شعار قسم مدونات

الناصر محمد بن قلاوون.. سلطان مصر الذى قهر العسكر

blogs قلاوون

سلطان مصر الذي قهر العسكر الناصر محمد بن قلاوون، دهاء وصبر وقوة. هو مصري من مواليد القاهرة في قلعة الجبل عام 683 هجرية تولى الحكم وعمره 10 سنوات عام 693 هجرية عقب مقتل أخيه الأشرف قلاوون على يد العسكر ولكنه كان حكما صوريا فالعسكر المماليك كانوا هم الحاكم الفعلي ولم يمر عام إلا واستولى قائد العسكر كتبغا على الحكم تماما وعلى إدارة البلاد بانقلاب عسكري قتل فيه رئيس الأركان سنجر الشجاعى ونفى السلطان الصغير إلى قلعة في الكرك وشهد عهد كتبغا أزمة اقتصادية حادة ومجاعة أهلكت 20 ألف مصري.

 

وما لبث أن قام رئيس الأركان الجديد حسام الدين لاجين بانقلاب أطاح بكتبغا وأعلن نفسه حاكما لمصر ولكن الخلافات بين العسكر المماليك كانت شديدة فأضعفتهم وكانت اتصالات الناصر بفريق من العسكر لم تنقطع ونجحت في تحقيق انقلاب على لاجين من العسكر الموالين للناصر محمد بن قلاوون فقتلوا حسام الدين لاجين ومما يذكر أن لاجين كان شريك في قتل الاشرف قلاوون شقيق الناصر وقتلوا نائبه معه وأرسلوا للناصر محمد بن قلاوون فعاد للسلطنة والحكم عام 698 هجرية وعمره 15عام وشهدت هذه الفترة صراعا شديدا علنيا وخفيا بين العسكر المماليك للسيطرة على الحكم وقد تزامنت مع انتصار السلطان على المغول في معركة شقحب والصليبين قرب طرابلس مما زاد من حب الشعب له الذى كان محبا لأبيه وله ولما وصل إلى سمع الشعب المؤامرات ضد الناصر خرج هتف في الشوارع للناصر بن قلاوون يا ناصر يا منصور الله يخون من يخون بن قلاوون وكان على رأس قادة العسكر الطامعين في الحكم القائدين العسكريين بيبرس الجاشنكير وسلار الذين عملا على نزع سلطة السلطان الناصر وتقييده وجعلوه على الكرسي فقط لكن لا يحكم ثم قاما بانقلاب عسكري ضده في عام 708 هجرية.

إعلان

رغم ملكه وثرائه مسح وكنس الكعبة والطواف بيده وحج بين الناس واليوم إذا حج أحدهم وسط حراسة بالمئات وبالغ في إكرام الحجاج وأحسن إلى أهل الحرمين، وأبطل المكوس من الحرمين وأكثر من الصدقات

فانعزل الناصر بن قلاوون في الكرك ولكنه صبر ولم يستكين لعزله وبدهاء شديد وثق صلاته بقادة من العسكر الموالين له ثم عاد لمصر بقوة عسكرية عاد الناصر إلى القاهرة منتصرًا أواخر عام 709 هـ، وفرح الشعب به وخرج لاستقباله محتفلا به، وكان أول قرار للسلطان الناصر محمد بن قلاوون القبض على المجلس العسكري المملوكي الذين هربوا فتم قبض عليهم وألقى بهم في السجون وأصدر أوامر خاصة بالقبض على بيبرس الجناكشير فتمت مطاردته وحُمل مقيدا إلى الناصر، وذكَّره بكل ما سبق منه بحقه. ثم أمر بقتله صبرًا بين يديه (وبيبرس الجناكشير هو الذي في عهده سجن الإمام ابن تيمية).

وأما الأمير سلار فقد خطط له السلطان الناصر بدهاء شديد فقد كان له اتباع من العسكر يتابعونه فولاه الشوبك بالأردن ثم أرسل اليه يطلبه إلى القاهرة وعند دخوله القاهرة تم القبض عليه ومصادرة أمواله وذكرت بعض كتب التاريخ ان الناصر انتقم من تقتير وبخل سلار عليه في النفقات أيام حيث كان يمنع عنه أي طعام يشتهيه عندما كان نائبًا له وهو صغير انتقامًا أصبح مثالا في التاريخ بأن حبسه في برج القلعة، ومنع عنه الطعام لأسبوع حتى تضوَّر جوعًا، ثم أمر بإدخال سفرة عليها ثلاثة أطباق إلى محبسه، فلما رآها سلار حسبها طعامًا وفرح للغاية، لكنه ما لبث أن تلقى صدمَةَ عمره عندما كشف الأطباق، فكان بأحدها ذهب، وبالآخر فضة، وبالثالث بعض الجواهر، فعلم سلار أن الناصر لم ينسَ بخله عليه، ولبث أيامًا يصارع الجوع، حتى وجدوه ميتًا في محبسه وقد أكل قطعًا من نعله… وقد عمد السلطان الناصر طوال فترة حكمه بعد ذلك على عدم تمكن أي قيادة عسكرية من المماليك من أن تتوسع أو تهيمن فقهرهم و كان يطيح بكل من تتطلع راسه إلى الحكم دائما في السجون فلم ينجح طوال 32عام أي انقلاب عسكري ضده.

وكانت فترة حكمه التي دامت 32 عام من أفضل فترات حكم مصر حيث ألغى الضرائب على الشعب وزاد ثراء مصر والشعب واتسع ملكه ووصل إلى المغرب العربي والسودان والجزيرة العربية والعراق والشام وارمينيا وخطب وده كل حكام العالم. وزادت النهضة والعمران في عهد هبصورة لافتة جدا وقضى على الفتن سواء العربان أو النصارى الموالين للصليبين في مصر وأرسل اليه ملك للصليبيين يطلب بيت المقدس فغضب الناصر غضبا شديدا وطرد الرسل قائلا لهم لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم وحدث في عهد الناصر محمد بن قلاوون أن أرسل ملك قشتاله في الاندلس هدية فيها ثوب وسيف وطارقة مستطيلة تشبه النعش كأنه يقول اقتلك بهذا السيف واكفنك في هذا الثوب واحملك في هذا النعش.

إعلان

ولكن الناصر محمد فهم ما يرمي إليه ملك قشتاله من سوء نية فأرسل اليه هدية عبارة عن حبل أسود وحجر، وهو يعني انه كلب يرمي بهذا الحجر أو يربط بهذا الحبل.. أشاد بحكمه وعدله ابن بطوطة وابن اياس. ويذكر المقريزي أن الناصر: "كان فيه تؤدة، فإذا غضب على أحد من أمرائه أو كتابة أسر ذلك في نفسه، وتروى فيه مدة طويلة، وهو ينتظر له ذنباً يأخذه. ويضيف حتى لا ينسب إلى ظلم ولا حيف، فإنه كان يعظم عليه أن يذكر عنه أنه ظالم أو جائر أو فيه حيف" وقد أمر الناصر بمنع ضرب المتهمين وكان يحضر مجلس العدل يستمع لشكاوى الناس، وقد بلغ عهده حد من الثراء الفاحش ولكنه كان مقتصدا في ملابسه رغم كرمه الكبير على مماليكه والناس حتى بلغ أن الأهالي كانوا يتسابقون ان يكون ابنهم من مماليك الناصر.

 
في عام 718 هـ خرج الناصر محمد بـمحمل كسوة الكعبة إلى مكة المكرمة للحج. ودخل مكة بتواضع وذلة ولما دخل الحرم كنس مكان الطواف ومسحه بيده، ورفض أن يطوف راكباً قائلاً: ومن أنا حتى أتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم والله لا أطوف إلا كما يطوف الناس وأمر الحجاب بألا يمنعوا الناس من الطواف معه، فصار الحجاج يزاحمونه وهو يزاحمهم كواحد منهم في مدة طوافه وفي تقبيله الحجر الأسود. وغسل الكعبة بيده.

أين حكام اليوم المتجبرين الظالمين من الناصر محمد؟، رغم ملكه وثرائه مسح وكنس الكعبة والطواف بيده وحج بين الناس واليوم إذا حج أحدهم وسط حراسة بالمئات وبالغ في إكرام الحجاج وأحسن إلى أهل الحرمين، وأبطل المكوس من الحرمين وأكثر من الصدقات. وبعد قضاء مناسك الحج توجه إلى المدينة المنورة ودخلها ماشياً وهو حافي القدمين، ووزع الأموال على الفقراء والمحتاجين.

 

وفي طريق عودته إلى مصر توقف في خليص ليعاين توصيل المياه إلى بركتها حيث كان وهو في مكة قد أمر بملء بركتها بالماء وعين مال لذلك خدمة للحجيج الذين كانوا يجدون شدة من قلة الماء بها أثناء سفرهم قال ابن تغرى بردى في النجوم الزاهرة (فهو أطول الملوك زمانا وأعظمهم مهابة وأغزرهم عقلا وأحسنهم سياسة وأكثرهم دهاء وأجودهم تدبيرا وأقواهم بطشا وشجاعة وأحذقهم تنفيذا؛ مرّت به التجارب، وقاسى الخطوب، وباشر الحروب، وتقلّب مع الدهر ألوانا؛ وهو من أجلّ الملوك وأعظمها بلا مدافعة، ومن ولى السلطنة من بعده بالنسبة إليه كآحاد أعيان أمرائه).

إعلان

رحم الله الناصر محمد لقد حقق معادلة صعبة في الحكم تمثلت في قهر العسكر الطامعين في الحكم وحب الشعب له والنهضة والعمران والتوسع والثراء توفى الى رحمة الله عام 741 هجري عن عمر 57 عام وحاكم مصر اليوم هو مثل كتبغا والجناكشير الذي حكم بانقلاب ويعيش الشعب في ضنك وتقلصت مساحة وسيادة مصر ولقبه بلحة، أما الناصر محمد بن قلاوون فلم تشهد مصر ثراء ولا ملكا عظيما وصل إلى أرمنية مثله وكان لقبه ابو المعالى وابو الفتح.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان