شعار قسم مدونات

"حاسبوا الأسد" صرخة سوريّة في وجه العالم

blogs بشار في الغوطة

"أنا عبد الحميد يوسف، أنا مع حملة محاكمة بشار الأسد لاستخدامه السلاح الكيميائي" بهذه الكلمات، وأمام عدسة هاتفه الشخصيّ، أعلن المواطن السوريّ "عبد الحميد يوسف" تضامنه مع حملة "حاسبوا الأسد"، لم يكن عبدُ الحميد مواطناً عادياً أعلن موقفاً تضامنياً مع حملة تهدف لمحاسبة رأس النظام في سوريّا، بشار الأسد، إنّما كان في الرابع من نيسان/ أبريل عام 2017 ضحيّة مجزرة الكيميائي في مدينة خان شيخون بريف إدلب، بفقد طفليه وزوجته، و16 فرداً من عائلته، خنقاً بالغاز السام، وعلى بُعد عدّة أمتار من ذات المكان والزمان والمجزرة، كانت جثث أطفال شاخصة أبصارها نحو السماء، حُمّلت على سيارة مكشوفة، رُفعت ذات إدانةٍ في مجلس الأمن الدوليّ، لكن دون جدوى.

   

شارك السوريّون المعارضون للنظام، بمختلف انتماءاتهم الفكريّة والعقديّة، ومن شتّى بقاع الشتات السوريّ حول العالم، بالإضافة إلى نشطاء وإعلاميين وصحفيين من الداخل السوريّ، في حملة أطلقها "مركز توثيق الانتهاكات الكيماويّة في سوريّا"، للمطالبة بمحاسبة بشار الأسد، المسؤول الرئيس، عن مجازر السوريين، بمختلف أنواع الأسلحة وعلى رأسها الكيميائية، بوسمٍ إلكتروني، على مواقع التواصل الاجتماعيّ، أطلقوا عليه "حاسبوا الأسد" لتكون صرخة سوريّة موحّدة في وجه عالم تعامى عن مأساة القرن السوريّة، صرخة تحمل أوجاع وآهات آلاف المعذبين والمقهورين في مخيمات النزوح ودول اللجوء، ومناطق القلّة والعوز، ومعتقلات الموت والتعذيب السورية.

 

سئم السوريّون عبثيّة صرخاتهم ونداءاتهم، لعالم ألِف شكل الجريمة، وشرعن بقاء عرّابها، وصفق لاستمرارها بجلسات شكليّة لا تقدم ولا تؤخ
"مجازر الكيماوي" جرائم مسكوت عنها

عام 2013 وعقب الهجوم على غوطة دمشق، الذي كان فاتحة الهجمات الكيميائية لنظام بشار الأسد، تأمّل السوريّون خيراً من وعيد الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" بضرب مواقع محدودة للنظام، كهجوم رادع له، بعد تسببه بمقتل أكثر من 1500 مدنيّ سوريٍّ، لكن الهجوم المحدود لم يتمّ، واقتصر تحرّك المجتمع الدوليّ بسحب الترسانة الكيميائية للنظام، وتدميرها من قبل "منظمة الأسلحة الكيميائية" لكن في الحقيقة، وكما كشفت تقارير حقوقيّة عديدة، لم يتخلَّ النظام عن كامل الترسانة، بل احتفظ بكثير من مخزونه الكيميائي، وقُطع الشكُّ باليقين بتكرر هجمات كيميائية مماثلة على عدّة مناطق منها خان شيخون ودوما، لتصل حصيلة الهجمات إلى 260 هجوماً، وفقاً لتوثيق مركز الانتهاكات الكيميائية، وذلك بعد ما أعلنت منظمة الأسلحة الكيميائية عن تدميرها كامل الترسانة.

 

تكرار الهجمات الكيميائية، بهذه الهمجيّة والتهكّم، كان مقصوداً من قبل النظام، بحسب ما ذهب إليه كثيرٌ من معارضيه، لعدّة أسباب، في مقدّمتها الضرب بيد من حديد، وبأي وسيلة -وإن كانت سلاحاً كيميائياً- لقمع الانتفاضة الشعبيّة ضده، بوقت قياسي ومبكِّر، بالإضافة إلى جنوحه بين الفَينة والأُخرى، جس نبض المجتمع الدوليّ، لقياس ردّة فعل هذه المنظومة الدوليّة اتجاه كل جريمة يرتكبها ضدّ شعبه، النظام الواثق تماماً من استحالة إدانته، إدانة حقيقية بخطى دراماتيكيّة، يعقبها محاسبة جديّة، على الأقلّ خلال هذه الفترة!

 

"حاسبوا الأسد".. حتى لا تسقط الجرائم بالتقادم

سئم السوريّون عبثيّة صرخاتهم ونداءاتهم، لعالم ألِف شكل الجريمة، وشرعن بقاء عرّابها، وصفق لاستمرارها بجلسات شكليّة لا تقدم ولا تؤخر، وإدانات لم تخرج من فراغ قاعات المؤتمرات الدوليّة، ونسخ مبتذلة من تصريحات الوعيد بمحاسبة نظام بشار الأسد "القاتل" و"الفاقد للشرعيّة" من الأشهر الأولى للثورة، بحرفيّة التصريحات آنذاك، إلا أنّ السوريين، ما زالوا مصرين على إطلاق صرخاتهم، منددين بمجازر، تضجُّ في ذاكرتهم خلّفها وريث سلطة مستبدّة، يلتحف بأغطية العَلمانيّة والديمقراطية، وقيم الفكر الغربيّ المُنفتِح، التي جعل منها "خرّيج الجامعات البريطانية"، علامة ترويجيّة لسلطة حاكمة بالحديد والنار، قدّمت أنموذجاً معاصراً لسفّاحي القرون الوسطى والحديثة، بتنوّع أشكال الجريمة المرتكبة على مذبَح تسمّيه الجغرافية "سوريّا" ولبشرٍ تتناقلهم الأخبار باسم "الضحايا السوريين" ترتّبهم الأرقام والإحصاءات.

 

لكنّ السوريين، أبَوا أن تسقط جرائم النظام بالتقادم، على الرغم من كثرتها، والاقتصار على تصنيفها بأرقام ودراسات بحثيّة وتوثيقيّة، والتعامل معها كأرشيف دامٍ وحسب، أُغلقت خزانةُ التاريخ أبوابها عليه، إنّما لكل ضحيّة ومجزرة صوت وذاكرة، ودَينٌ في رقاب كل سوريّ حمل أمانة الدفاع عن هذه الدماء، وآمن بنُبل القضيّة التي ضحّت هذه الأرواح من أجلها.

 

وعلى السوريين أيضاً، من مختلف مواقعهم واختصاصاتهم، أن يدركوا حجم أهميّة التذكير الدائم بالجريمة، وحفظها في جوارحهم، حتى تلاحق لعنتها المجرم في كل يوم يمضي عليه دون محاسبة، وحتى تكون شاهداً وتاريخاً على حجم التضحية، في سبيل حريّة وكرامة، سلبها منهم جزّارٌ، سُمّيَ رئيساً زوراً، طبيب عيون، زرفت بسببه آلاف عيون الأمّهات دمعاً قهراً وكمداً، لعلَّ عدالةَ الأرض، بعد هذا كله، تسبق عدالة السماء، وتنصف أكثر من نصف مليون ضحيّة سوريّة.. فهل مِن مُجيب؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.