع الذي تفوح منه رائحة الحقد الدفين لنسلط الضوء على عدد من النقاط المهمة والمثيرة للانتباه.

أولا: في الحقيقة، يبدو واضحا بأن الإرهابي تارانت قد نظم وخطط لعمليته بعناية، لا من أجل تنفيذها فحسب بل من أجل ضمان أكبر تأثير لها لتكون مصدر إلهام عالمي لغيره من أصحاب الأفكار المتطرفة والمريضة في أوروبا والعالم. والجدير بالذكر هنا أن الإرهابي تارانت قد أهدا عمليته لاثنين من الإرهابيين السابقين الذين تبنوا نفس الأفكار وقاموا بعمليات بشعة للغاية وهما الإرهابي اندريس بيرفيك صاحب مجزرة النرويج عام 2011 والإرهابي ألكسندر بيسونيت صاحب الهجوم الدموي على مسجد في كندا عام 2017. هذا الإهداء يدل بشكل قاطع على أن مثل هذه الجرائم الإرهابية يمكن بالفعل أن تكون مثيرة لإلهام أشخاص يتبنون نفس هذه الأفكار المتطرفة في أماكن أخرى من العالم، والذين باتت تشير كثير من الإحصائيات والدلائل إلى تزايدهم بشكل مضطرد خاصة في السنوات الأخيرة. زد على ذلك بأن أحزابا سياسية تتبنى أفكارا معادية بشدة للإسلام والمهاجرين وتشكل مصدر إلهام لأمثال هؤلاء قد وصلت بالفعل للسلطة في بعض الدول كما هو الحال في النمسا والمجر والدنمارك أو كادت تصل للسلطة كما هو الحال في فرنسا وهولندا.

 undefined

ثانيا: يبدو أن العقوبات التي يتعرض لها أمثال هؤلاء الإرهابيين بعد ارتكاب جرائمهم لا تشكل رادعا يمكن الاعتماد عليه. فالإرهابي النرويجي اندريس بيرفيك حكم عليه بالسجن في العام 2012 لمدة 21 عاما. إلا أن إهداء تارانت جريمته البشعة لصديقه النرويجي تدل على عدم اهتمامه بالعقوبة التي تنتظره. والسؤال الذي يمكن أن يسال هنا: ماذا لو كانت العقوبة هي الإعدام لأمثال هؤلاء؟ هل كان تارانت ليتجرأ على فعل جريمته وإهدائها لصديقه الميت؟

 

من جهة أخرى، إن إشارة الإرهابي تارانت إلى إعجابه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب كممثل للهوية البيضاء المتجددة تدل على تأثر عميق بمواقف ترامب المناهضة للمسلمين والمهاجرين إلى الحد الذي بات فيه ترامب مصدر إلهام لهذا الإرهابي. هذه النقطة تستحق الوقوف عندها مليا لأنها تمثل برأينا عنصرا هاما لا يجب تجاهله أو تجاوزه. فتحول رئيس أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم إلى مصدر إلهام للتطرف الشرير يمثل حالة خطرة من اختلال التوازن الأخلاقي العالمي.

 

فبينما تدعي الولايات المتحدة المحاربة في سبيل الديمقراطية، وبينما تأخذ خارجيتها على عاتقها مهمة تقييم حقوق الإنسان في دول العالم بشكل منتظم والتي صدر تقريرها السنوي بهذا الخصوص يوم أمس فقط، يعلن مجرم إرهابي مثل برينتون تارانت إعجابه بالرئيس الأمريكي واعتباره ملهما له. أضف إلى ذلك أن الإدانة الباهتة التي أصدرها البيت الأبيض لهذا الهجوم قد تشكل إشارة خطيرة لمتطرفي العالم وتشجيعا مبطنا للاسلاموفوبيا. فقد اكتفى المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست بالقول "نعرب عن حزننا لفقدان الأرواح وندين هذا العنف".

 

وفي النهاية فإن السؤال المهم الذي نود أن نسأله: ماذا كانت يا ترى ردة فعل دونالد ترامب الشخصية عندما سمع عن إعجاب تارانت به؟ هل خجل من نفسه وقرر إعادة النظر في سلوكه السياسي وأفكاره الملهمة للتطرف؟ أم أنه قال في نفسه… أحسنت صنعا أيها البطل!! الإجابة على هذا السؤال مهمة للغاية لأنها ستحدد مسار العالم في قادم الأيام.. تعازينا القلبية الحارة لأهالي الشهداء… وتمنياتنا الصادقة بالشفاء العاجل للجرحى..

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان