شعار قسم مدونات

بين صلاح الدين والمستعصم.. كيف تؤثر شخصية القائد على الدولة؟

blogs - حرب

تتكرر أحداث التاريخ وتتشابه وما بين الماضي والحاضر نتوقف نستلهم العبر، وقد استوقفني أن كثيرًا من الكتّاب يُرجحون سقوط بغداد لوحشية التتار وخيانة ابن العلقمي الخبيث وحده ولا ذكر لضعف الخليفة إلا إشارة ضعيفة، ولا يُنكر أن مشورة العلقمي كانت من أسباب المصيبة ولكن من صاحب الأمر؟ إنه الخليفة ولكنه شخصية ضعيفة مُغفّلة.

 

والخليفة المستعصم هو المسؤول الأول عن سقوط بغداد وعن كل ما حدث من بداية خلافته، وخطر المغول بجانبه وهو لا يُبالى. قال ابن كثير عنه: كان فيه لين وعدم يقظة يعنى ضعيف ومغفل رغم أنه قال إنه كان يحفظ القرءان ويحافظ على الصلاة. وهنا مربط الفرس في اختيار القيادة فصلاح الأشخاص لأنفسهم أما قوتهم وشجاعتهم ويقظتهم فهي للأمة.

   

والعجيب ما ذكره المؤرخ اليونيني عن اختيار المستعصم خليفة حيث قال: كان للمستنصر بالله أخ يعرف بالخفاجي يزيد عليه في الشهامة والشجاعة وكان يقول: إن ملكني الله تعالى أمر الأمة لأعبرن بالعساكر نهر جيحون، وأنتزع البلاد من يد التتر وأفنيهم قتلاً وأسراً وسبياً فلما توفى المستنصر بالله استبعد الدوادار والشرابي وقادة الدولة العميقة تقليدَ الخفاجى الخلافة خوفاً منه لما يعلمون من استقلاله بالأمر وقوته وحسمه وآثروا أن يليها المستعصم بالله لما يعلمون من ضعفه وانقياده ليكون الأمر إليهم. فتم تقليد المستعصم بالله الخلافة وانفردوا هم بإدارة الدولة.

  

وهنا نقطتان، الأولى وجود خيانة للأمة في ترقية شخص ضعيف للخلافة واستبعاد القويّ اليقظ الشجاع وسط طبول حرب تُدقُّ من المغول، الثانية وجود مراكز قوى في الدولة خائنة تعمل لمصلحتها فقط ولا تراعى مصلحة الأمة مطلقا وهو نموذج متكرر حيث يتم تولية من له ظاهر صلاح ولكنه ضعيف لتسيطر عليه الجماعة أو مركز القوى، والعجيب أن الناس في بغداد كانوا يرون خطورة المغول القريبة من الحدود واقترابها خصوصا مع حمْلة المغول العسكرية التي خرجت من عاصمتهم سنة 651 هـ/1253 م، إلا أن هذه الحقيقة التي رآها الجميع غفل عنها رأس الدولة الخليفة الغافل الغارق في الكسل والبلاهة.

  

في يوم جاءه الخبر عبر مخابراته بمؤامرة لخلعه حيث ضبطت رسالة من جوهر للصليبين داخل حذاء ملخصها أن جوهرُ قائد عسكر الفاطميين يخطط لخلعه بمعاونة الصليبيين لم يتردد صلاح الدين في القبض على جوهر القائد

يؤكد ذلك المؤرخ ابن الطقطقى في كتابه الفخري في آخر أيّامه المستعصم قويت الشائعات بوصول عسكر المغول صحبة هولاكو فلم يحرّك ذلك منه عزما ولا نبّه منه همّة ولا أحدث عنده همّا وكان كلّما سُمع عن هولاكو من الاستعداد شيء ظهر من الخليفة نقيضه من التّفرط والإهمال وتتبلور تلك الخيبة في قول المستعصم: لا خوف من المستقبل لأن بيني وبين هولاكو خان وأخيه منكو قآن روابط ودية ومحبة صميمية لا عداوة ونفرة وحيث إني أحبهم فلا شك أنهم يحبونني ويميلون إليّ، وأحسب أن الرسل قد بلّغوني عنهم كذبًا وإذا ظهر خلافٌ فلا خشية منه لأن كل الملوك والسلاطين على وجه الأرض بمنزلة جنود لنا، هل يُعقل هذا الكلام والمغول اجتاحوا الأرض حوله وقتلوا وسفكوا ودمروا بلاد المسلمين؟!

 

وتتشابه تلك الغفلة مع غفلة بعض من القادة واعتمادهم على دفع الجزية للأمريكان 500مليار دولار استلمها ترامب من السعودية وهو المعلن وما حدث من بعض القادة في توافقهم مع الطغاة والعسكر رجالة زي الدهب، ويؤكد ابن كثير في البداية والنهاية قمة الغفلة فيقول: وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتُضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى عرفة جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعًا شديدًا وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا مكتوب عليه الآتي إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة.

 

هل يَتخيّل عاقلٌ أن حاكمًا يرى العدو قد أحاط بالحكم للاستيلاء عليه وهو يزيد الستائر فقط، وهو نموذج لبعض من تصدروا للقيادة الذين تُحيط بهم الخطوب الشديدة ويُبادون قتلا وتشريدا فلا يهتمون إلا بالشكل الإعلامي ونظرة المجتمع الدولي، ورغم أن الأتابك دويدار الصغير والقائد العسكري سليمان شاه أشاروا على المستعصم بالإعداد للجهاد وأنهم مستعدون للشهادة والجهاد وإعداد الجند وأن المغول لا عهد لهم، إلا أنه لضعفه الشديد أخذ برأي الخائن العلقمي وذهب ذليلا للتفاوض مع هولاكو فكان جزاؤه قتل أولاده أمام عينه ووزرائه والشيوخ وسقوط الخلافة وبغداد ليشهد بحسرة وألم نتيجة ضعفه ثم ميتة بشعة مهينة بالرفس بالأرجل والخنق وإلقاء جثته في النهر. ليكتب مشهد موته إن لم تكن القيادة على قدر المسؤولية تسببت في مصائب للأمة وسقطت ألف بغداد.

  

على النقيض من ذلك نجد القيادة القوية اليقظة الحاسمة مع الخونة حققت انتصارات عظيمة للأمة، إنه القائد البطل السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي عندما تولى الوزارة في حكم الفاطميين لم يكن معه إلا جيش صغير من الشام وكانت الدولة الفاطمية قائمة برجالها الدولة العميقة وجيشها الكبير جدا والصليبيون يحتلون القدس والأقصى.

 

وفي يوم جاءه الخبر عبر مخابراته بمؤامرة لخلعه حيث ضبطت رسالة من جوهر للصليبين داخل حذاء ملخصها أن جوهرُ قائد عسكر الفاطميين يخطط لخلعه بمعاونة الصليبيين لم يتردد صلاح الدين في القبض على جوهر القائد في الدولة العميقة الفاطمية ويتبعه عسكر بعشرات الآلاف. ولا طلبه للحوار والمناقشة لتحقيق التوافق والحفاظ على الدماء والشرعية ابدا لم يفعل ذلك فهو هدفه القضاء على شرعية الدولة الظالمة بكل أركانها وجاءته الفرصة وقد اقتربت الساعات الأخيرة لحكم مصر فلم يتردد وبكل حسم على الفور كانت الخطة جاهزة وحاصر صلاح الدين جوهر وأمر بقتله رغم علمه بمكانته وما يمكن أن يتسبب قتله.

 

وكان جوهر كوزير الدفاع له عسكر تابعة له خرجت ثائرة في حوالى 50 ألفا من الجند وكان صلاح الدين مستعدا لذلك وهكذا تكون القيادة مستعدة بالخطط لمواجهة الأحداث ولا تقف متلعثمة مضطربة أمام الأحداث ولا تسلم لخصمها الذى يقوض هدفها السامي الأعلى تحت وهم الفتنة فأرسل لهم جيشُ الأيوبيين، وحاصرهم وقُتل منهم الكثير حتى استسلموا ولم تتوقف المؤامرات بعد أن حكم صلاح الدين وأعلن إنهاء الدولة الفاطمية وبداية عهد جديد.

 

فقد جاء الخبر من مخابرات صلاح الدين بكشف مؤامرة النخبة المثقفين يقودها الشاعر عمارة اليمنى مع بقايا أمراء ومعهم القاضي يعنى جيش وقضاء وشرطة ومثقفين جبهة الإنقاذ وأنهم اتصلوا بالصليبين وبالحشاشين الباطنية الإسماعيلية للانقلاب على صلاح الدين على الفور وبدون تردد أمر صلاح الدين بالقبض عليهم فتم القبض عليهم جميعا في وقت واحد واستفتى صلاح الدين العلماء والفقهاء فافتوا بقتلهم جميعا وعلى الفور أصدر صلاح الدين قراره بقتلهم جزاء خيانتهم وعندما علم بخطة ارناط لضرب الإسلام في مقدساته أصدر قراره السريع بتعقب مراكب الصليبين في البحر الأحمر فتم الاستيلاء على مراكبهم ولم يبق احد منهم حتى لا يدل على الطريق لمكة والمدينة وقاد الأمة للنصر على الصليبين في حطين ولم ينسى ارناط فقتله بيده بالسيف عقابا له على تعرضه لقوافل الحجاج والمقدسات ويحرر المسجد الأقصى بعد أن ظل 88عام تحت الاحتلال الصليبي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.