شعار قسم مدونات

الغاز مقابل الشمال السوري.. ماذا تعرف عن صراع المصالح بين بوتين وأردوغان؟

Blogs - Ardoghan - Putin 2

تفاجأ الكثيرون بتغير وجهة الزعيم التركي رجب طيب أردوغان للتحالف مع روسيا بعد أن قدم الدعم للثورة السورية وفصائلها المختلفة في بداية انطلاق الثورة عام 2011، حيث دعم كل من الجيش الحر والفصائل الإسلامية المعتدلة، فما سر هذا التحول ولماذا يتحالف أردوغان الإسلامي مع أهم حلفاء بشار؟

المتتبع للخط السياسي لأردوغان صاحب النزعة الإسلامية، والواضحة في جميع خطاباته وتصريحاته، يكتشف أن أردوغان ما زال ثابتا على موقفه من دعم لثورات الربيع العربي سياسيا وإعلاميا، وأن ما حدث من تحالفات ما هو إلا تراجع تكتيكي حتى يحافظ على مكتسبات الثورة، بعد أن تغيرت موازين القوي في تلك المنطقة الملتهبة وظهور داعش والدعم الغربي لقيام دولة كردية شمال سوريا، كما لعب الصراع على أنابيب الغاز في المنطقة الدور الأكبر في رسم وتشكيل خريطة التحالفات الجديدة كما سنوضح.

الربيع العربي والدعم التركي
توصل الجانب التركي والروسي، لاتفاق بشأن سوريا والغاز، حيث تسمح روسيا لتركيا بعمليات عسكرية محدودة في الشمال السوري لمنع استكمال الحزام الكردي الممتد من الرقة شرقا لعفرين غربا، مقابل تمديد السيل التركي من روسيا لأوروبا عبر تركيا

تعود الحكاية لعام 2011 عند قيام ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن، وصعود تيار الإسلام السياسي لسدة الحكم في بعض دولها، عبر صناديق الاقتراع، حيث تطمح شعوب المنطقة للتخلص من الحكم الاستبدادي المدعوم من الغرب، وهو ما تحقق بعد قيام تلك الانتفاضات السلمية، وقام أردوغان بتقديم الدعم السياسي والإعلامي لتلك الثورات عموما، وللثورة السورية خصوصا بسبب الترابط الجغرافي بين تركيا وسوريا، كما قام باستقبال اللاجئين السوريين الذين بلغوا أكثر من 3 ملايين لاجئ، وقامت الهيئات الإغاثية باستخدام الأراضي التركية للوصول للمنكوبين، كما استخدم المقاتلين الإسلاميين الأراضي التركية للوصول لسوريا والالتحاق بالجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية التي تسعي لإزاحة الأسد.

إسقاط مرسي ودعم الانفصاليين الأكراد

تطورت الأحداث في المنطقة عام 2013، وتمت الإطاحة بالإسلاميين في مصر بانقلاب عسكري مدعوم من الغرب، وواكب الانقلاب في مصر دعم غربي كبير للمعارضة التركية في الداخل، خصوصا تنظيم فتح الله جولن، والذي يسعي للإطاحة بالحكومة التركية ذات الصبغة الإسلامية.

ومن ناحية أخري تعقدت الأمور بشكل كبير بعد إعلان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عن نيته كتابة دستور إسلامي عام 2012، وبدء التوسع في مدارس إمام وخطيب الإسلامية، الأمر الذي أظهر عن توجهات أردوغان الإسلامية، لذلك عمد الغرب على دعم الانفصاليين الأكراد في شمال سوريا في مسعاهم لتكوين دولة في جنوب تركيا، وإثارة النعرات القومية لدي أكراد تركيا، وهو ما أدي لنفور الناخبين الأكراد عن حزب أردوغان، والتي ساهمت في خسارته في انتخابات يونيو 2015، قبل أن يستعيد الحكم بعد دعم القوميين الأتراك له لاحقا.

التحالف التركي الخليجي

بدأ عام 2015 بوصول الملك سلمان لسدة الحكم في السعودية، بعد محاولات للإطاحة به من قبل الأمير متعب ومساعدة السيسي وبن زايد، فتوطدت العلاقات التركية السعودية بصورة كبيرة، واستغل أردوغان التقارب مع السعودية وقاموا معا بتسليح المعارضة المسلحة، ودعم جيش الفتح، والذي تمكن منتصف 2015 من تحرير كامل محافظة إدلب ووصل إلي ريف اللاذقية، معقل طائفة العلويين الحاكمة في سوريا، كما تم مناقشة تسليح المعارضة بالمضادات الجوية.

ومع استمرار انتصارات الفصائل السورية في الغوطة الشرقية والتي وصلت لعدة أحياء في العاصمة دمشق، بالإضافة إلى التواجد القوي في عدة محافظات مثل حمص وحماه وإدلب وحلب، وتقلصت حجم المساحة التي يسيطر عليها الأسد لخمس مساحة سوريا، الأمر الذي دعا بوتين حليفه للتدخل بنفسه في أكتوبر 2015، بحجة محاربة داعش، الأمر الذي وضع الجيش الحر أمام أحد أقوي الجيوش النظامية وأكثرها تسليحا في العالم.

وجاءت حادثة إسقاط الطائرة الروسية في شمال سوريا لتقطع أي أمل في التفاهم مع الروس، ومع الدعم الأمريكي والأوروبي للانفصاليين الأكراد في شمال سوريا والعراق، والدعم الروسي لبشار، أصبحت تحركات أردوغان متصادمة مع القوي العظمي في العالم، فكان لا بد من تشكيل تحالف مع أمريكا وأوروبا ضد المصالح الروسية في سوريا، ودعم الثورة السورية، إلا أن القلق الإسرائيلي من احتمالية وصول الإسلاميين للحكم في سوريا بعد بشار، قد أنهي تلك الآمال، ومع استمرار الدعم الغربي للأكراد، اضطر أردوغان للبحث عن حليف لإيقاف التهديد علي حدوده الجنوبية.

الصراع على أنابيب الغاز

بعد الثورة الأوكرانية وضم روسيا للقرم عام 2014، قامت أوروبا بإيقاف مشروع خط غاز السيل الجنوبي والتي كانت روسيا تنوي إنشائه لتوصيل الغاز الروسي لبلغاريا ومن ثم لشرق وجنوب أوروبا، ليكون بديلا عن خطوط الأنابيب التي تمر بأوكرانيا، خصوصا بعد دعم الغرب للحكومة الأوكرانية الجديدة المعادية لروسيا، فوجدت روسيا مبتغاها في تركيا الملاصقة لليونان وبلغاريا، حيث تم التفاهم علي إنشاء السيل التركي أواخر 2014 بين روسيا وتركيا، إلا أن الخلافات حول سوريا وإسقاط الطائرة الروسية شمال سوريا قد أجلت تنفيذه.

وفي يونيو 2016 توصل الجانب التركي والروسي، لاتفاق بشأن سوريا والغاز، حيث تسمح روسيا لتركيا بعمليات عسكرية محدودة في الشمال السوري لمنع استكمال الحزام الكردي الممتد من الرقة شرقا لعفرين غربا، مقابل تمديد السيل التركي من روسيا لأوروبا عبر تركيا، وهو ما كانت ترفضه أمريكا وفرنسا وألمانيا، التي تري في استحواذ روسيا على أكثر من ثلث واردات الغاز لأوروبا، تهديدا لأمن الطاقة الأوروبي.

فشل الانقلاب العسكري
يهدف الغرب لإقامة منطقة عازلة بين الميليشيات الكردية والجيش الحر لمنع تركيا من سحق الانفصاليين الأكراد، حيث تعد ورقة الدولة الكردية المحتملة من أهم أوراق الضغط على تركيا

التحركات التركية في تسريع خط الغاز مع روسيا، تأتي ردا علي الدعم الغربي للانفصاليين الأكراد في سوريا وجماعة فتح الله جولن، الأمر الذي أدى إلى تخطيط أمريكا للانقلاب العسكري في يوليو 2016، لمنع تركيا وروسيا من الاستحواذ على المزيد من خطوط الغاز لأوروبا، والتي قد تستخدم في الضغط السياسي على صانع القرار الأوروبي، الأمر الذي يقلل من النفوذ الأمريكي هناك، كما يفتح المجال لتركيا كأول قوة إسلامية تسعي للاستقلال بالسلطة وممارسة ضغوط سياسية متبادلة علي الغرب.

لكن فشل الانقلاب العسكري، جاء بنتيجة عكسية على الغرب، حيث رد أردوغان وبوتين على أمريكا بعقد مؤتمر الطاقة في إسطنبول أكتوبر 2016، والذي أعلن عن تدشين خط ثاني للغاز بدعم روسي من أذربيجان لشرق أوروبا عبر تركيا (مشروع تاناب)، في صفعة كبيرة للدعم الغربي للانقلابين.

يؤدي وصول الغاز لشرق أوروبا عبر تركيا إلى حدوث تشققات في الاتحاد الأوروبي بين الدول المستفيدة من الغاز مثل بلغاريا وصربيا والمجر وسلوفاكيا وإيطاليا واليونان مع الدول الرافضة لتمديد تلك الخطوط مثل ألمانيا وفرنسا، كما يزيد من الثقل الإقليمي والدولي لتركيا في مواجهة دول الاتحاد الأوروبي.

الدخول للشمال السوري

دخل الجيش التركي سوريا في أغسطس 2016 في عملية عسكرية ضد داعش سميت بعملية درع الفرات، وكان الهدف منها منع الحزام الكردي في الشمال السوري من الالتحام في حلب عند مدينة الباب، كما تم دخول عفرين في يناير 2018 في شمال غرب سوريا لتفكيك ميليشيات (ي بي د) و(بي كا كا) والتي تتهمهم أنقرة بأنهم الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني المحظور.

كانت الاتفاقات الأمريكية مع تركيا بخصوص أكراد سوريا، أنهم لن يعبروا لغرب نهر الفرات، لكن احتلال الميلشيات الكردية لمنبج وطرد السكان العرب في ما يشبه تطهير عرقي، تلك التطورات دفعت أدروغان لمحاولة الدخول للشمال السوري مرة ثالثة، لإنهاء الوجود الكردي الانفصالي غرب نهر الفرات، إلا أن القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية، تؤجل ذلك الدخول وتفتح المجال للمفاوضات مع الغرب.

مصالح روسيا وتركيا في سوريا

بالرغم من محاولة أردوغان المحافظة علي مكتسبات الثورة السورية، حيث تم التوقيع علي هدنة في الأستانة عاصمة كازاخستان في عدة مناطق سميت بمناطق خفض التوتر، إلا أن الجانب الروسي قام بتصفية معظمها لاحقا بسبب وقوعهم بالقرب من دمشق كالغوطة الشرقية أو على الحدود مع الجولان كدرعا، لكن الجهود التركية تمكنت في منع الاقتحام الروسي لإدلب والتي يسكنها 3 ملايين سوري، بعدما نزعت تركيا الأسلحة الثقيلة من جبهة فتح الشام، وأعلنتها جماعة إرهابية.

المنطقة الأمنة

تهدف تركيا لإعادة توطين 3 ملايين مواطن سوري في المنطقة الأمنة التي تنوي إنشائها بالشمال السوري على امتداد 460 كم وعمق 32 كم بعد إعادة تأهيلها، وما حدث في عفرين من إعادة التأهيل لتلك المنطقة يعتبر نموذجا مصغر للمنطقة الأمنة المقترحة. حيث تهدف المنطقة الأمنة لتخفيف الضغوط السياسية والأمنية على الداخل التركي ومنع المليشيات الكردية المتطرفة من تفريغ الشمال السوري لصالح إقامة دولة كردية تحظى بالدعم الغربي. بينما يهدف الغرب لإقامة منطقة عازلة بين الميليشيات الكردية والجيش الحر لمنع تركيا من سحق الانفصاليين الأكراد، حيث تعد ورقة الدولة الكردية المحتملة من أهم أوراق الضغط على تركيا. تري هل يتمكن أردوغان من استكمال المنطقة الأمنة التي ينادي بها منذ 2013، أم أن هناك المزيد من المؤامرات تنظره؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.