شعار قسم مدونات

ماذا لو لم نخرج في الثورة؟.. خواطر عربي أنهكته الثورات!

blogs - الربيع العربي

هل أنت عربي؟ نعم! أتريد أن تعيش بسلام في وطنك! لا تريد أن يصبح أولادك أيتام! إذاً لا تحلم. اكتفي بما لك الآن، اذهب إلي عملك صباحاً، ثم عُد إلى بيتك وأنت تحمل لأطفالك الطعام، ثم اجلس معهم في الليل لتحكي لهم قصص حكامنا العظماء وحروبهم المجيدة في محاربة الإرهاب. علِمهم المشي بجانب الحائط، أخبرهم عن المستقبل المُبهر الذي ينتظرهم، افتح لهم التلفاز على قناة وطنية ليروا على شاشتها بلادهم جنةُ تجري من تحتها الأنهار. لكن إياك أن تُحدّثهم عن حقوقهم في وطنهم، إياك أن تحدّثهم عن حقهم في إبداء رأيهم، ليكن شعارهم في الحياة هو المثل المصري الشهير: "عيش نملة تآكل سكر".

دار حوار بيني وبين صديق سوري وآخر فلسطيني، يقول صديقي السوري: خرجنا في الثورة كما الجميع نطالب بإسقاط النظام وتحسين الأوضاع المعيشية، وكنا نرددها دائماً "سلمية"، ليتم الرد علينا بقصف من الطائرات بالبراميل المتفجرة وخنقنا بالأسلحة الكيماوية، لتموت أمي في غارة غادرة لطائراتهم، ثم يحرموني من أبي باعتقاله ليعلمونا بعد ذلك بأنه قد مات من ضمن الآلاف اللذين قتلوا في سجونهم. تدهورت أحوالنا المعيشية واضطررنا للهروب والفرار من بلادنا لنعيش كاللاجئين على الحدود بين البلدان، فلا يقبلنا القريب ولا البعيد، لنبقي في المخيمات يأتينا الموت من كل مكان.

سيكون في استقبالنا مسؤولي الدول أنفسهم، سنترك الحروب والموت الذي ينتظر للانقضاض علينا، سننسي لون الدماء ولن يذكّرنا به سوي لون الورود الحمراء التي سنراها في بلدنا الجديدة

في الشتاء يُجمّدنا الثلج الذي لا يعرف الرحمة، الثلج الذي يجمّد الدم في العروق، لتقف أجهزة الجسم واحداً تلو الآخر، حتى يتحول غطاء الثلج الأبيض إلى سواد كاحل بالنسبة للضحية فلا يري غيره بعد ذلك. ماذا لو لم نخرج في الثورة وبقينا كما بقي هؤلاء أتباع الأنظمة؟ هل كنا سنعيش في سلام وأمان عن الآن؟ فماذا لو كنا أتباع دينٍ آخر؟ أظن أننا سنعيش في أمان أكثر، سيتم استقبالنا بحفاوة من المجتمع الدولي، سنتصدر المشهد وستتسابق منظمات حقوق الإنسان للدفاع عنّا. سنصبح حديث الإعلام ونتصدر عناوين الصحف، وستفتح لنا الدول حدودها وتمنحنا حق العيش كمواطنين لديها..

سيكون في استقبالنا مسؤولي الدول أنفسهم، سنترك الحروب والموت الذي ينتظر للانقضاض علينا، سننسي لون الدماء ولن يذكّرنا به سوي لون الورود الحمراء التي سنراها في بلدنا الجديدة. سيكبر الطفل بين أبويه غير يتيم الأب أو الأم، سيذهب إلى مدرسته ويعود بأمان دون أن تصيبه رصاصة طائشة، أو قصف غادر لنظام يتغذى على الدماء، ستُطرب أذاننا بالموسيقي بدلاً من أصوات الرصاص وصرخات الأطفال والأمهات، في النهاية: "سنحيا كراماً". انتهت كلمات صديقي ودموعه تملأ عينيه، وبدأ صديقي الفلسطيني كلامه متسائلاً: ماذا لو لم نقاوم الاحتلال؟ ماذا لو تقبّلنا وجودهم على أرضنا وسلبهم لها؟ هل كنا سنعيش بسلامٍ بعيداً عن كل هذه الحروب والدماء؟

لو فعلنا ذلك لكان أخي حياً اليوم ولم تكن ستصيبه تلك الرصاصة التي غزت قلبه مثل ما غزي مطلقها أرضنا، لكنت اليوم أعيش في بلدي وأتنعم في خيرات أرضي. اليوم أنا تركت فلسطين والأصح أن أقول إني تركت الموت وخرجت لأرى جمال الحياة ولأتنفس الهواء بدلاً من تنفس دخان القنابل. سأدرس ما أشاء وأتزوج ممن أريد، وسأربي أطفالي في أمان، لن يُعاني أطفالي مما عانيت أنا، سيمرحون ويخرجون ويفعلون ما يريدون دون خوفٍ من موت سيهطل عليهم من طائرات الاحتلال أو من رصاصة جنديٍ لا يُعرف أصله، في النهاية: "سنحيا كراماً".

ليأتي عليّ الدور في الحديث، فأتساءل أيضاً: ماذا لو فعلنا مثل الفتاة السعودية رهف؟ التي تركت الإسلام واستقبلتها كندا بكل ترحيب وحب. هل سنتخلص من كل هذه المتاعب؟ نحن لن يرانا المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إن بقينا هكذا، سنتجمد في الثلوج على الحدود، ستشعل سيدة النار في جسدها هي وأولادها ولن يتحدث عنها أحد. سيموت الأطفال جوعاً جراء حصار جيرانهم لهم، سيقصفنا الاحتلال، سنموت في السجون دون أن يسمع عنّا أحد، سيتم تصفيتنا بدم بارد دون أن تتحرك أي منظمة للدفاع عنّا، سترفضنا الدول والحكومات وستضيق الأرض بنا زرعاً، وسيصبح الموت هو أملنا جميعاً. الشيء الوحيد الجميل في الموضوع أننا يا إخوتي قد جمعتنا الهموم بعد أن فرقتنا الحدود.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.



إعلان