خلقنا بأحلامٍ وردية مصيرها الانتهاء قبل الولادة، ظلمٌ في كل مكان، وحياة يملؤها البؤس والخوف من الغد، مرّ بنا الزمان واقفين على ناصية الهموم راجين منها أن تكون حُلماً، مضى بنا العمر ونحن نبحث عن قنديلٍ ونجمةٍ كي يوقد عتمته الَّتي أهلكتهُ، أبحرت سفينتنا فخرقتها صَّخرة فتحطمت وغرقت في بحرِ الأسى، ضعنا في طريقٍ مجهول، ووقعنا ضحايا في متاهة الحياة، ماتت آمالنا أمامنا ونحرت طموحاتنا وكنا لعبة بيدِ الحروب الظالمة وأحكام الطاغية.
سنواتٌ من التشريد والضياع والاحتلال لم تكن كافية في حق فلسطين، فتبعتها سنوات أخر من الحصار المشدد والإغلاق، اعتقالٌ واستشهاد في كل يوم، سياسات قمعية تمارس ضد الفلسطينيين في كل مكان، و3 حروبٍ متتالية كانت من نصيب قطاع غزة المحاصر، واغتصاب للحق والبيت والشجر وانتهاكات مستمرة بحق الأرض والوطن والقضية.
شبح الموت والجوع يجوب في الأرجاء خاطفاً أرواح من نجوا من الحرب، وطفولة مشردة وهروب ونزوح مستمر، هنا في اليمن إما الموت في الحرب أو الوقوع ضحية المجاعات والأمراض، حياة مهددة باستمرار أقل ما يمكن وصفه مكان ملئ بأموات على قيد الحياة، وأفواه جائعة مفتوحة تنتظر من يرأف بها ويسد جوعها.
معانات متفاقمة يُعَانَى منها في الأوطان العربية، وظروف قاهرة تحكم الكثير من البلاد العربية ألن تنطق كلمة كفى لهذا الإجرام والإرهاب والتجويع المنتشر في أوطاننا |
أما سوريا سنوات سوداء مظلمة قضت على معالم الحضارة فيها، حرب أهلية لم ترحم أحداً دمرت القرى وهجرت الأهالي تاركين موتاهم تحت الثرى، حرب يتمت النساء والأطفال وأنهكت الرجال، وبحر غدار أغرق كل من اختاره وسيلة للنجاة من الحرب، وأجساد صغيرة متجمدة من شتاء قارس لم يرحمهم، وتنمر واضطهاد يتعرض له الصغار والكبار لمجرد أنه سورياً، وعائلات مشردة ومتغربة خرجت من الحرب إلى مصير مجهول.
حروب أنانية مجنونة ولا منطقية، دمرت القلوب والعقول والنفوس، استوطنت النفوس خلسة استعبدت البشر وقتلت الإنسان والوطن، وشعوب هربت من بلادها وحاربت الموت بحثاً عن الحياة، فوجدت أبواب جهنم بانتظارها كانت تحلم بالسلام وما وجدت سلاماً، اختفى السلام تماماً تاركاً خلفه الثكلى، والمصابين، والأرامل، والأيتام، هنا وهناك خراب ودمار ودماء، صورٍ بشعة تقشعر الأبدان، وتدمي العيون والقلوب. انهارت الدول واستباحت الأرواح والدماء، فأصبح عالمنا مختلط باللون الأحمر والأسود، بدماء القتلى الأبرياء، بالحداد على الإنسانية المبادة، بالحداد على الضمائر البكماء، بالحداد على الأوطان التي اغتيلت، بالحداد على السلام المفقود.
ومعانات متفاقمة يُعَانَى منها في الأوطان العربية، وظروف قاهرة تحكم الكثير من البلاد العربية ألن تنطق كلمة كفى لهذا الإجرام والإرهاب والتجويع المنتشر في أوطاننا، ومتى يحين وقت استيقاظنا على السلام ونتحرر من الظلم والقمع والاستبداد. وأزمات سياسية طالت أغلب البلاد العربية فتحولت إلى قضايا إنسانية متأزمة نتيجة التهجير القسري هرباً من القتل والحروب والدمار والموت في بلادهم، لكن ليس هناك مهرب فالموت يحاصرهم من كل مكان، ما كانت تلك إلا وسيلة الهرب والنجاة من موت سريع إلى موت بطيء يقتل الروح قبل القلب.
أقل ما يمكن وصفه بحال الأوطان العربية مشاعر إنسانية أبيدت وضمير عربي أبكم وشيطان أخرس ساكت عن الحق، وقلوب ممتلئة بالقهر والجوع والخوف والظلم وليس هناك من ينطق بكلمة لا خوفاً من تكرر تجارب الأوطان المكلومة. تتعدد الأسباب والمصير المجهول واحد، مصير مجهول مفتعل من قبل مجرمين قتلوا الروح والوطن ولم يفرقوا بين إنسان أو حجر، أطفال حرموا طفولتهم وحملوا على كهولهم مسؤوليات أثقل منهم فأصبحوا حاملين همومهم بدل أحلامهم، وشباب أعدمت أحلامهم على أبواب مدينتهم، وحب ترك في الحرب وودع بدماء.
السلام في الوطن العربي شبح مطموس الملامح يظهر فى بعض الأماكن على استحياء، ويختفي من بعضها مخلفاً ورائه أبشع الصور اللاإنسانية على الإطلاق قد يظل لفترات طويلة مفقود وغاية غير مدركة، بالرغم من السلام المفقود في بلادنا لا زلنا نؤمن بأنه ليس مجرد أحلام نراها في المنام سيتحقق ما نريده لا ما تريده الحروب ولا الصراعات، وستبقى أمنياتنا على قيد حلمٍ لم يعرف البداية ويحلم بالنهاية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.