شعار قسم مدونات

عندما يصبح الدكتور بائع خبز.. قصة الموظف اليمني

blogs اليمن

لا أحد في العالم لا يتمنى وظيفة لينعم بالاستقرار في حياته، إلا في بلاد فقط بات مصلح الوظيفة نذير شؤم، ويشار إليه بعدم الاستقرار، وهو في اليمن وحسب. باتت الوظيفة في اليمن جعبة من جعب البطالة، وأصبحت مصيبة يحملها الموظفين على عواتقهم. في ضل قبح الحرب قد يبدل القبيح بالجميل، وتنعكس الموازين وتتغير الأحوال إلى الأسوأ لا لشيء غيره.

كما هو معتاد عند العالم أجمع كان اليمنين في عهد الرئيس صالح يبحثون عن الوظائف، ومن حصل على وظيفة كأنه أمتلك الدنيا بما فيها، وبالرغم من أن الرواتب التي كانت تصرف لهم ضئيلة إلا أنهم كانوا يرضون بقدرهم، لأنهم كانوا في ذلك الوقت يعتبرون من الطبقة المتوسطة. وكان الناس في ضل حكومة صالح محدودين الوظائف، وهم أولئك الذين يمتلكون واسطة -وساطة- في الدولة. ومن حصل على واسطة فقد فاز بوظيفة آنذاك. وبسبب مشكلة الواسطة التي كانت من أولويات حكومة صالح ضلت البطالة قائمة على قدم وساق، ما دفع الشعب إلى الثورة. جاءت الثورة، ودخلت اليمن مرحلة الحرب، وازداد الطين بلة. 

اليمن حالة معقدة عجز المجتمع الدولي عن حل مشكلتها، ولن يستطيع حل المشكلة سوى الشعب اليمني فقط.. يستطيعون حل المشكلة حين يعرفون أنهم يستحقون العيش والبقاء كرماء النفس

كان مطلب الثورة صحيحاً وعادلاً وكان لابد من دولة عادلة، حيث نجد الدولة ملك للجميع وليست وكأنها في مكنون أفراد، حيث تجد ناس في منطقة منفردون بشيء ما في الدولة، أو أن تجد بضرب المثل منهم من منطقة أخرى مستحوذين على الضرائب، وتجد كل مجموعة لا تتعدى حدود الأسر منفردة بشيء، فباتت الدولة ملك بضعة بشر حتى لو كانت مؤهلاتهم لا تسمح بذلك. ومطلب الثورة كان كما قلنا عادلاً، وقام بمعارضته من لم يجده عادلاً له حتى ولو أنه في صالح الشعب، فكان مجيئ الثورة شيء حتمي ما دام مطلبها الأهم هو العدل والمساواة ما بين أفراد الشعب، فمن هو من مدينة لا يقل عن أخرى. وهذا هو مشروع الرئيس هادي الذي يطالب بدولة اتحادية من ستة أقالم. ومن ليس على رضا بالأقاليم هو من لا يريد لليمن أن تكون مزدهرة..

بعد فترة بسيطة من الحرب كان القدر يخبئ أخبار لا تبشر بخير بالنسبة لذوي الوظائف. كان الموظفين حتى بداية الحرب يتقاضون رواتبهم كاملة، وبسرعة فائقة كان يتم إعطائهم نصف راتب، لتأتي فترة أصعب حرموا فيها من رواتبهم بشكل كامل، والمشكلة أنهم أجبروا على ممارسة أعمالهم في فترة أشد بؤساً. أتت تلك الفترة لتضمهم إلى قائمة البطالة، ليرتفع معدلها إلى 70 بالمائة أن لم يبلغ 99 بالمائة!

وراح الجميع ليبحثوا عن أعمال، غير أن البحث عن العمل بات صعب، ففي ضل الحرب تكاد الأعمال أن تكون شبه متوقفة. غير أن هناك من فر بنفسه إلى الغربة، وعدد المغتربين اليمنيين في المهجر كما أحصي عددهم 7 ملايين مغترب. وللمغتربين في الخارج أسر يعولونها في الدخل، وساعد ذلك في تخطي أزمة الحرب قليلاً. وبقي أصحاب الوظائف لا يجدون قوت أسرهم لينزلوا من الدرجة المتوسطة إلى الدرجة الأدنى، والدرجة الأدنى على حد تعبيري لا تجمع سوى الناس الذين يعانون من البطالة في مختلف بقاع الأرض، وهم أولئك المتيهين في الأرض. 

ومن الصعب أن تجد المعلمين يدرسون في المدارس بلا رواتب، وفي بعض المدارس يقوم الطلاب بجمع المال بهدف إعطاء مدرسينهم رواتبهم. أما البقية فأنهم كما قلنا عاطلين متيهن، والمصيبة أن تجد دكتور أصبح سائق تكسي، ودكتور آخر بات خبازاً بدرجة الشرف، وبروفيسور بائعاً متجولاً يتقاضى بضعة قروش! وهذه ليست مزحة أو أنها من محض الخيال غير أنها حقيقة وحدث في اليمن مع دكاترة يدرسون في جامعات حكومية منها جامعة صنعاء. 

اليمن حالة معقدة عجز المجتمع الدولي عن حل مشكلتها، ولن يستطيع حل المشكلة سوى الشعب اليمني فقط.. يستطيعون حل المشكلة حين يعرفون أنهم يستحقون العيش والبقاء كرماء النفس. والبطالة والجوع والتشرد هي الطريقة الوحيدة التي يستطيعون حل مشكلتهم من خلالها. الثورة لكرامة النفس أتيه لا محال، وثورة الجياع هي التي ستشبع اليمنيين بالكرامة والعزة ورغد العيش.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.