شعار قسم مدونات

هل يمكن التخلي عن مواقع التواصل الاجتماعي؟

blogs مواقع التواصل الاجتماعي

حين يمارس الإنسان شيء معيناً، يصبح مع مرور الوقت من الصعب عليه تركه أو التخلي عنه، أو هكذا يعتقد، فينطبق هذا مثلا على المدخنين، أو من اعتاد السهر أو النوم مبكراً… الخ.، لكن في الحقيقة لا يوجد شيء لا يمكن التخلي عنه، فهي أوهام نزرعها في رؤوسنا، ونسكت بها أنفسنا عند محاولة التخلي عن إحدى تلك العادات. 

مواقع التواصل الاجتماعية هي إحدى تلك العادات التي يعتقد أصحابها أو مرتاديها أنهم لا يستطيعون التخلي عنها، وخصوصاً بعد التغيير الذي تحدثه أو أحدثته تلك المواقع في أصحابها أو على مستوى الجماعات عموماً. فالمواقع الاجتماعية، تعتبر ملاذ المسافر، وكذلك وصلت الربط بين الأصدقاء والمعارف والاقارب، وهو المرجع الرئيسي عند الكثير لمتابعة الأخبار، وكذلك تعتبر وسيلة التسلية الأجمل والأفضل لدى البعض، ومن هنا ربما أتت تلك الأوهام والأفكار..

لماذا يفكر البعض بالتخلي عن مواقع التواصل الاجتماعية؟
ما تقوم به تلك المواقع من استبدال التواصل الحقيقي بآخر وهمي، حيث يعتقد الفرد أنه بمجرد أن ألقى التحية – تحية فيسبوكية- من خلال تعليق، فهو بذلك قام بالتواصل

تقوم فكرة المواقع الاجتماعية على تبادل الرسائل والآراء بين الأفراد والتواصل فيما بينهم دون الحاجة إلى الاتصال المباشر، وكذلك توفير التسلية لدى مرتادي هذه المواقع، وعقد الصفقات التجارية ونشر الاعلانات، هذه – على ما اعتقد – هي فكرة تلك المواقع! لكن في الحقيقة ما يحدث الآن من مهازل على تلك المواقع، وخصوصاً "الفيس بوك" يجعل الواحد، يفكر وبشكل جاد بالتخلي عنها. 

يقضي الفرد العادي جُل وقته في تصفح تلك المواقع، من خلال الوسائل المتاحة، فلربما كان من خلال "اللابتوب" أو الكمبيوتر العادي، وفي الغالب من هاتفه النقال، فهو – أي الفرد- يستخدم تلك المواقع في العمل وأثناء ركوب المواصلات وفي وقت الفراغ وحتى في بيت الخلاء!، وعندما نقوم بالسؤال عن الفائدة الحقيقة أو الفعلية التي جناها هذا الفرد من كل تلك المدة الطويلة التي قضاها في تصفح هذه المواقع، لا نجد شيئا يُذكر! 

وفي ظل هذه المواقع (التواصل الاجتماعي)، أصبح مرتاديها لا يهنئون في حياتهم، فالحياة تصبح في ظل هذه المواقع مصطنعة وغير حقيقة، تفقد الفرد كل متعة، فعلى سبيل المثال، عند الخروج في نزهة، أصبح هم الواحد هو التقاط الصور، لا، من أجل الصور ذاتها، أو من أجل المتعة أو الاحتفاظ بها للذكرى، بل أصبح الهم الرئيسي هو تحميلها على تلك المواقع -الفيس بوك- مثلاً، ومن ثم الحصول على اعلى عدد من التعليقات والاعجاب. بالإضافة إلى ذلك، وهو ما تقوم به تلك المواقع من استبدال التواصل الحقيقي بآخر وهمي، حيث يعتقد الفرد أنه بمجرد أن ألقى التحية – تحية فيسبوكية- من خلال تعليق، فهو بذلك قام بالتواصل، ولا داعي إذاً من اللقاء والتواصل المباشر، إلا في المناسبات الكبرى، وهذا يحدث أيضاً داخل الأسرة الواحدة.

والازدواجية الغريبة التي يتمتع بها كثير من هؤلاء -الفيس بوكين- فمثلاً تجد الواحد منهم على تلك المواقع وهو في غاية الاناقة، وغاية اللطف والتعقل والثقافة، وتراه يفيض حكماً ومواعظ، وغيرها من الصفات البراقة، إلا أنه وفي الواقع -في كثير من الحالات- لا نجد شيئا من ذلك! ومن اغرب الغرائب، هو أننا نعلم حقيقة هذا الفرد بشخصيتيه (الواقعية والفيسبوكية) ولا نبدي أي ملاحظة على ذلك! وإلى جانب ذلك، هو تلك الدراسات والأبحاث التي ظهرت وتظهر بين الحين والأخر، والتي تؤكد جميعها على سلبيات تلك المواقع وما تتركه في شخصية مرتاديه. 

ولن أكون مثالياً في قول إن استغلال الوقت المستهلك على تلك المواقع، في قراءة كتاب مثلاً، فقد سمعنا عن قيام الكثير من مرتادي هذه المواقع بقياس الوقت الذي استهلك على تلك المواقع في إحدى تلك السنوات، وكيف تم قراءة الكتب بنفس الوقت الذي استهلك على تلك المواقع، وبالتالي الخروج بنتائج مذهلة حيث استطاع هؤلاء الخروج بعشرات الكتب سنوياً، وبالطبع، ما يترتب على ذلك من ثقافة شخصية، وزيادة في الوعي والإدراك وتنمية للعقل… الخ. 

ولا ندعي أن هذه المواقع سيئة بالعموم، فبالطبع يمكن استغلالها بشكل إيجابي، لكن، وللأسف، قليلون من يفعلون ذلك. فالكلام هنا عن العادة السارية بين أغلب مشتركي مواقع التواصل، وما أحدثته في أفراد كثير من المجتمعات، من جعل الجاهل عالم، بليلة وضحاها، أو الشهرة التي اتاحتها تلك المواقع لمن هب ودب، للصالح والطالح. وأخيراً، كان لابد من الإشارة إلى أن سبب تركيزنا على "الفيس بوك" دون المواقع الأخرى، هو بسبب شهرته الاوسع من بين كل تلك المواقع. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.