شعار قسم مدونات

الحب قبل الزواج.. هل هو سبب لفشل العلاقة الزوجية؟!

BLOGS زواج

لا أسْتَسِيغُ هذه الطريقة (التقليدية) في الزواج، أن تَخْطِبَ بناءً عَلَى رَأْيٍ ورؤيةٍ قَصِيرَة ومجرَّدِ إعْجَابٍ سَطْحِيٍّ ثم تتزوج! أحترمُ هذا الرَّأي لأنَّ هَدَفَ الإنسانِ منه هو الإحصان وعفّة النفس واستقرارها وقد تكون هناك أهداف أخرى معتبرة.. ولكن العقل والقلب يُرِيدُ أكثر من ذلك ويلحُّ بهذا السؤال ويستنكر: كيف لإنسان أن يتزوج من لا يحبّ؟! ماذا يفعلُ بروحه التي تحتاج إلى روح تُكَمِّلها؟ 

الأعجبُ من ذلك ما تُروّجُهُ الغالبيَّةُ من (المتديّنين) حتى صار عرفا اجتماعيا وهو أنّ الحبَّ يجب أن يكون بعد الزَّواج، بالتأكيد هذا حَسَنٌ وهو المطلوب والهدف في نهاية الأمر، ولكن المشكلة عندهم هي نفيُ الحبِّ قبل الزواج ومحاولة تَجْرِيمِه وأنَّه لا يصلح لبناء علاقة زواج ناجحة، وهذه نظرة متطرّفة غير مقبولة وحكم خاطئ مخالفٌ لطبيعة الإنسان، التحوُّلات الاجتماعية تجاوزت هذا التَّفكير وكشفَتْ عن عُواره، يقولون هذا الكلام رغم أنّ الكثيرين منهم يحبُّون قبل الزواج، يقبلونه عمليًا ويرفضونه نظريًا ويجرّمُونَه باسم الشرع!

الحبُّ الحقيقيّ ليس له كيفية لصناعته، هو أمرٌ متعلّق بالرُّوح والمشاعر، وهذه أمور تَمْتَنِع على القِيَاسِ والتَّقْدِير، تحتاجُ الحرِّيةَ والصدقَ فحَسْب.. وهو يستمِدُّ قوّته مِنَ الأَخْلاقِ وهيَ التِي تَحْمِي مملكَةَ الزَّواج بعد ذلك

هؤلاء بالذات يعيشون تناقضًا وانفِصَامًا لِذَا يَصِلون إلَى تِلْكَ النتيجة الحتْمِية: "الفشلُ في الحب بعد الزواج".. وذلك أنّهم يتجاهلون التَّجَارِبَ الواقعيَّة الكثيرة التي نجح فيها الحبُّ قبل الزَّواج وبعده ويتجاهلون مطالبِ العاطفة في الإنسان التي ينبغي أن تلبّى فالإكراه على غير ما يرغبُ به من مشاعر قد يؤدّي به إلى تلبيتها خارج النطاق بعد الزواج، ويظلّ يتخبط تحت قانون مجتمعٍ مراهقٍ غير ناضج عاطفيا! والزَّوَاجُ محطَّة فقط مِن مَحَطَّات الحياة، فإِذَا لَمْ يَزِدْ فِي عَطَائِك فيها، حتمًا سيعقيك في طريقِك للتقدم.. لهذا كان الحب من أهم دوافع الاستقرار والإبداع! ويُقنعون أنفسهم ومن يَسِيرُ في فلكهم بأنَّ الحبَّ قبل الزواج هو من يُفشِل العلاقة الزوجية، وهذه مغالطة كبيرة لأنهم لم يفرّقوا بين الحب الشهوي قصير الأمد وبين الحب الذي تحتاجُه للروح، وهذا الأخير من المستبعد أن يفشل إلا لطارئ معتبر خارجٍ عن إرادة الإنسان ودون رغبته..

يذكر (زيغمونت باومان Zygmunt Bauman) في كتابه (الحب السائل Liquid Love) عنصرَيْ الرغبة والحبّ ويوردهما بمفهومين متعارضين ويستدلّ على ما ذهب إليه بأقوال فلاسفة وعلماء نفس وخبراء، يقول أنّ الرغبة تبتغي الاستهلاك وأنّ الحب يبتغي التملك.. استخدم هذين المفهومين كمنطلقين للبحث باعتبار الواقع الذي تسوده هشاشة العلاقات الإنسانية والمادّية المفرطة.. والنتيجة التي يصل إليها هي الهشاشة وصعوبة العلاج.

ولكنّي أرى أن العلاج يجب أن يكون وقائيا لذا كان من الواجب تحرير مفهوم الرغبة كأساس للحب لتنشأ علاقة التغذية بينهما، فالرغبة لا يمكن انحصارها في الاشتهاء والاستهلاك، وأن هناك شيئا أكبر وهو تفضيل الميزات الرُّوحِية.. الرغبة في خُلُقٍ معيّن عميق مثال على ذلك..

عندما نتأمّل قول النبي عليه الصلاة والسلام للصحابي الذي لم ينظر إلى خطيبته: "اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما". فالنظر هنا تعامل معه الفقهاء بطريقة سطحية، وفسروه بالرغبة في الأمور الجسدية والصفات الخَلْقيّة حتى بلغ ببعضهم حدّ الغلوّ في ذلك، ومرّوا مرور الكرام على مقصده العميق عليه الصلاة والسلام.. 

كلّنا نعلم أنّ لكل لذة – مهما عظمت – نهايةً فكيف يمكن الحفاظ على رباط مستمر بأمر نعلم أن أمده قصير ومُنتَهٍ؟! مع أنّي لا أغفل سيماء الصورة في إعطاء نوع من التوافق الأوّلي لأيّة علاقة، ولكن اكتشاف الرغبة الحقيقية يتأتّى من وراء الصورة الظاهرة وهذا يأخذ وقتا..

بعض الأدباء والمفكرين ركز على تقلبات الحبّ، ووصل إلى نتيجة أنّ الأخلاق هي التي تحمي مملكة الزواج، المنفلوطي – على سبيل المثال – بعد ذِكْرِه تقلباتِ الحب أعطى علاجا ينعشه، بأن تكون علاقة الصداقة بين الزوجين كصمام أمان لمؤسسة الزواج لأنّ مشاعر الصداقة تكون أسمى من مطالب الجسد وهي تقوم أصلا على تبادل العواطف السامية.. بل إن الأخلاق وعلاقة الصداقة تحمي حتى العلاقات الاجتماعية الأخرى بين الأقارب والأصدقاء والإخوة من الهشاشة والتلاشي..

استعدادٌ والتزامٌ وصداقة

إنّ وجود الاستعداد الأخلاقي العالي لأيّ شخص يمكِّنُه من اكتشاف الرغبة الحقيقية التي تتمثل في الميزات الروحية وهي الأصل ثم الحديث عن الاشتهاء باعتباره فرعا، وأن الرِّباط المقدّس باعتباره مؤسسة لها التزاماتها فالمسؤولية ومعرفة الحقوق والواجبات شرط آخر لاستمرارها، وبالإضافة إلى عنصر الصداقة وامتلاك المشاعر السامية، كل ذلك كفيل بتوهّج الحبِّ عموما.. 

الحبُّ الحقيقيّ ليس له كيفية لصناعته، هو أمرٌ متعلّق بالرُّوح والمشاعر، وهذه أمور تَمْتَنِع على القِيَاسِ والتَّقْدِير، تحتاجُ الحرِّيةَ والصدقَ فحَسْب.. وهو يستمِدُّ قوّته مِنَ الأَخْلاقِ وهيَ التِي تَحْمِي مملكَةَ الزَّواج بعد ذلك، والإنسانُ ليسَ كتلةً هامدَةً.. الإنسانُ جَسَدٌ يُشَكُّلُ صورَتَه، لَه مَطَالِبُه الطَّبِيعِيَّة، وروحٌ لها مطالبُهَا لتبْعَثَ فيه الحَيَاة، فكيف لصُورَةٍ أن تَعِيشَ بلا رُوح؟!

ليس مكتوبًا علينا أن نعيش بين خيارين متطرّفَيْن وأننا لسنا تحت سلطة هذين الخيارين، إمّا التشدد في عدم إعطاء قيمة للحب قبل الزواج فتكون عاقبته حياة تعيسة أو تبقى الأمور بعده تسير بثقل المعاناة في الحياة ومشاكل ترهق الطرفين معا.. في الحياةِ أكثرُ من ذلك..

الخيار الثالث متاح بالصورة الطبيعية التي ترتَضِيها الأخلاق العامة ولا ينكرها الدِّين وإن خالفت الأعراف لدى بعض الناس.. أعتقدُ أنّ كلّ إنسان يجبُ أن لا يتسرّع، وأن يأخذ فرصتَه في التأكّد من حبِّه لشريكه المستقبلي، ولا تهمّ كيفية ذلك بما أنَّ عنصر الأخلاق موجود، وأعتقد أن هذا هو الطريق الأسلم للإنسان حتى لا يأكُلَه النّدم ولَاتَ ساعَةَ مندمِ! قد يدفعونَكَ لطريق لا ترغب فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكنّهم لن يعيشوا معك، ستكون وحدك! الحبُّ الحقيقيُّ هو ذاك الذي تكتشفه الروح ويصدّقه العقل ويترسّخُ في القلب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.