شعار قسم مدونات

التعامل مع الناس.. والأمل المفقود!

blogs الأمل

عليك أن تعي جيدًا أن هذه الحياة لن تخلو من السيّئين؛ ما دامت أرواحنا في أبداننا. دائمًا كن لطيفًا ولينًا، لا تُحاول أن تصنع من نفسك إنسانًا سيئًا لمجرد أن أحدهم أساء إليك، ولا تُقابل السيئة بالسيئة، وتذكر قوله تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"(فصلت:34 ). هُنا تظهر معدن النفوس الطيبة الذين ينتصرون على إساءة الناس إليهم.

 

لا تجعل الحقد، وإساءة الظن تأخذ منك حيِّزًا، دومًا نقي قلبك وروحك من الشوائب التي قد تلتصق بك في متاهة الطريق. قد يكون التعامل مع أصناف الناس من الأمور التي تأخذ منك وقتًا وجهدًا؛ لذلك عليك أن توطن نفسك أن تكونَ واسع الصدر، والصبر على الأذى، وكظم الغيظ، والحلم والعفو عند المقدرة، فأنتَ تتعامل مع عقول مختلفة، وبيئات متنوعة، وآراء متعددة.

 

لا تحاول أن تنتقم ممن أساء إليك، إياك ثم إياك أن تكون معول هدم، وقد كنت من ذي قبل معول لرأب الصدع، وتآلف الأرواح، يجب أن تسمو بروحك، عليك أن تتعامل مع الناس كما يتعامل الطبيب مع المرضى، قد يكون المرض واحد، والعلاج مختلف، وهكذا الناس لكل واحد منهم علاجه. الناس تحتاج من يكن قريبًا من أرواحهم المتعبة، يُداويها يخفف عنهم بشاعة هذا العالم، يبعث فيهم الأمل، وشق النور من وسط الظلام.

 

ابدأ يومك بإشراقة أمل ووَجْهَ مُبْتَسِمِ وأنظر إلى الإمام فالذي مضى ذهب ولن يعود. لا تعيش في الماضي أكثر من الحاضر؛ وإلا ستبقى أسيرًا مقيدًا

يُعرّف علماء النفس "الذكاء الاجتماعي"ّ على أنّه قدرتك على تنظيم المجموعات والحلول التفاوضيّة، وبالإضافة إلى القدرة على إقامة العلاقات الاجتماعية، والشخصيّة بما تحتاج من تعاطف، وتواصل. ويوضح الحسن البصري ذلك أكثر بعبارته الحكيمة :"اِصْحَب الناس بأي خلق شئت يصحبوك". لا تُعامل الناس بما يعاملوك به، أنت شخص تحمل لنفسك من القيم والمبادئ ما يجعلك ألا تنحدر إلى السفح، دائمًا أصحاب القلوب الرحيمة أولئك الذين ينثرون الأخلاق بين الناس هم أصبر الناس على الأذى، وتحمل الإساءات؛ لأنهم الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "درجة الحِلم، والصبر على الأذى، والعفو عن الظلم؛ أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؛ يبلغ الرجل بها ما لا يبلُغه بالصيام والقيام" قال تعالي: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران:133).

 

المُشكلة أننا نغفل عن أمور بسيطة ونتجاهلها بيد أنها عظيمة الأثر. هل لك أن تتخيل لو أن أحدهم كلما رآك أفشى عليك السلام بوجه طَلْق دون أن تكون بينكم أدنى معرفه. بالتأكيد ستشعر بالقرب منه، وبمَحَبَّة خفيه. الإنسان ليس كائن معقد يصعب التعامل معه كما يصوره لنا علماء النفس. لكن جوهر الإشكال يكمن في عدم معرفة الطريقة المثلى في التعامل مع الناس.

لا تعش الحياة وكأن الدنيا فوق ظهرك، اربأ بنفسك ولا تحمّلها ما لا تُطيق، تعايش مع نفسك، ويومك، وفرحك، وحزنك، لكن إِيَّاكَ وَالإِفْرَاطَ قد يصيبك في مقتل. لماذا نزوي أرواحنا في متاهة معتمة؟ ونجلس نندب حظنا، ونتحسر على الماضي؟ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل، قال الإمام البخاري في صحيحه: باب الفأل، ثم روى عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طيرة، وخيرها الفأل. قال: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم".

 

تفاءل فإن كتاب الله يدعو للتفاؤل قال تعالى: "فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً . إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً"(الشرح :5-6). وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُواوَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ" (الشورى:28). وقال تعالى: "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا" (الطلاق:7). الحياة لن تقف عند أحد، ولن تدوم الأحزان وظلام الليل يفنى. عندما تشعر بالفرح انثره بين الناس، بين الذين يترقبون بريق أمل وأن الدينا رغم قساوتها سيتشقق النور منها، ولا تحزن على صغائر الأمور فكل الدنيا صغائر، وثق بأنَّ لمُشكلتك حلّاً بإذن الله، ولا تُضخمها، ولا تهولها، عش بالأمل ولا تيأس ولو كنت في وجهة العاصفة؛ لأن الله نهانا عن اليأس، بل اصبر وواصل وتحدّى الأزمات متوكلاً على ربك.

  

قال سبحانه: "وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"(يوسف:87 ). وفى هذا الباب يذكر الإمام الشهيد حسن البنا :"لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد، ولا زال في الوقت متسع، ولازالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد، والضعيف لا يظل ضعيفاً طول حياته" (رسالة المؤتمر الخامس ، فبراير 1939).

  

ابدأ يومك بإشراقة أمل ووَجْهَ مُبْتَسِمِ وأنظر إلى الإمام فالذي مضى ذهب ولن يعود. لا تعيش في الماضي أكثر من الحاضر؛ وإلا ستبقى أسيرًا مقيدًا، ولا تكن من هؤلاء الذين وصفهم مصطفى صادق الرافعي بقوله: ‏"إنَّ المرءَ إذا حزن استدعى كلَّ أحزانِه السّابقة، كأنّ حزنًا واحدًا لا يكفيه".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.