شعار قسم مدونات

فخامة شعب الجزائر.. مدرسة العظمة

Protest against candidacy of President Abdelaziz Bouteflika for a fifth term in Algeria- - ALGIERS, ALGERIA - MARCH 08: Thousands of people stage a protest march against candidacy of President Abdelaziz Bouteflika for a fifth term in Algiers, Algeria on March 08, 2019. 81-year-old Abdelaziz Bouteflika, serving as the president since 1999, has announced on 19 February he will be running for a fifth term in presidential elections.

صنع الشعب الجزائري نموذجا ملهما في القرن العشرين عبر الثورة التحريرية المجيدة في الفاتح من نوفمبر من سنة 1954م، تلك الملحمة التاريخية التي غيرت مجرى العالم الإنساني بإسقاط فرنسا أكبر قوة إمبريالية في القرن العشرين وإعادتها لحجمها الجغرافي المحدود رغم بقاء نفوذها الجيوسياسي في المنطقة، ثورة عظيمة بقدر عظمة شعب أظهر للعالم أجمع ما يمكن أن يقوم به شعب لاستعادة الوطن المسلوب من المستدمر، شعب رسم دربا للعظمة بدماء الشهداء وعبده بأشلاء المليون ونصف المليون شهيد، شعب كتب تاريخا جديدا بتضحياته الجسيمة وروحه القويمة وأهدافه العظيمة فكان بحق القدوة للشعوب المضطهدة القابعة تحت وطأة المستدمر لاسيما عندما شق الشعب الجزائري طريقه نحو الاستقلال بأدواته البسيطة ولكن بروحه الوطنية ووعيه الثوري المجيد جاعلا أعظم قوة إمبريالية في القرن العشرين تركع وتستجيب لمطلب الشعب، مخلدا تلك الصورة البهيّة في التاريخ البشري عبر قانون بشري ذهبي مفاده "بطل واحد، الشعب".

لم ينزل الشعب الجزائري العظيم من السماء بل هو منحوتة جميلة نحت أركانها وتفاصيلها الإسلام وحب الوطن المغروس في المساجد والكتاتيب والمدارس وزين تلك المنحوتة موروث تجربة اجتماعية متراكمة للشعب الجزائري تحكيها الأجيال المتتالية، التجربة المريرة في مقاومة المستدمر بشتى الوسائل السلمية كانت، سواء عبر الحركة السياسية الوطنية أو بالمقاومة الشعبية أو بالثورة العسكرية والثقافية والسياسية المتعدية.

 
شعب بنته آي القران الكريم وأحديث المصطفى وصقلت شخصيته قيم وأخلاق الإسلام عبر تركيب اجتماعي عرف هويته الاسلامية العربية الأمازيغية فرفض التجنيس والإدماج والذوبان في ثقافة فرنسا خارجا من الاستعمار مهلالا منشدا "يامحمد (رسول الله) مبروك عليك الجزائر رجعت ليك".

  

جمهورية شعبية السلطة الأولى فيها للشعب والإرادة العظمى مستقاة من روح إرادته، اجتماعية جامعة لكل الأطياف والمشارب الفكرية والتوجهات الأيديولوجية حامية لحقوق الشعب

اليوم ينهض ذاك البطل العظيم –الشعب الجزائري- الذي لم ينم كما يصور له البعض بل سبق الشعوب العربية في خريف اكتوبر 1988، ثورة نقلت الجزائر من الأحادية والجزب الواحد الحاكم المتحكم في دواليب السلطة إلى التعددية الحزبية وحرية تأسيس مؤسسات المجتمع المدني والنقابات، نهض البطل الوحيد ليصنع نموذجا حضاريا عظيما آخر في القرن الواحد والعشرين، نموذجا للشعوب الثائرة ضد قوى الفساد والظلم والاستبداد في أوطانها المسلوبة المنهوبة من أبناء الوطن،أبناء وطن لم يستمدوا قوتهم من روح الشعب ولم ينالوا شرعية اختياره لهم، نموذج عظيم يصنعه الشعب الجزائري خلال حراكه الشعبي المبارك لبناء جمهورية جديدة الجمهورية التي أرادها الشهداء :

جمهورية شعبية السلطة الأولى فيها للشعب والإرادة العظمى مستقاة من روح إرادته، اجتماعية جامعة لكل الأطياف والمشارب الفكرية والتوجهات الأيديولوجية حامية لحقوق الشعب مساعدة له على اكتساب قوته والعيش الرغيد في حدود المواطنة والفاعلية الإنتاجية، ديمقراطية يكون فيها الشعب صانع الاستراتيجات والسياسات، شعب يختار من يحكمه فيجازيه ويسنده إن حقق الخير للوطن والتنمية والنهضة ويحاسبه إن أفسد وخان الأمانة، في إطار المبادئ الإسلامية التي تحكم هوية الشعب ودينه الحنيف من أجل تحقيق مبدأ العبودية الحقة لله والاستخلاف في الارض وعمارة الكون، من خلال إصباغ الحياة المدنية والاجتماعية والفنية والسياسية بقيم الاسلام ونظرته المتجددة للحياة.

صنع البطل العظيم – عبر مسيراته العظمى التي انطلقت يوم 22 فيفري 2019 عبر 3 جمعات متتالية ونحن مقبلون على الرابعة قصة جديدة تدرسها الشعوب في العالم في انتهاج السلمية والتحضر للمطالبة عن الحقوق بعيدا عن العنف،ليكون قدوة للشعوب لاستكمال بناء الوطن عبر استعادته من الفاسدين.

لقد نقل الشعب الجزائري الحالة السياسية من الضبابية المقصودة من النظام الجزائري بهدف غلق اللعبة السياسية أمام إرادة الشعب إلى فتح المستقبل على عدة سيناريوهات يعتبر فيها الشعب وإرادته مدخلا كبيرا من مدخلات اتخاذ القرار السياسي.

لقد جعلت الرسالة المنسوبة للرئيس -المنهية عهدته وعهده السياسي- الشعب الجزائري يخرج ليرفض الهوان والمذلة التي بقيت مكبوتة منذ العهدة الرابعة، العهدة الرابعة التي خرج لرفضها العديد من الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية التي نظمت نفسها وأنتجت وثيقة مزافران التاريخية التي فوتت السلطة برفضها لها فرصة الانتقال الديمقراطي المتفاوض عليه، لقد جعلت الرسالة كل الشعب الجزائري يخرج ليرفض سياسة فرض الأمر الواقع، تدخل الشعب ليقول أنه هو الوحيد مصدر السلطة وهو صاحب القرار الأول والأخير في اختيار مؤسساته وممثليه التي تكون على عظم مكانة الجزائر وثورتها وعظم هذا الشعب الأبي.

  

قد يكون الرئيس بوتفليقة لبّى ظاهريا مطالب الشعب لكن الشعب له رأي آخر، أن هذه القرارات لا تعدو أن تكون اختبار جديدا يقيس الوعي العالي الذي أظهرته جموع الشعب الجزائري
قد يكون الرئيس بوتفليقة لبّى ظاهريا مطالب الشعب لكن الشعب له رأي آخر، أن هذه القرارات لا تعدو أن تكون اختبار جديدا يقيس الوعي العالي الذي أظهرته جموع الشعب الجزائري
   

قدم الشعب الجزائري الدروس العداد التي يجب أن تدرسها الثورات والحركات الشعبية السائرة لبناء الأوطان والقضاء على الظلم والعدوان ولعل أهمها:
1- أن السكوت الشعبي والاستقالة السياسية للشعوب كانت المطية التي تركبها الأنظمة السياسية غير الشرعية للتحكم في واقع البلد ومستقبله والسيطرة في طاقاته وثرواته.
2- أن الشعب هو مصدر السلطة وهو البطل الوحيد الذي صنع ماضي الأمة ويبنى حاضرها ويطور مستقبلها
3- أن المجتمعات تنهض بعودتها لمصدر قوتها وبالتمسك بمقومات حضارتها ورموز هويتها وأن الوطن ليس الدولة ولا النظام السائد ولا رؤيته الضيقة المشوهة للوطن
4- أن الوطن ملك الشعب وأن مؤسسات الدولة هو منتج من منتجات الاختيار الشعبي
5- أن المجتمع الجزائري مجتمع واعي متحضر وأن طريق السلمية هو السبيل لاستعادة الوطن من أبناء الوطن وأن الحرية المسلوبة المنهوبة لا تستعاد إلا بعودة الوعي السياسي للشعب كما أن الحرية المسلوبة المنهوبة من طرف أبناء الوطن لا تستعاد بتكتل كل أبناء الوطن بتعدد مشاربهم وأفكارهم 
6- أن العنف ليس أداة قوة للشعب بل فرصة للأنظمة لسرقة الثورات والحراكات الشعبية والقفز عن مطالبها وتحوير غاياتها وتشويه مبتغى الشعب في الحصول على حقوقه.
7- أن الوطن ملك الجميع من كل الشرائح الأجتماعية والمشارب الفكرية والأيديولجية وأن مسؤولية بناءه هي مسؤولية الجميع 
8- أكد الشعب الجزائري أن لاصوت يعلو فوق صوت الشعب عندما يريد، وأن التلاحم الشعبي بصورته الحضارية التي رأيناها في المسيرات خلال مشاركتنا تعبر عن فخامة الشعب قبل فخامة الرسالة والمعالي.

قد تتعدد مناقب هذا الشعب وتتعدد دروسه في مدرسة العظمة وقد أكون بالغت في رأي البعض لكن من عاش هذه اللحظات العظيمة إلا أن قدرة الشعب الجزائري على فرض إرادته في كل مرة ينهض تجربة بشرية وحقيقة سوسيولوجية وجب أن تعطى حقها في الدراسة والتحليل بهدف النمذجة ومراكمة تجارب الانسانية في الانتقال الديمقراطي عبر استخدام قوة الشارع لكن في صورة جديدة تغلبت حتى على التجارب الغربية التي تصدع رأسنا بدعوى الفوقية والتحضر لتصمت هنيهة لتستمع لتجربة هذا الشعب العظيم.
 
قد يكون الرئيس بوتفليقة –كما يسوق له مطبلوه- لبّى ظاهريا مطالب الشعب لكن أرى أن الشعب له رأي آخر وأن هذه القرارات لاتعدو أن تكون اختبار جديدا يقيس الوعي العالي الذي أظهرته جموع الشعب الجزائري وفطنته الذي أنتجتها المحطات السياسية المتتالية والمراحل التاريخية المتعاقبة والوعود الكاذبة التي قدمتها السلطة، التجارب التي تصنع لنا اليوم سيكولوجية هذا الشعب الذي سيواصل مسيراته جمعة فجمعة ويراكم الانجاز تلو الآخر نحو جمهورية بيان أول نوفمبر المأمولة المرغوبة المطلوبة التي صنع بها جيل نوفمبر نموذجا في القرن العشرين ويصنع بها اليوم جيل نوفمبر جديد من أبناء حراك 22 فيفري و1 مارس و8 مارس و15 مارس نموذجا عظيما في القرن الواحد والعشرين عسى يكون عيد النصر لهذه السنة نصرا مؤزرا وفتحا مبينا لهذا الشعب البطل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.