شعار قسم مدونات

لهذه الأسباب نحن بحاجة شديدة لممارسة القراءة

blogs قراءة

تستعد مدينة الدار البيضاء لتنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الخامسة والعشرين في الفترة الممتدة بين السابع والسابع عشر من فبراير الحالي، فمن ناحية يشكل هذا المعرض فرصة أمام عشاق القراءة ومحبي المطالعة، لكي يقتنوا مستجدات الساحة الأدبية والفكرية، ومن ناحية أخرى يشكل فرصة أمام دور النشر لعرض وبيع الكتب والروايات وما إلى ذلك، ومن ناحية أخرى يضعنا تنظيم هذا المعرض أمام إشكالات مرتبطة بمدى الإقبال على اقتناء الكتب من طرف الزوار، بالإضافة إلى نسبة الاهتمام بالقراءة والمطالعة، كما أن هذا المعرض يكشف بالواضح ما يمكن تسميته  بموضة القراءة، إذ أن القراءة باتت مجرد موضة يمارسها البعض للتباهي بما يقرؤون، أو بما يدّعون أنهم يقرؤونه، والحقيقة أنهم يقتنون بعض الكتب من أجل الظهور في صورة ذلك المثقف المختلف والمتخلف في نفس الوقت، ويميط المعرض كذلك اللثام عن الفئة التي تأتي إلى المعرض ليس من أجل اقتناء الكتب، بل من أجل التحرش وأخذ صور للذكرى، وهذا قد لا يتناسب مع ثقافة القراءة.

 

هكذا يضعنا المعرض الدولي للنشر والكتاب أمام عدة إشكالات تخص الجدوى من تنظيم هذا المعرض وسط مدينة معظم سكانها لا يكترثون لفعل القراءة، ودولة تؤكد الإحصائيات أن معدل القراءة فيها لا تتجاوز المستويات الأدنى، ولعل الواقع يؤكد أن ممارسة القراءة والمطالعة هي آخر ما يفكر فيه الشعب المغربي، فإذا كان هذا الشعب مرهقا بمشاكل لا تدع له من الوقت ما يكفي لحب القراءة والمطالعة، فإنه لا يوجد أي مبرر يمكن أن يجعل الشخص لا يهتم بتثقيف ذاته واستكشاف مستجدات الكتب، وإذا كانت الظروف هي التي ساهمت في هذا الواقع الذي ينفر من الكتاب، فإن المسألة باتت تفرض أن نضع المسألة نصب أعيننا لنرى مكامن الخلل، ولكي نبحث عن حلول من شأنها أن تشجع على القراءة وأن تعيد الحياة إلى الكتاب وسط هذا المجتمع.

 

ترتقي المجتمعات بالقراءة والمعرفة، وتتقهقر بالجهل وبالنفور من الكتاب وبممارسة التفاهات، وانطلاقا من هذا المعيار يمكن القول إن حال مجتمعاتنا ما ينفك يتقهقر نحو المجهول

لا يمكن أن ننكر حقيقة أننا مجتمع لا يقرأ، وتلك الأقلية التي تمارس فعل القراءة لا تكفي لكي نغير من هذا الحكم، وقد نبالغ في القول إذا قلنا بأننا بتنا نستحي أمام حمل كتاب أو بالأحرى ممارسة المطالعة، ولعل القراءة تستدعي نوعا من الممارسة المستمرة من أجل أن يصبح المرء مدمنا عليها، وما أجمل ذلك، لكن الواقع صادم من هذه الناحية، إذ يصبح النفور من الكتاب هو العنوان العريض لدى الأغلبية، فمعظم المغاربة لا يهمهم فعل المطالعة بل إنهم ينفرون منه، فما بالك بممارسة الأمر بشكل مستمر، كما أنه من الناذر جدا أن تجد شخصا يمارس القراءة بكل اهتمام، وحتى رواد المقاهي، خصوصا أولئك الذين يتظاهرون بقراءة الجريدة، هؤلاء لا يمكن درجهم ضمن القراء، لأن قراءة الجريدة ليس معيارا يؤكد على أننا مجتمع يقرأ.

 

إذا كان المعرض الدولي للنشر والكتاب يشكل فرصة مهمة لكل من يرغب في اقتناء الكتب، فإنه لم يعد كذلك بالنسبة للبعض، إذ يذهبون إليه لممارسة أفعال أخرى كالتحرش والتقاط الصور والظهور بمظهر المثقف الذي يلتهم الكتب، ومع الأسف هذا هو حال معظم المغاربة الذين لا يهمهم اقتناء الكتب من أجل قراءتها، كما أن الرغبة في القراءة لا تثيرهم، ولا يجعلون من الكتاب خير أنيس، بل إنهم منشغلون بما لا يسير مع منوال تنظيم معرض من هذا النوع، دون أن ننسى أولئك الذي يقتنون بعض الكتب الرخيصة، في حين أنهم لن يقرؤوها، وهذه الإشكالات تأتي نتيجة غياب ثقافة القراءة في مجتمعنا، وهي ثقافة كان لزاما أن يتم تربية الأفراد عليها في سن مبكرة، لكن واقع الحال ليس كما نشتهي، والحال أن فعل القراءة لن يشغل بال مجتمع غارق في التفاهة.

 

لقد تفشى الجهل في المجتمع كثيرا، وأخذت التفاهة مساحة واسعة جدا، فكان طبيعيا أن نتحدث عن مجتمع لا يقرأ، ومهما كانت الظروف التي ساهمت في جعل هذا المجتمع يعيش هكذا بعيدا عن الكتاب والمطالعة، فإن السبب الأساسي الذي أوصل الأزمة إلى ما هي عليه يتحملها الأفراد، فكما نجد وسط هذا المجتمع مجموعة من الأفراد استطاعوا إخراج ذواتهم من وحل الجهل إلى نور المعرفة بواسطة إرادة ورغبة في ذلك، نجد كذلك أفرادا لا يلهثون وراء الكتاب، ولا يفكرون في ممارسة فعل القراءة، ولا يشغلون أنفسهم عناء التدرب على المطالعة، وبالتالي فالمشكلة مرتبطة بإرادتهم الفاشلة، وبرغبتهم الباردة في ممارسة فعل يستحق أن نضعه في مصاف الفضائل التي يجب أن ندمن عليها، وما أحوجنا إلى القراءة.

 

ترتقي المجتمعات بالقراءة والمعرفة، وتتقهقر بالجهل وبالنفور من الكتاب وبممارسة التفاهات، وانطلاقا من هذا المعيار يمكن القول إن حال مجتمعاتنا ما ينفك يتقهقر نحو المجهول، وهذا التقهقر جاء نتيجة الواقع المريض الذي يحتوي على حقيقة أن الجهل يعشش في مجتمعنا إلى درجة لابأس بها، وهذا الأمر هو الذي يطرح بقوة مجموعة من الإشكالات، والمرتبطة أساسا بالأسباب التي جعلت الوضع يخالف ما نسعى إليه، وبالعوامل التي عمقت من هذا الإشكالات، وبالظروف التي ساهمت في هذا الواقع المريض، وهي كلها إشكالات متداخلة تضعنا أمام الأسس التي يجب أن نعيد فيها النظر، لعلنا نجد مخرجا وحلا شاملا لهذه الأزمة، ولعلنا نعيد الحياة إلى مجتمع لم يأخذ بعد الحياة على الصورة التي تناسب معنى الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.