شعار قسم مدونات

رواية "سارة" للعقاد.. قصة عشق لم تكتمل!

blogs عباس العقاد

لم يكن العقاد رجلاً عادياً، ولم تكن سارة امرأةً عادية، كي ينسى التاريخ هذه القصة دون توثيق، قصة تكشف كثيرا من الأسرار العاطفية بين المرأة والرجل، غير أنها الرواية الوحيدة للكاتب الكبير عباس محمود العقاد.

فتاة جميلة ومنفتحة في الخامسة والعشرين، وشاب مفكر وأديب ومثقف في الثانية والثلاثين، يدور بينهما كلام وحديث لا يُبرآن فيه من المراوغة، ومحاولة الكر والفر، من أجل الحفاظ على علاقة الحب التي تجمعهما، يصفها العقاد بأنها محتالة تحاول أن تبدو مثقفة، وتناقشه في كل ما تقع عليه عينها من الروايات والصور المتحركة والسينما والمشاهد الثقافية، ويعترف الكاتب بأنها قد دقت على الوتر الحساس الذي يعجبه، وهو حقل كبير جداً وله جمهوره الواسع، ألا وهو الأدب، هذا الحقل الذي يتجدد في كل عصر، مع ملاحظة أنه قد بلغ ذروته المعاصرة الحديثة في النصف الأول من القرن الماضي.

إذاً هي نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء، هذا الموعد الذي يكشف عنه عباس العقاد في المشهد الثاني من الرواية، ويصف طقوسه بالعادات والتقاليد الثابتة في زمن، والمتحولة من زمن إلى آخر، كان الموعد كما يحب أن يسميه كاتب الرواية في دار "الصور المتحركة"، التي لا يعبأ بها كثيراً ولا تثير اهتمامه، إنما كان يشغل باله شيء آخر مختلف تماماً، بعيد كل البعد عن الاهتمام بالممثلين والممثلات، كان يريد أن يعرف شيئاً واحداً فقط، هل لسارة علاقة مع رجل آخر أم لا؟ شك قاتل مريب استحوذ على كل ما يشعر ويفكر به! ولكن السؤال المحير: لماذا يشغل بال رجل مثل العقاد هذا الموضوع بالذات؟ هل سارة تخون العقاد؟ ولماذا هذا الموضوع على درجة عالية من الحساسية؟

في خضم هذه المشاعر والأحاسيس يدور صراع داخلي عنيف بين شخص العقاد وروحه، كأنه شجار فكري محتدم بين رجلين، أين وكيف ولم وماذا ولماذا ومتى أسئلة محيرة، أين سيلتقيان؟ كيف سيكون اللقاء؟ أين الموعد؟ "في دار الصور المتحركة، لقد سئمت هذا الموعد القديم"! لم هذه المرأة بالذات قد اخترتها لتكون شريكة مشاعري؟ وماذا سيحصل فيما بعد؟ والى متى سوف تستمر هذه العلاقة؟ هذه هي صورة الشجار الفكري بين روح العقاد وعقله!

undefined

يتساءل الكاتب في ظل هذه العلاقة: "لكن لماذا كل هذه الشكوك التي ليس لها من أول ولا آخر، اصرفها عنك مرة واحدة وأفرض عليها أسوأ الفروض، وقدر أنها تخونك، وأنت تلهو معها في ساعات فراغك، ولا يعنيك من شأنها بعد ذلك إخلاص أو خداع" مسألة متشابكة معقدة في غاية الحساسية، ثم يتساءل: أليست مليحة وجميلة؟ ألا تسعد وهي بجانبك في الحافلة؟ ألا تكشف لك كثيرا من المودة والحنين؟ ألا تبادلك كل هذه المشاعر وأنت معها؟ وما يعنيك بعد ذلك من الإخلاص أو عدمه؟

إنّ الفتاة مليحة ولا ينكر صاحب الرواية ذلك، ولكن! تأبى الشكوك إلا أن تعييه وتتعبه، وبعد: فهل الغدر في الحب مستحيل؟ وهنا تأتي الاجابة من بطلة الرواية وصاحبة القصة الحقيقية سارة، فقد اعترفت له بما كانت تحتال به على عشيقها الأول من الحيل البارعة والأساليب الجميلة من أجل أن تلقاه، واعترفت له كذلك بما تشعر به المرأة الفاتنة المعتزة بجمالها، وكانت لا تخفي بأنها كانت سعيدة معه، دون أن تلقي بالاً لمشاعره، وهل يقتنع العاشق الثاني بما رضي به العاشق الاول؟ شخص العقاد وكبرياؤه لا يقبلان ذلك.

إذاً ما الحل؟ هذه عزيزي القارئ العقدة الصعبة والحبكة المعقدة في الرواية، ما الحل؟ سؤال منطقي يحتاج الى جهد كبير ليكشف اسراره، يخلص الأديب عباس العقاد الى طرف الحل، وهو علاج الشك، ولا ينكر بأن مواجهة الحقيقة من أصعب المصاعب في هذه الدنيا، وذلك لسببيين، السبب الأول: كيف نعرف الحقيقة؟ والسبب الثاني: هل ستقودنا الحقيقة الى الحل؟ فهو لم يجزم بخيانتها، وإذا كانت كذلك فلا يسره أن يلقاها، وهي في الوقت نفسه على ما يبدو أنها تحبه! والقاسم المشترك بينهما أنهما يبحثان عن السعادة.

وما زال الراوي يفكر ويقلب الأمور ويتفكر: وأخيرا، لقد وجدت الحل إنه الرقابة، لقد وجدت الحل، إنه صديقي أمين، سوف يقوم بهذه المهمة على أكمل وجه، غير أن هذا الصديق يسهو كثيراً، ويقابل النقرة بالنقرة والكلمة بالكلمة، غير النهفات التي تحدث معه، لا لشيء، إلا لأن هذا الصديق له العديد من الهفوات التي تعد من مضحات الرقابة.

ولكن ماذا بعد؟ لماذا لم نسأل أنفسنا من هي سارة؟ بعد هذا الشوط من الرواية، سارة هي بنت من بنات الواقع وبنات المشاهدات اليومية، وليست من بنات الخيال، هي البنت أيضا التي لها مشاعرها وأحاسيسها، فالبنت مهما كانت، هي إنسانة لها مشاعرها وأحاسيسها، ولكن السؤال المهم: ما هي ضوابط العلاقات؟ وضمن أي إطار؟ وكيف السبيل الى أن تبقى مياه النهر في النهر قبل أن تصب في المحيط؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان